شرق وغرب

أتعرفون بم ذكرتني هذه الأحداث التي لم أختر أن أحكيها عبثاً، ليس بشيء إلا بما يحدث اليوم، فالموقف الأول يشبه في نظري قضايانا العربية والإسلامية، فلا مبالاتنا بِما يحدث في دولنا العربية كل يوم من تهميش وقمع وقتل وانتهاك حقوق، يهون من القضية ويخول للغرب أن يستهزئ بها ويقلل من أهميتها.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/19 الساعة 07:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/19 الساعة 07:49 بتوقيت غرينتش

سأقصُّ عليكم موقفين مختلفين حضرتهما، فأثار أحدهما اشمئزازي والآخر إعجابي.

الموقف الأول دارت أحداثه داخل عيادة طبيبة كنت في زيارة لها، وبينما كنت جالسة في القاعة، وبما أن العيادة كانت تعج بالناس، فقد طال بي الانتظار. وإذا بي أجد نفسي مضطرة لسماع كل القصص التي كانت تحكى، خصوصا تلك التي كان أصحابها يرفعون أصواتهم غير مبالين بمن حولهم، وكانت سيدتان متوسطتا العمر تجلسان بجانبي، اكتشفت من كلامهما أنهما أختان، فكانت إحداهما تحكي عيوب زوجها وتَعُدُّها عدّا، وتُصِر بعد كل قصة تقصها على الإعلان بفخر عن لا مبالاتها، وتنعته بأسوأ الصفات، فتارة تقول بأنه غريب الأطوار، وتارة تتعجب من كونه يشعر بالجوع كباقي البشر ويطلب أن تعد له الطعام، وأختها تستمع إليها باهتمام بالغ وتوافق على كل كلامها، مؤكدة في كل مرة عن أن عدم اهتمام أختها بزوجها هو عمل صائب وتفتخر بأنها قامت بذلك قبلها، كونها تكبرها ببضع سنوات كما بدا لي، وما زاد الطين بلة هو عندما قالت لها بثقة بالغة: "إن زوجك ذاك، لا يعدو كونه حمارا "وزادت دهشتي عندما أجابتها الزوجة الصالحة بكل طيبة واستسلام: "أجل أختي، معك حق. "

القصة الأولى بالنسبة لي انتهت هنا، وهل يتبقى من بقية بعد كل هذا؟

الموقف الثاني حدث معي في زيارة لبعض الأقارب، فبمجرد وصولي إلى منزلهم حتى تفاجأت بحزن عميق يخيم عليهم، حتى أن البسمة قد غابت عن شفاههم، فلا طعام يحلو لهم ولا ضحك يعلو في أرجاء بيتهم كما العادة، وكانت أكثرهن مَرَحا أشدهن حزنا في ذلك اليوم، فلما سألتها عن السبب فيما يحدث أجابتني بكل أسى: "سيدي فلان مريض، وأنا أشفق عليه وعلى أختي" ، وانهمرت الدموع من عينيها حتى اختنقت، فلم تكمل حديثها وخرجت مسرعة من الغرفة، ولم يكن المريض إلا زوج أختها الكبرى، التي لطالما كانت تذكره بخير عند أهلها وتعظم من شأنه، وتصفه بأحسن الصفات، مما جعل منه شخصا مهما يستحق أن يحترمه الجميع، ويقدره كل من حوله، فلا يجرؤ أحد على سبه أو إيذائه من أقاربها.

قصتي الثانية أيضا انتهت.

أتعرفون بم ذكرتني هذه الأحداث التي لم أختر أن أحكيها عبثاً، ليس بشيء إلا بما يحدث اليوم، فالموقف الأول يشبه في نظري قضايانا العربية والإسلامية، فلا مبالاتنا بِما يحدث في دولنا العربية كل يوم من تهميش وقمع وقتل وانتهاك حقوق، يهون من القضية ويخول للغرب أن يستهزئ بها ويقلل من أهميتها، ونحن قابعون في بيوتنا خاضعون نهز الرؤوس موافقة واستسلاما، وكل ما نفعله هو ترديد بضع كلمات نكذب بها على أنفسنا قائلين في أسى مصطنع: "ما بيدنا حيلة" ، حامدين الله في قرارة أنفسنا أن بلادنا تنعم بالأمان، وأن ما يعاني منه إخواننا لم يصبنا.

والموقف الثاني ما هو إلا صورة عن ردة فعلنا كعرب ومسلمين، فتجدنا ننتحب ونبكي ونندد، ونكثر من الدعوات كلما أصاب الغرب مكروه، لأنهم يحترمون قضاياهم ويقدرون أنفسهم ويهتمون ببعضهم، ففرضوا علينا أن نحترمهم ونعظمهم، لنجد أنفسنا مستسلمين خاضعين دونما رغبة منا، بل والأخطر من ذلك أن إحساسنا حينها يكون صادقا ونكون فعلا حزينين ومتأثرين كل التأثر لما حدث.

إنه الذكاء أم الدهاء، أم حسن التدبير؟ أم أنها الفطرة التي جنفنا عنها؟ أيننا من النزعة القومية والتلاحم والتعاون الذي أوصانا به ديننا؟ لماذا ننسى بأننا أمة واحدة، علينا أن نتحد ونكون يدا واحدة، وأن يد الله مع الجماعة؟ لماذا لا تكون قضية كل عربي قضيتنا، ومعاناة كل مسلم مشكلتنا؟

أسئلة كثيرة أظنها ستظل خالدة في طرحها خلود السؤال الفلسفي، فلا مجيب كأننا موتى، وهل يسمع الموتى الدعاء؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد