سوق المال، استثمار مالي، ربح، خسارة، دَين، رأسمال اسمي، رسم دمغة على كمبيالة، إنتاج بالجملة، اتجاه السوق: كلها مصطلحات معتادة في الخلفية الاصطلاحية لطالب التسيير المالي والمحاسباتي. والمبدأ واحد على اختلاف لغة التدريس والتلقين.
في اليوم الذي تقرر فيه اختيار تخصص الاقتصاد والتسيير كشعبة – أو كمبدأ في الحياة حتى – استعدّ لمتتالية من التغييرات اللانهائية، انسَ مبدأ الاستقرار واعمَل على تحيين كل المعلومات في الوقت المناسب وإلا انجرفت للوراء، للركن المنسي من العلوم التي فقدت قيمتها وحمولتها العلمية. سرعة تداول المعلومات القَيّمَة في مجال الاقتصاد مهولة.
في الأسواق المالية مثلاً صار من المستحيل التخلّي عن وَحدة "جزء من الثانية الواحدة" كوحدة قياس. الدّقَّة والسرعة: هما ما يمَيّز طالب التسيير المالي. نَعم صرنا نتحَوّل لروبوتات، لروبوتات حَية إنسانية شيئا فشيئاً! وليس في الأمر أدنى عيب، بل كل العيب أن تفكر في جيبك وحدك قبل غيرك.
كطالب في التسيير المالي والمحاسباتي مصطلحا الربح أو الخسارة لا يحملان أي معنى بدون إدراج الكَيْف. كل ما يهم في آخر المطاف هو كيف تربح بجدارة واستمرارية وإلا فاختر الخسارة. هاته الأخيرة تبقى من بين الاختيارات كذلك، إذ إن الطريق مهما طالت لابدّ من إعلان نهاية ما. هاته النهاية التي قد تكون بدورها بداية لنهاية أخرى وهكذا دواليك. أتعلم الآن لماذا قلت لك من البداية "انسَ مبدأ الاستقرار"، كُن واقعياً وكُفَّ عن تَخَيّل الواقع بدون مخطط ولا حتّى فكرة جريئة للتغيير.
كطالب في تخصص التسيير المالي والمحاسباتي كن مستعداً للمفاجآت السارة منها والمفجعة على الدّوام – على عكس القواعد الفيزيائية للكون التي تُعرف باستقرارها – إذ يكفي أن تعرف قاعدة ما لتطبقها، هنا في التسيير المالي يكفي أن تعرف قاعدة ما لتحتاط منها! كن مُتربّصاً بالمستقبل ولكن لا تخشَ تغييره!
الفاجعة هي التخطيط لطريقك وحدك أو على شاكلة المصابين بمتلازمة اللاموس (lemming syndrome)، أي أن تكون تابعاً لموجة ما فقط لأن الجميع منتم لها، قد تكون ضد مبادئك ولكن لا يهم ما دمت تابعاً للجماعة.
الجماعة التي تعترف بالاقتصاد كقوة فقط وليس كأخلاق! نحن على يقين بأن تخليق الاقتصاد لن يتم بعد عقد من الزمن أو حتى ثلاث عقود أو أكثر، لنكن أكثر واقعية ونعترف بمسؤوليتنا العميقة أمام هذا العلم. إذ إنّ أصعب مسؤولية تستطيع مواجهتها هي تغيير نَسَق يُعَدّ بالقرون. بل الأخطر والأصعب من هذا كله هو كثرة مُدّعي تخليق الاقتصاد لتصير مسؤوليتك مزدوجة وصعبة الكَشْف: أن تفرّق بين الحقيقي والإشهار المالي الكاذب في صبغة ونسق القيم. والمثال الأكثر شعبية هو حقيقة البنوك المالية "الإسلامية" التي اختارت الاسم ونسيَت المبدأ!
المستقبل ينتمي لكلّ واحد منّا، شريطة تجنّب العَبث بمبادئ الكَون والإنسانية. أو قُل – إن شئت – إن الاقتصاد أعمق بكثير من ورقة طولها ستة عشر وعَرْضها ثماني سنتيمترات، الاقتصاد والتسيير المالي هو حين تُفاجأ بوجود قدر مِن المال في جيب سروالك المنْسيّ ثم تَتَفضَّل لتعطيه لأول شخص ابتسم في وجهك في الصباح، إنْ وُجِد.
التسيير المالي والمحاسباتي هو أن تُصْدَم بواقعية وتُخطط لجيوب الناس وأنت تدعو الله أن لا تجد جيباً مثقوباً عن آخره وإلا فحِساباتك باطلة! ستَضطر بعدها إلى البحْث عن إبرة لخياطَته (وغالباً ما توجد الإبرة في صَحن بِزْنْس مان ذي كرش عظيم).
الاقتصاد هو حين تُؤَثِّث لسنواتك العشر القادمة فتُفاجَأ – أو يُفاجَأون – بموتك غداً، شُعور يُشْبه لحد كبير شعور امرأة حامل فَقَدت أول مولود مرتَقَب لها وهي في شهرها التاسع!
الاقتصاد هو كلُّ ما لم يَكن، على الأقل حتى الآن!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.