للمرة الرابعة على التوالي يفوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية، ولكن هذه المرة بأغلبية ساحقة مكّنته من تشكيل الحكومة بمفرده، ولقد كانت الإنجازات التي حققتها الحكومات التركية المتعاقبة بقيادة الحزب خلال السنوات الماضية، أكبر الأثر في كسب تأييد الناخبين.
النتائج تظهر زيادة هائلة قدرها أربعة ملايين صوت تقريباً لصالح حزب العدالة والتنمية مقارنة بالانتخابات السابقة، وهذه النتيجة قد تكون الأكبر في تاريخ الحزب والتي استعاد فيها أغلبيته المطلقة، وقد وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فوزه بأنه تصويت للاستقرار ينبغي أن يحترمه العالم. إن هذا الفوز هو أفضل رد على من يزعم بعجز الأحزاب والتيارات الإسلامية على إدارة الحكومات في بلادهم..
فاز حزب العدالة والتنمية في تركيا فاحتفلت غزة والقدس، كما احتفلت إسطنبول، وكما احتفل مسلمو الروهينجيا الواقعين تحت القمع البوذي، وكذلك احتفل المسلمون في أعماق آسيا، وخرجت الناس في بقاع عديدة من العالم وبصورة عفوية احتفالاً بهذا النصر.. هذا الفوز الذي أدخل السرور والسعادة على قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين، فضلاً عن سعادة الأتراك أنفسهم بعد أن ظن العلمانيون أن شعبية حزب العدالة والتنمية في تركيا تراجعت في انتخابات يونيو الماضي، واصفين ذلك التوهم بأنه حلقة من حلقات انهيار المشروع الإسلامي في المنطقة، كما اعتبروه صفعة مدوية لرجب طيب أردوغان، ولكن فرحتهم لم تدم بعد الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية التركية في الأول من نوفمبر الجاري، وحلت بهم الحسرة، والأسى.
إن من مكاسب فوز العدالة والتنمية إشارة واضحة على أن الشعوب الإسلامية لو ترك لها الخيار الحر فلن تقدم أحداً في اختيارها على الأحزاب الإسلامية المعتدلة.
لقد تعلمنا من تجربة حزب العدالة والتنمية خصوصاً في الانتخابات قبل الأخيرة درساً في كيفية قبول نتائج الانتخابات وإن جاءت بخلاف ما نرغب ونحب، وهذا ما أعطى تقديراً واحتراماً للحزب في قلوب الشعب، انعكست على ارتفاع نسبة المصوتين له خلال أقل من نصف سنة على شعبية الحزب، وتوافق الشارع مع طروحاته وبرامجه التنموية، واستفتاء على شخصية البروفيسور أحمد داود أوغلو في قيادة الحزب والدولة، وهو استفتاء واضح وصريح على قناعة الشارع التركي بأنه لا يوجد أي حزب آخر قادر على طرح ما يطرحه حزب العدالة والتنمية، ولو كان من خلال اتحاد أحزاب المعارضة مجتمعة، لا على مستوى البرنامج الانتخابي، ولا على مستوى الحضور الدولي.
إن دلالات أرقام الأحزاب ونسب التصويت جاء انتصاراً فعلياً لتركيا الواحدة الموحدة في مواجهة محاولات شرذمتها وتقسيمها وبث الطائفية فيها من خلال التركيز على العرقية الكردية والعلوية ونحوها، وأن الشعب التركي حتى في مناطق الأكراد اختار أن يعيش موحداً وواحداً.
إن في فوز حزب العدالة درس في كيفية التعامل مع الإخفاقات، بعد النتائج السابقة والتي نزلت فيها نسبة المؤيدين له قام بمراجعات سريعة، واتخذ قرارات مهمة ساهمت في حصوله على هذه النسبة العالية من الأصوات، التي تصل إلى نصف نسبة المصوّتين إلا قليلاً.
لقد حصل حزب العدالة والتنمية على ما كان يطمح إليه من تفويض شعبي حر ومباشر ولكن عليه أن يستوعب درس الانتخابات الماضية؟
ما لدى تركيا يؤهلها لأن تكون من اللاعبين الأقوياء في الإقليم بل ولتكون اللاعب الأقوى في الملفات الإقليمية التي تحتاج لدولة قوية مقتدرة قادرة على اتخاذ القرار داخلياً وإقليمياً ودولياً.
وأخيراً.. السؤال الذي يفرض نفسه: هل وعت الأحزاب الخاسرة سبب إعراض الناخب التركي وتحول الإرادة الشعبية وتأييدها المطلق لحزب العدالة والتنمية؟ وهل ستنكسر هيمنة القوى الخارجية على المشهد التركي بعد فشل مخالب القطط لديهم في تحقيق أهدافهم؟ وهل رأينا واستوعبنا نحن في العالم العربي جمال المشهد وجمالية التنافس الحر والنزيه في فضاء حرية التعبير واتخاذ القرار؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.