3 أشهر فقط استغرقها بناء مسجد جديد في جامعة القاهرة يتسع لنحو 1200 مصل، ليتم افتتاحه بحضور كبير ضم رئيس الجامعة ووزير الأوقاف ومفتي البلاد وأمين الجامعة العربية السابق، ولتبدأ بعد ذلك مباشرة عملية متسارعة لهدم مساجد وزوايا الصلاة بكليات الجامعة لتترك الطلبة أمام خيار وحيد هو المسجد الذي يستغرق الذهاب إليه والعودة منه لبعضهم نحو نصف ساعة.
الجامعة تقول إنها اتخذت هذه الخطوة "إقامة للشريعة" وإحياء لسنة الجماعة بمفهومها الصحيح، ورئيسها أضاف إلى الأسباب – في تصريحات تلفزيونية – أنه لن يترك الشباب في تلك المصليات الصغيرة عرضة للتطرف، وأن الهدف هو منع استغلال عقولهم في القضايا السياسية.
فيما رأى طلاب أن السبب الحقيقي كان أمنياً فحسب، تم اتخاذه في جهاز الأمن الوطني ليتيح مراقبة تجمعات الطلاب ومنع الكلمات الوعظية التي يلقيها بعضهم في مساجد الكليات الجامعية غير الخاضعة للرقابة.
تاريخياً، كانت المنشآت الجامعية في جامعة القاهرة يستغرق إنشاؤها سنوات طويلة حتى بافتراض توفر الميزانية، جرى ذلك في قاعة الامتحانات المركزية، وفي كلية الإعلام التي استغرق بناؤها نحو 20 عاماً! وقبل عامين من الآن كان رئيس الجامعة يشكو من عجز في ميزانيته يبلغ نصف مليار جنيه، وقبل نحو شهرين فقط كان يشكو مجدداً من أن ميزانية الجامعة لا تغطي إلا المرتبات!
وفي أغسطس الماضي لجأت الجامعة إلى حيلة جديدة لتدعيم ميزانيتها الفقيرة، وذلك بفرض تبرعات "إجبارية" تبلغ 10 آلاف جنيه على كل عضو بهيئة التدريس يرغب في السفر للعمل بالخارج، وتتضاعف هذه الرسوم إذا كان يطلب تمديد إجازته فوق 10 سنوات، وهو الأمر الذي أثار غضباً.
من أي أموال إذن تم بناء المسجد؟
لا إجابة شافية.. فرئيس الجامعة اكتفى بأن المبنى تم إنشاؤه بتبرعات من فاعلي الخير من أساتذة الجامعة ومن غيرهم، ولكن مع ذلك فإنه لم تعلن عن أي عملية رسمية لجمع التبرعات ما يعني أنها – إن صحت – فربما تمت خارج إطار القانون، أو باستخدام التبرعات الإجبارية التي تم فرضها على الأساتذة المسافرين.
ولماذا أصبح بناء مسجد جديد بشكل متعجل هو الأولوية الرئيسية لجامعة تشكو من فقر التمويل؟
هذا أيضاً سؤال لم يجب عنه رئيس الجامعة الذي كان يدرك حجم الاعتراضات التي ستواجه قراره بهدم مساجد الكليات، ولذلك فقد قال رداً على ذلك: "قدمنا الحل قبل اتخاذ القرار وتطبيقه، وافتتحنا مسجداً جامعاً بالشكل الذي يليق بعبادة الصلاة ويستوعب أكثر من 1200 مصل، وتم غلق الزوايا بعد رأي دار الإفتاء بهدف حماية الطلاب من دس أفكار تعادي استقرار الدولة".
استطرد رئيس الجامعة قائلاً في تصريحات نشرتها "الأهرام": "مصرون على تفكيك بنية التطرف في الجامعة، والمسجد الجديد يفتح للصلاة من الحادية عشر صباحاً إلى صلاة العشاء تحت إشراف إمام معين من قبل وزارة الأوقاف".
الأسباب الأمنية
ما أبداه رئيس الجامعة من أسباب أمنية، كان هو نفسه ما عبر عنه رئيس القطاع الديني في وزارة الأوقاف الشيخ محمد عبدالرازق قبل عدة أشهر عندما رحب بقرار غلق المصليات الصادر من إدارة الجامعة "لأن بعض طلاب الجماعات المتطرفة كانوا يستغلونها لنشر الفكر المتطرف، واستقطاب عناصر جديدة لتنظيماتهم الإرهابية أو المتشددة"، وأعرب عن أمله في أن "تحذو الجامعات الأخرى حذو هذه الخطوة الوطنية".
