تحدثت صحيفة "تلغراف" البريطانية، الخميس 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، عن "وثيقة" سعودية تعرض "خطة تغيير" واسعة في المملكة تعتمد على إصلاحات اقتصادية، وتعزيز دور المرأة وفتح الأبواب أمام المنظمات الحقوقية الدولية.
وفي الوقت الذي تبدو فيه السياسات الداخلية في السعودية خاضعة للكثير من التمحيص والتدقيق، قالت الصحيفة البريطانية إن مستشارين مقربين من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفي خطوةٍ غير مسبوقة، أطلعوا الصحيفة على الخطوط العريضة لبرنامج المملكة المستقبلي.
الخطة بحسب التقرير الذي نشره ريتشارد سبنسر، محرر الصحيفة في الرياض، تتضمن برنامجاً لتخفيض ميزانية بعض القطاعات، وتعزيز دور القطاع الخاص، وإصلاح الطريقة التي يتم بها تسيير البلاد.
وتشير الخطة بشكل غير مباشر إلى أن التغييرات التي جرت داخل السلطات السعودية منذ استلام الملك سلمان الحكم في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، بنقل ولاية العهد إلى الجيل الثاني من أبناء مؤسس البلاد الملك عبدالعزيز، وتنصيب الأمير محمد بن سلمان ولياً لولي العهد، أثارت أصواتاً أبدت عدم ارتياحها لذلك، فيما سرت شائعاتٌ خارج السعودية مفادها أنه ثمة أمراء يطرحون إمكانية استبدال الملك سلمان بأحد أشقائه.
الشباب.. والمرأة
لكن وثيقة "المبادئ العامة" التي اطلعت عليها صحيفة "تليغراف" تقول إن الطريقة التي كانت تدار بها البلاد منذ تأسيسها قبل قرن يجب أن تفسح المجال أمام "الشباب".
وتقول الوثيقة: "ربما أغضبت هذه التغييرات الحاسمة والمفصلية بعضَ الناس، لكن الأمر لم يصل إلى حد خلق أزمة. تتحدث وسائل إعلام عن أزمة داخل العائلة السعودية الحاكمة، لكن وسائل الإعلام هذه تنسى أن تتوجه إلى الشعب السعودي التوّاق إلى التغيير والإصلاح الاقتصادي. يحتاج الناس إلى إعادة تأسيس المملكة على أسسٍ جديدة بما يجعلها قوة اقتصادية كبرى، وهذا لن يحدث دون تغيير جذري".
تقول "تليغراف" إن الوثيقة تتضمن اعترافاً نادراً بأن السلطات السعودية تتحمل جزئياً مسؤولية ما وصفتها بـ"الصورة غير الجيدة" للمملكة عالمياً، خاصةً فيما يتعلق بحقوق المرأة، إذ تقول إن "قضية المرأة السعودية أصبحت قضيةَ رأي عام عالمي، ويبدو أننا خسرنا الكثير في هذه القضية. لكن هذا كان عادلاً لأننا لم نطور الطريقة التي نتعامل بها مع هذه القضية".
وتمضي الوثيقة قائلة إن الحل هو "فتحُ أبواب المملكة أمام اللجان الدولية ومنظمات حقوق الإنسان".
استجابة للتغييرات في المنطقة
وتقول "تلغراف" إن الإصلاحات المقترحة تأتي على أرضية التغييرات السياسية الكبرى التي تشهدها المملكة منذ وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في يناير/كانون الثاني الماضي. ورغم أن الملك الراحل كان يحكم رسمياً منذ عام 2005، إلا أنه كان الحاكم الفعلي قبلها بعشر سنوات، أي منذ مرض الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز.
وتعاقب أبناء الملك عبدالعزيز، مؤسس المملكة، على استلام الحكم منذ عام 1953 واحداً تلو الآخر. لكن الملك سلمان قام بعد توليه السلطة بتغيير هذه المتوالية مانحاً ولاية العهد للجيل الثاني من أبناء الملك عبدالعزيز، حيث استلمها الأمير محمد بن نايف، وبذلك فقد تم نقل ولاية العهد إلى الجيل التالي.
