يخشى البعض أن يؤدي الخوف الذي سيطر على فرنسا إثر اعتداءات باريس إلى دفع المجتمع الفرنسي للتخلي عن القيم التي يبني عليها قوته.
يَظهر هذا الخوف بشكل ملموس في شوارع باريس، حيث تثير أدنى شائعات عن وقوع اعتداءات جديدة ردود فعل من الذعر.
في شارع شارون حيث قتل 19 شخصاً على رصيف مقهى "لا بيل ايكيب" يعبر فريديريك ايتا (48 عاماً)، صاحب محل للمأكولات، عن إحساسه بعدم وجود "حماية" له ويقول: "يجب أن يدرك الفرنسيون فعلياً أننا في زمن حرب".
جارته حميديش دورية قالت: "سوف نغير عاداتنا بشكل كبير بدءاً بعدم الخروج كثيراً في الليل".
الخوف قد ينال من طبيعتنا
ودعت رئيسة بلدية باريس، آن إيدالغو، (اشتراكية) مواطنيها إلى عدم الاستسلام للخوف من "أعدائنا"، مضيفة "ما يجب أن نخشاه هو المشاعر التي قد يزرعونها فينا، الخوف الذي يشوّه طبيعتنا، والغضب الذي يشوّه صورتنا، والشك الذي يقسمنا".
إيدالغو أدلت بهذه التصريحات في كلمة ألقتها، الاثنين 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أمام مجلس بلدية باريس المجتمع بكامل أعضائه قبل أن تلزم فرنسا دقيقة صمت حداداً على ضحايا الاعتداءات وتعبيراً عن وحدة الأمة في وجه الإرهاب.
لن ننساق لنزاع مسلح
في وقت يخشى مسلمو فرنسا من أن يؤدي هذا الوضع إلى استهدافهم قال المفكر ميكايل فوسيل: "يجب ألا ننساق على الإطلاق لرغبة الإرهابيين في دفع المجتمع الفرنسي الى نزاع مسلح".
وتابع أن "ما تم استهدافه هو الحلقة الضعيفة في مجتمعنا الذي ضربته الاعتداءات السابقة والخطابات الأمنية، وهي الحلقة التي لا تزال متمسكة بالمساواة في مجتمعنا، ولا تزال مختلطة وديمقراطية".
ورأى أن "استراتيجية الإرهابيين تقضي تصفية نقاط المقاومة التي أضعفها أساساً خطاب صدام الحضارات".
وعلى إثر اعتداءات يناير/كانون الثاني على صحيفة "شارلي إيبدو" الهزلية ومتجر يهودي وقعت حوادث متفرقة خلال دقائق الصمت التي جرت في مدارس بعض الأحياء الشعبية، حيث غالبية من الفرنسيين المتحدرين من أصول مهاجرة والمسلمين.
غير أن هيئات التعليم لم تسجل هذه المرة أي حوادث مماثلة. وقال فيليب تورنييه، رئيس نقابة لأرباب العمل، إن "أي شاب يشعر بأنه معنيّ بإطلاق النار على رصيف مقهى أو على حفل موسيقي".
المجتمع بحاجة إلى التأمل
كان ضحايا الاعتداءات على مسرح باتاكلان ومقاهٍ تغص بالرواد في أحياء رائجة من شرق العاصمة في غالبيتهم من الشبان العاملين أو الطلاب من أصول وانتماءات اجتماعية متنوعة.
وقال عالم الاجتماع ميشال فيفوركا لفرانس برس إنهم "قتلوا بأيدي أشخاص يكرهون نمط العيش هذا، يتحدرون من مجتمعنا الذي أنتج أشخاصاً مهمشين ضمن قسم صغير من الشباب تحركهم مشاعر الحقد والنقمة".
كما فجر ثلاثة انتحاريين أنفسهم قرب ملعب ستاد دو فرانس شمال باريس في محاولة فاشلة لإثارة مجزرة بين الحشود التي كانت تشاهد مباراة لكرة القدم بين منتخبي ألمانيا وفرنسا.
وأبدى ميكايل فوسيل وميشال فيفوركا قلقهم حيال الخطاب الأمني الذي تبنته السلطة السياسية، الذي قد يقود بنظرهما الى النيل من قيم الحرية والديمقراطية التي يقوم عليها المجتمع المسيحي.
فوسيل قال: "حين تفرض كلمة الحرب نفسها لا يعود من الممكن قول أي شيء آخر"، مضيفاً "لكنها ليست حرباً. إنها أعمال إرهابية يريد منفذوها من خلالها أن يفرضوا علينا الحرب، إنه إجرام سياسي يمتّ الى القانون الجنائي ولو كان قانوناً استثنائياً، وكل ما يسيء الى الحرية يأتي بنتيجة عكسية".
وقال ميشال فيفوركا إن "معجم الحرب على الإرهاب هو معجم خطير لأنه يذكر بأخطاء (الرئيس الأميركي السابق) جورج بوش و(رئيس الوزراء البريطاني السابق) توني بلير" في تبريرهما اجتياح العراق.
الرئيس استخدم كلمة الحرب
واستخدم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند كلمة "حرب" عدة مرات، أمس الاثنين، في كلمة ألقاها أمام البرلمان المنعقد في جلسة طارئة بمجلسيه، فقال إن "فرنسا في حرب"، و"إننا في حرب على الإرهاب الجهادي الذي يهدد العالم بأسره وليس فرنسا فقط".
ورأى ميشال فيفوركا أن "المجتمع بحاجة الى التأمل والمناقشة جماعياً" حتى لا يقع في فخ الحرب.
وجمع برنامج تلفزيوني واسع الشعبية في فرنسا، مساء السبت، عدداً من السياسيين والمثقفين والفنانين على مدى أكثر من ساعتين، متفادياً طرح أي جدل يمكن أن يثير انقساماً في المجتمع الفرنسي.
وبلغ عدد متابعي هذا البرنامج غداة اعتداءات باريس 3,2 مليون مشاهد، أي ضعف عددهم عادة، وقال فيه المثقف رافايل غلوكسمان ملخصاً الشعور العام الذي ظهر بين المشاركين: "لن ننتصر إلا إذا امتنعنا عن التضحية بما نحن"، داعياً الى "عدم إنجاز عمل داعش".