ولكن متحدثاً باسم حركة طلاب ضد الانقلاب كان قد أكد لـ"الجزيرة نت" في ذلك الوقت أن هناك أسباباً غير معلنة وراء القرار؛ "فإدارة الجامعة تعرف أماكن خروج التظاهرات بواسطة كاميرات المراقبة الموزعة بكل أماكنها، وهي لا تخرج من المصليات والزوايا، كما لا يتم الدعوة من خلالها إلى أي فكر متطرف". وعزا قرار الجامعة إلى خوف النظام من كل شيء ومن تواجد أي عدد من الطلاب في أي مكان.
نفس الفكرة عبر عنها لـ"الجزيرة.نت" أيضاً الأستاذ الجامعي حسام عقل الذي قال إن القرار بعيد عن السلوك الإداري الواعي ويعكس نوعاً من الخوف الزائد والتشنج في اتخاذ القرارات.
وقال إن الإدارة الواثقة لا تتصرف بمثل هذا الرعب، وأشار إلى أنه "كان يمكن للجامعة تعيين أئمة لتولي مسؤولية تلك الزوايا والمصليات فيتم غلقها بعد انتهاء الصلاة بدلاً من إلغائها تماماً، خاصة مع اتساع جامعة القاهرة وكثرة أعداد الطلاب والأساتذة والإداريين".
وشدد على أن "الإجراءات القمعية لن تؤدي إلى حدوث انفراجة وطنية، بل تتسبب في ازدياد حالة الغليان والغضب".
أما المحلل السياسي هاني سليمان فقال إن القرار خطوة أمنية بالدرجة الأولى، والجامعة تخطئ في ظنها أنها بذلك تضع الطلاب المعارضين تحت المراقبة، وتجمعهم في بؤرة واحدة تسهل مراقبتهم، لمنع تجنيد آخرين.
غير مناسب للجميع
ومن ناحية عملية، أبدى الدكتور رأفت فودة، أستاذ ورئيس قسم القانون العام بكلية الحقوق جامعة القاهرة، في تصريحات لـ"عربي بوست"، اعتراضه على قرار غلق وهدم الزوايا داخل الجامعة قائلاً: "إن وجود مسجد جامع لا يغني عن الزوايا في جهة حكومية، والجامعة جهة حكومية روادها من الأساتذة والطلاب".
وأوضح أن هناك كليات بعيدة عن المسجد مثل الحقوق والآداب أو كليات خارج الحرم مثل الهندسة والزراعة، ويحتاج طلاب وأساتذة تلك الكليات لنحو نصف ساعة لرحلة الذهاب والإياب إلى المسجد، إضافة لوقت الصلاة ما يعني ضياع المحاضرات.
وقال فودة إن فتوى الهدم التى حصلت عليها إدارة الجامعة يسأل عنها من أصدرها، ولكن لمَ نعيب على بعض الغربيين مطالبتهم بإغلاق المساجد بعد حوادث الإرهاب هناك إذن؟! وأضاف: "إذا كان الهدف من الهدم محاربة الإرهاب فالجامعة تستطيع مراقبة ما يقدم داخل تلك الزوايا عبر الكاميرات".
وأكد أن الجامعة رغم ذلك كانت تحتاج للجامع الكبير خاصة مع استمرار المحاضرات يوم الجمعة، ما يضطر الطلاب والأساتذة لأداء صلاة الجمعة على الأرض، ولكن المسجد الجامع لن يغني أيضاً في صلاة الجمعة بجامعة يبلغ عدد طلابها 250 ألف طالب.
هدم الزوايا
وبدأت جامعة القاهرة هدم مسجد كلية التجارة ومساجد أخرى، تنفيذاً لقرار رئيس الجامعة الدكتور جابر نصار، بغلق كافة الزوايا المتواجدة بالحرم الجامعي والمستشفيات الجامعية بدعوى عدم توافر شروط الطهارة المناسبة لأداء الصلاة، وذلك بعد إنشاء المسجد الجامع الجديد.
وقيل إن قرار الهدم استند لفتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية في شهر يونيو/حزيران الماضي.