استقبلت الصحف الإنكليزية زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للمملكة المتحدة التي تنتهي اليوم الجمعة 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، بردود فعل مختلفة، دارت في مجملها حول ملفين رئيسيين هما تراجع حقوق الإنسان وتنامي الأخطار الأمنية في البلاد.
السيسي كان قد وصل لندن الأربعاء، في زيارة تستغرق يومين، وهي أولى زياراته للعاصمة البريطانية منذ توليه الرئاسة منتصف 2014.
وقد أثارت الزيارة عدداً من الاعتراضات، كان أبرزها اعتراض جيريمي كوربن رئيس حزب العمال، الذي وصف، وفقاً لصحيفة "الإندبندنت"، نظام السيسي بالنظام الديكتاتوري، ودعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون للتوقف عن دعمه.
ولم تكن "الإندبندنت" الصحيفة الوحيدة التي أبرزت تصريحات كوربن، حيث نالت اعتراضاته على الزيارة اهتماماً واسعاً من جانب عدة مواقع إلكترونية مثل Middle East Eye، وموقع Sky News، بالإضافة إلى Belfast Telegraph.
وركزت معظم هذه المواقع على تفنيد كوربن لدعاوى رئيس الوزراء البريطاني بأن التواصل مع النظام المصري مهم للحفاظ على أمن بريطانيا والحرب على الإرهاب الذي يمثله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
كوربن أكد أن دعم الحكومات البريطانية السابقة للأنظمة الديكتاتورية في مصر والشرق الأوسط بشكل عام لم يوقف انتشار الإرهاب، بل ساعد في نشره أحياناً، والسبيل الوحيد للقضاء عليه هو دعم الحوار، وليس تزويد تلك الأنظمة بالأسلحة.
ملف الطائرة الروسية
حادثة الطائرة الروسية في سيناء ألقت بظلالها على زيارة الرئيس المصري للندن بشكل واضح، حيث ركزت صحيفة الغارديان على هذا الملف وأبرزت تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون خلال المؤتمر الصحفي مع السيسي، التي دافع فيها عن قرار الحكومة إجلاء قرابة 20 ألف سائح عبر طائرات بريطانية بدءاً من اليوم الجمعة.
من جانبها نشرت صحيفة "الإندبندت" مقالاً للصحفي مات داثان بعنوان "شبح السويس يطارد زيارة السيسي للندن".
داثان قال إنه بالرغم من مرور 60 عاماً على أزمة قناة السويس بين مصر وبريطانيا فإن كلا الدولتين لا يستطيع أن يسامح الآخر حتى الآن، وأن هذا الأمر كان واضحاً في المباحثات بين السيسي وكاميرون، خصوصاً مع قرار الحكومة البريطانية وقف الرحلات الجوية إلى مطار شرم الشيخ.
وأشار إلى أن هذا القرار جعل هناك نغمة واحدة للمباحثات بين الجانبين تتجه نحو عدم رضا مصر عن القرارات البريطانية.
وأكد الصحفي البريطاني أن قرار إجلاء 20 ألف سائح بريطاني هو قرار يحمل الإهانة لأي دولة في أي وقت.
من جهة أخرى أبدت صحيفة الديلي ميل دهشتها من الابتسامة المتبادلة بين السيسي وكاميرون خلال اجتماعهما المشترك.
الصحيفة تساءلت عن الدافع وراء هذه الابتسامة في الوقت الذي يوجد فيه خلاف واضح بين الرجلين على خلفية التحقيقات بشأن وجود قنبلة على متن الطائرة الروسية.
مقالات قاسية
وبرغم إبراز التغطية الصحفية للاعتراضات على الزيارة، إلا أن مقالات الرأي لعدد من الكتاب كانت أشد قسوة، حيث هاجم الكاتب كالوم باتون الزيارة في مقال له بموقع "International Business Times"، وأكد أن "مجزرة رابعة" لن تكون على قائمة الأمور التي سيناقشها ديفيد كاميرون مع الرئيس المصري.
كما وصف أنس التكريتي – رئيس الرابطة الإسلامية في بريطانيا – السيسي بأنه ديكتاتور، وأكد أن استقباله من قبل الحكومة البريطانية ما هو إلا حلقة جديدة في دعم المملكة المتحدة للقادة الديكتاتوريين الدمويين.
وأكد التكريتي في مقاله على النسخة البريطانية لموقع "ياهوو" أن السيسي حوّل مصر من نموذج يبث الأمل بالتغيير في نفوس المقهورين والمهمشين حول العالم، إلى دولة تفوق في فسادها وقمعها ما كان في عصر حسني مبارك، ويتهددها إضافة إلى "داعش"، فيما يرى أن حكومة السيسي كانت سبباً غير مباشر في تنامي قوة التنظيم.
نحو الديمقراطية
على الجانب الآخر، أفردت شبكة بي بي سي الإخبارية مساحة للسيسي للدفاع عن نفسه ضد الاتهامات الموجهة له، وذلك في حوار أجرته معه المراسلة ليزي دوسيت قبل يوم من سفره، أكد فيه السيسي سعيه لقيادة مصر نحو الديمقراطية التي خرج الشعب مطالباً بها في الميادين منذ 25 يناير 2011.
كما دافع السيسي عن قانون الإرهاب الذي صدر في أغسطس/آب الماضي، الذي نال انتقادات عديدة من جانب عدد من الإعلاميين والعاملين في مجال حقوق الإنسان، وأكد السيسي أن القانون هدفه حماية مصر من خطر الإرهاب الذي يتهددها، والذي تجلت آثاره في كل من ليبيا وسوريا والعراق.
ولم تكتف دوسيت بالحوار الذي أجرته مع السيسي، بل كتبت أيضاً مقالاً في موقع بي بي سي سجلت فيه انطباعاتها حول الحوار، إلى جانب أهم النقاط التي علق عليها الرئيس المصري.
فقد أبرزت دوسيت في المقال تأكيد السيسي على سعيه نحو الديمقراطية، وهو ما رأته مناقضاً تماماً لوصف الديكتاتور الذي تطلقه عليه الحملات ومقالات الرأي في الصحف البريطانية.
ورغم أن المراسلة سجلت أن ثقة السيسي ذكرتها بعدد من القادة العسكريين الذين أغرتهم السلطة، فتمسكوا بها واستمروا في إقناع أنفسهم بأن شعوبهم تريدهم، إلا أنها أكدت أن السيسي صرح في لقاء مع وفد برلماني مطلع هذا العام أنه لن يكون كغيره من القادة العرب الذين حكموا ويحكمون شعوبهم رغماً عن إرادتهم.
الملف الاقتصادي
ورغم الأهمية التي يتمتع بها ملف الأمن والحرب على الإرهاب، إلا أن أورلا غورين أبرزت في مقال على موقع بي بي سي سبباً آخر لاهتمام بريطانيا باستقبال السيسي رغم التراجع الذي شهدته مصر على يديه في مجال الحقوق والحريات.
واعتبرت غورين أن الاقتصاد يلعب دوراً رئيسياً، حيث تعتبر بريطانيا أكبر مستثمر أجنبي في مصر، إذ تنتشر المحلات التجارية البريطانية كـ"Marx and Spencer" في كل المراكز التجارية المصرية الكبرى، كما تمتلك بريطانيا استثمارات كبرى في مجالات اقتصادية أخرى كالبترول والغاز الطبيعي والإعمار، وهو ما يضع هذه الاستثمارات على المحك في حالة أي توتر في العلاقات بين لندن والقاهرة.