لا يخفي محمد منصور قلقه من أن يكون السياح الروس الموجودون في فندقه الفخم في شرم الشيخ أخر زائريه لوقت طويل بعد قرار موسكو تعليق الرحلات الجوية الروسية إلى مصر إثر تحطم الطائرة الروسية.
منصور الذي يدير فندقاً من فئة 5 نجوم في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر أضاف قائلاً "نحن مصدومون".
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية "نحو 50% من رواد فندقي من الروس، والضربة جاءت قبل ذروة موسم الإجازات في أعياد نهاية السنة".
ما ينبئ بأن مدينة شرم الشيخ التي تعرف بـ"جوهرة السياحة المصرية" لن تعد كذلك بل ستعيش أيام كئيبة أيضاً
وأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة 6 نوفمبر/ تشرين ثان 2015 بناء على توصية من أجهزة الاستخبارات، بتعليق جميع رحلات الطيران المدني الروسي إلى مصر، بعدما تعززت فرضية أن "قنبلة" أدت إلى اسقاط الطائرة الروسية ومقتل 224 شخصاً هم ركابها وأفراد طاقمها السبت الماضي بعد اقلاعها من مطار شرم الشيخ.
فقدان 70% من السياحة
يعزز ذلك المصير الأسود للمدينة التي كانت قبلة سياح العالم، المعلومات التي تناقلاتها وسائل إعلام مصرية عن الخسائر الفادحة التي ستلحق بقطاع السياحة، وبالدخل الأجنبي لمصري.
بحسب الجزيرة أظهرت تقديرات صحفية استنادا إلى بيانات رسمية مصرية أن قطاع السياحة المصري سيتكبد خسائر تصل قيمتها إلى قرابة 4 ملايين دولار يومياً، وذلك بسبب قرار كل من روسيا وبريطانيا إجلاء رعاياهما من السائحين.
وزارة السياحة المصرية كشفت أن إجلاء السائحين الروس والبريطانيين سيؤدي إلى فقدان 70% من السياح الوافدين للبلاد، وقالت الوزارة إن متوسط الخسائر اليومية جراء مغادرة السياح الروس مصر 2.5 مليون دولار.
وتعتمد السياحة في شرم الشيخ بنسبة 50% على السياح الروس، وتشكل روسيا أكبر سوق مصدرة للسياح إلى مصر تليها بريطانيا ثم ألمانيا.
وقد قررت موسكو أمس إجلاء نحو 92 ألف سائح روسي كانوا في مصر، لا سيما في منتجعي الغردقة وشرم الشيخ.
ويتوافد على مصر سنويا أكثر من 3 ملايين روسي يمثلون ثلث إجمالي السياح في 2014، وأسهم السياح الروس بـ1.9 مليار دولار من إجمالي الإيرادات، وهو ما يمثل ربع إيرادات مصر من النقد الأجنبي للعام الماضي، وينفق السائح الروسي يوميا 57 دولارا.
ضربة موجعة
زاد من ضبابية مستقبل مدينة شرم الشيخ، اتخاذ حكومات آخرى ذات الخطوة الروسية، إذ حذرت حكومات رعاياها من السفر لشرم الشيخ وعمدت إلى اجلائهم منها.
وشكل قرار بوتين الجمعة ضربة موجعة لجوهرة السياحة المصرية والملاذ المفضل للسياح الروس.
منصور أوضح أن "الألمان والفرنسيين وباقي السياح الأوروبيين يأتون في مجموعات صغيرة منذ ثورة 2011″، في إشارة لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المصري الأسبق حسني مبارك.
وأضاف "الآن إذا ما امتنع الروس عن المجيء فإن شرم الشيخ ستموت".
ولفت إلى وجود 100 سائح روسي حالياً في فندقه وأن 9 من الركاب الروس الذين قتلوا في حادث السبت كانوا يقيمون في فندقه بينهم امرأة وطفلاها.
