المشاركون في التوقيع على بيان فيينا في الثلاثين من الشهر المنصرم يمثلون مباشرة أو تمثيلاً أو تعبيراً مجازياً المجتمع الدولي برمته، فإضافة إلى ممثلي الدول السبعة عشر هناك نوع من التمثيل للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بما فيها إسرائيل والنظام السوري ودول الاتحاد الأوروبي وأعضاء الجامعة العربية (على الأقل حتى اللحظة حيث لم يصدر أي اعتراض من أي طرف).
وكانت المعارضات السورية بمختلف مسمياتها المعلنة، خصوصاً الائتلاف، حاضرة عبر المرجعيات المؤسسة والمانحة والراعية، ولم تسعفها كثيراً محاولة الحفاظ على ماء الوجه بتصريحات شكلية لا تتعلق بالجوهر، بل بمسألة مدة بقاء رأس النظام التي باتت بقدرة قادر العنصر الوحيد في القضية السورية.
عودة الى البنود التسعة الواردة في البيان الختامي وإلى جانب تعبيرات وجمل إنشائية وترديد ببغائي للمبادئ العامة لهيئة الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان نلحظ على سبيل المثال ما تضمنه البند الثاني: "أن تبقى مؤسسات الدولة سليمة" وهو يناقض إرادة السوريين وثورتهم من أجل إسقاط نظام الاستبداد وتفكيك سلطته الأمنية والإدارية وبنيته الاقتصادية وإجراء التغيير الديمقراطي، ولم تبق عائلة سورية إلا وقدمت قرابين وتضحيات لتحقيق ذلك من شهيد أو أسير أو مختطف أو مهجر أو نازح أو دمار منزل وحرق ممتلك.
جاء في البند السابع: "فإن المشاركين وجهوا دعوة للأمم المتحدة من أجل تحديد ممثلين عن الحكومة السورية والمعارضة السورية من أجل عملية سياسية"، أي القفز فوق الثورة والمعارضة واعتبار الشعب السوري تحت الوصاية تماماً كما حصل لشعوب العالم وحركاتها التحررية في عهد (عصبة الأمم).
وفي البند الثامن جاء ما يناقضه بصورة التفافية: "ستكون هذه العملية السياسية بقيادة سورية تامة على أن يقرر الشعب السوري مستقبل سورية بنفسه"، تماماً على الطريقة الروسية: تدخل سياسي ودبلوماسي وعدوان عسكري من دون إرادة السوريين والمطالبة بترك مصير النظام للشعب السوري؟!
مع اختلاف الزمان فقط هناك تشابه كبير بين كل من مؤتمر فيينا 1814-1815 الذي ترأسه الدبلوماسي النمساوي مترنيخ، وبحسب ويكيبيديا (الموسوعة الحرة) كان هدفه تسوية العديد من القضايا الناشئة عن حروب الثورة الفرنسية، وأسفر هذا المؤتمر عن إعادة رسم الخريطة السياسية للقارة وإنشاء مناطق نفوذ للقوى الكبرى، وكان المؤتمر نموذجاً لعصبة الأمم، وكانت الخلفية المباشرة هزيمة فرنسا النابليونية واستسلامها.
الأمر المثير للاهتمام في مؤتمر فيينا هو أنه لم يكن مؤتمراً بالمعنى الحرفي للكلمة، حيث لم تعقد جلسة عامة أبداً كما جرت معظم النقاشات بصفة غير رسمية، ووجهاً لوجه بين القوى العظمى مثل فرنسا والمملكة المتحدة والنمسا وروسيا وفي بعض الأحيان بروسيا، مع مشاركة محدودة أو معدومة من قبل المندوبين الآخرين.
أما مؤتمر فيينا الحالي المنعقد بعد قرنين بالتمام والكمال من سابقه فكأنه إعادة للتاريخ على المسار نفسه يحاول وضع النهاية المأساوية لإرادة شعوب منطقة الشرق الأوسط والإعلان الصريح من دون مواربة عن نهاية حقبة ثورات الربيع بعد تردد وتضليل وازدواجية من جانب المجتمع الدولي والدول العظمى والكبرى والصغرى، وبعد كل أنواع التحايل من جانب النظام العربي والإقليمي الرسمي في غضون أعوام خمسة كان ثمنها باهظاً لدى شعوبنا المقهورة من الدماء الزكية والقتل والدمار والمعاناة الإنسانية وصنوف الظلم والعدوان.
آثار الخيانة بادية على وجوه ممثلي الدول الصديقة في مؤتمر فيينا، ولن ينجحوا مهما تفننوا في وسائل التضليل أن يحجبوا صورتهم السوداء ومواقفهم المشينة عن أنظار ومسامع السوريين، وفي الوقت ذاته وإن كنا لم نتوهم يوماً ولحظة بصدقية وجدية ونزاهة المعارضة، خصوصاً المجلس والائتلاف، إلا أننا نقف مشدوهين أمام سكوت وتباطؤ الثوار من الجيش الحر والفصائل والحراك الوطني المدني، وغياب أية مبادرة توحيدية وخطوات لإعادة البناء والهيكلة والدعوة لعقد المؤتمر الوطني السوري المنشود لصياغة برنامج التصدي للتحديات وانتخاب مجلس سياسي – عسكري إنقاذي طارئ للتعامل مع المستجدات وتمثيل أهداف الثورة السورية.
في جميع الأحوال فإن كل ما يصدر من مؤتمر فيينا وخلافه لا يعني الشعب السوري، وأن القرارات والتوصيات والخطط المرسومة لن تؤسس للسلام العادل والشامل، بل ستزيد من المآسي وستنقلب على واضعيها من دول وأنظمة مزيداً من الحروب والمواجهات والمعاناة وهذا ما لا يتمناه أي إنسان سويّ عاقل.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.