بينما استلم الابن الأصغر للملك سلمان، الأمير محمد بن سلمان، مناصب نائب الملك ورئيس الديوان الملكي ووزير الدفاع، ومنذ ذلك الوقت ورغم كونه في الثلاثين، يُعد أحد أقوى الشخصيات السياسية في الشرق الأوسط. فمثلاً أجرى الأمير محمد بن سلمان مفاوضات مباشرة مع الرئيس فلاديمير بوتين حول مستقبل سوريا.
كما أن الوزارة الجديدة التي أعلنها الملك سلمان يشغلها وزراء من عموم السعوديين وليس الأمراء، والعديد منهم يحملون شهادات دكتوراه من جامعات غربية.
النفط.. معضلة كبرى
الوثيقة – بحسب الصحيفة – قام بإعدادها مسؤولون في الديوان الملكي والمجلس الاقتصادي الذي أسسه ويشرف عليه الأمير محمد بن سلمان، وهي تعالج الانتقادات الكثيرة التي توجه للمملكة حول اعتمادها على واردات النفط لتأمين مواطنيها بوظائف متدنية في مؤسسات الدولة.
يقول مستشارو الملك – بحسب تقرير تلغراف – إن 80-85% من دخل الحكومة يأتي من واردات النفط، واصفين هذه الحقيقة بـ"المعضلة الكبرى" التي ثبت أنه يصعب التغلب عليها؛ لأن السعر العالي للنفط خلق حالةً من "الخَدَر".
ويقدّر المستشارون أن 30% من الميزانية يتعرض للهدر، وباعتبار أن واردات النفط تتعرض لضغط كبير بسبب انخفاض سعر النفط إلى النصف منذ شهر يونيو/حزيران الماضي، فإن المسؤولين في الحكومة يتحدثون لأول مرة عن اقتراض المال، بل وحتى عن فرض الضرائب.
وتهدف الخطة إلى تخفيض الهدر وزيادة الإنفاق على البنية التحتية في سبيل "تنويع مصادر الدخل".
وقد خلق واقع السعر المنخفض للنفط فرصة للتركيز على قطاعات أخرى دون النفط بالمملكة، فالضغط سيتركّز الآن على الاستثمارات الأجنبية، خاصة في الشراكة مع الحلفاء التقليديين للمملكة، مثل بريطانيا، الولايات المتحدة وفرنسا، وفي مجال التكنولوجيا تحديداً.
لا تغيير في الثوابت
وتؤكد الوثيقة في بعض النقاط أن المملكة لن تغير ثوابتها، ولا تسعى الإصلاحات المطروحة لتقديم حلول للتعامل مع بعض الانتقادات التي توجهها منظمات حقوقية لها.
وترفض الوثيقة الانتقادات التي وجهها جيريمي كوربين، زعيم حزب العمال البريطاني، وغيره، حول تعامل المملكة مع الاحتجاجات التي اندلعت في شرق البلاد بين عامي 2011 و2012، وتقول في هذا الصدد: "لقد قام أفرادُ عائلة النمر بمهاجمة رجال الأمن والمرافق الحكومية، لقد أرهبوا المدنيين وأثاروا الشغب. لقد كان ذلك فعلاً إجرامياً واضحاً قاد إلى مقتل رجال شرطة. لدينا كل الحق في الحفاظ على سلامة وأمن مواطنينا، ولا يمكننا فهم المطالب التي تدعو إلى تمرير هذه الأفعال من دون عقاب".
أما بصدد الإصلاحات المتعلقة بالمرأة السعودية، فيشير البيان إلى أن البلاد يجب أن تكون أكثر انفتاحاً تجاه حقوق المرأة، وأن السلطات لم تتخذ إجراءات بهذا الصدد بسبب "الإرث والتقاليد".
لكن الوثيقة تشير إلى تقدم في مجال تعليم المرأة، حيث نسبة الإناث تتفوق على نسبة الذكور في الجامعات، وفي مجالات الصحة والرعاية الاجتماعية.
وتضيف "لقد قطعنا شوطاً طويلاً ولا يمكن التقليل من الجهود التي قمنا بها في السنوات القليلة الأخيرة لتعزيز دور المرأة في المجتمع وإعطائها الحقوق التي تستحقها".