وشيدت شرم الشيخ كمدينة منتجعات سياحية قبل 20 عاماً، وأصبحت من أهم أماكن الغطس في العالم، وفي العام 2013، زارها 2,5 مليون سائح اقلتهم عشرات من رحلات التشارتر يومياً وخصوصاً من روسيا وبعض دول أوروبا الغربية.
وحتى عشية الحادث، كانت نحو 20 رحلة تنقل آلافا من السياح الروس يوميا إلى شرم الشيخ.
آملين في المغادرة
وأعلنت موسكو أن نحو 80 ألف روسي موجودون حالياً في مصر خصوصاً في شرم الشيخ والغردقة على البحر الاحمر.
لكن مئات منهم لا يزالون ينتظرون في طوابير طويلة في مطار شرم الشيخ آملين بمغادرة المدينة.
وقالت السائحة الروسية اليساندرا كوندراتيفا لوكالة الصحافة الفرنسية "حقيقة لا اهتم بما سيحدث للسياحة في مصر الآن، أريد فقط السفر سالمة إلى بلدي".
إدارة سيئة
ويبدي السياح في مطار المدينة استياءهم من الطريقة السيئة التي تعاملت فيها شركات الطيران مع الأزمة بعد سقوط الطائرة الروسية.
وقال مستثمر من لندن يدعى بوافيش باتيل علق في شرم الشيخ مع ابنه البالغ 3 سنوات وزوجته الحامل في شهرها السابع "انظر إلى هذه الفوضى، لا أحد يعلم أي شيء".
وبين عامي 2004 و2006 شهدت شرم الشيخ ومنتجعا طابا ودهب على البحر الأحمر موجة اعتداءات، وفي 23 يوليو/ تموز 2005 أوقعت سلسلة من الاعتداءات في المدينة 90 قتيلاً.
لكن المدينة التي أطلق اليونيسكو عليها اسم "مدينة السلام" في العام 2002 تجاوزت هذه الأزمة بسرعة.
تدفع الثمن
ومهما كان سبب سقوط الطائرة الروسية فان شرم الشيخ ستدفع الثمن غالياً.
وقال مسؤول في شركة طيران أجنبية رافضاً كشف هويته إن "الروس يقودون دفة السياحة في شرم الشيخ".
وتدارك "لكن السياح الروس منظمون جداً، يأخذون قرارات حكومتهم بجدية بالغة، على الأقل في المدى القريب فإن السياحة في شرم الشيخ ضربت".
وأفاد مسؤولون روس أن واحداً من كل خمس سياح روس يغادرون روسيا يتجهون إلى مصر، ولم تؤثر الاضطرابات السياسية التي تلت الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في عام 2013، سلبا في توافدهم.
وإضافة إلى شرم الشيخ، تعد مدينة الغردقة على البحر الاحمر مقصداً رئيسيا للسياح الروس.
وفي هذه المدينة السياحية يمكن رؤية الكلمات الروسية تجاور تلك العربية فوق المحال والمطاعم والصيدليات.
شريان حياة
ويعد قطاع السياحة أحد القطاعات الرئيسية للاقتصاد المصري، لكنه تضرر بشكل كبير وتراجعت عائداته منذ الإطاحة بمبارك في العام 2011 نتيجة الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار السياسي والأمني.
وتؤمن السياحة نحو 15% من عائدات العملات الأجنبية ونحو 12% من إجمالي الناتج المحلي.
وتضطلع شرم الشيخ بدور رئيسي في محاولة إنعاش الاقتصاد المصري المتداعي، وخصوصاً أن فنادقها ومطاعمها ومقاهيها ونواديها النابضة بالحياة تجتذب السياح طوال العام.
ويقول مرشد سياحي "كل هذا سيموت إذا أحجم الروس والبريطانيون عن المجيء".
واعتبر فواز جرجس الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد أن هناك "اجماعا لدى وكالات الاستخبارات أن قنبلة زرعت في الطائرة ما يعني أن مطار شرم الشيخ جرى اختراقه".
وأضاف "تصوروا تأثير ذلك على المدى الطويل، فشرم الشيخ شريان حياة، انها البقعة المضيئة الوحيدة في السياحة المصرية والآن تعرضت لضربة موجعة".