بعد أسابيع من احتدام الخلافات بين قيادات حزب نداء تونس الذي يقود الائتلاف الحاكم في تونس أصبح الحزب على وشك التشتت والانقسام إلى حزبين، بل وأضحى مهدداً بفقدان الأغلبية البرلمانية لصالح خصمه حركة النهضة الإسلامية.
في 2012 أسس رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي حزب نداء تونس سعياً لإحداث توازن سياسياً مع حركة النهضة التي كانت القوة السياسية الأكبر في تلك الفترة.
ونجح نداء تونس في انتخابات 2014 في اقتناص 86 مقعداً في البرلمان متقدماً بفارق طفيف على النهضة.
وكوّن نداء تونس حكومة ائتلافية تضم الإسلاميين أيضاً ولقيت ترحاباً دولياً.
تجمعوا لمواجهة الإسلام السياسي
الحزب يضم مزيجاً من الشخصيات اليسارية والمستقلة ومسؤولين من النظام السابق تجمعوا لمواجهة الإسلام السياسي بعد فوز النهضة في أول انتخابات بعد ثورة 2011 التي أنهت حكم الرئيس زين العابدين بن علي.
ولكن استقالة مؤسس الحزب السبسي إثر انتخابه رئيساً للبلاد أظهرت على السطح خلافات حادة بين قيادات الحركة حول إعادة تنظيم الهياكل وبعض المسؤوليات الأولى، وأيضاً حول طموحات حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس السبسي، لتولي زعامة الحزب وفقاً لمعارضيه.
الخلافات تظهر للعلن
الخلافات ظلت صامتة إلى أن تحوّلت يوم السبت الماضي إلى عراك وتبادل للعنف بالعصي والهراوات في اجتماع للحزب بمدينة الحمامات.
ويضم المعسكر الأول حافظ قائد السبسي الذي يسعى للعب دور أكبر في الحزب من خلال السعي لإعادة هيكلته، بينما يتزعم الثاني محسن مرزوق الأمين العام للحزب.
الباجي قائد السبسي يواجه انتقادات بأنه يحاول توريث ابنه قيادة الحزب لإعداده لمنصب سياسي أهم في وقت لاحق، ولكن رئاسة الجمهورية تنفي هذا، كما تنفي أي تدخل في الخلافات بين الفريقين المتصارعين وتستنكر الزج بها في الخلافات الداخلية للحزب.
وقال مرزوق إن تطور الخلاف إلى هذا العنف أمر مؤسف ورسالة سلبية للداخل والخارج وانحراف عن الديمقراطية.
وأضاف "بعد ما حصل فإن استمرارية التوافق داخل الحزب الواحد دون انقسام أصبح أمراً صعباً جداً".
وانتقد مرزوق ما سمّاه "رغبة البعض في الهيمنة على الحزب بالقوة"، في إشارة لحافظ قائد السبسي نجل الرئيس، ورضا بلحاج مدير ديوان الرئيس.
اتهامات متبادلة
ويقدم نداء تونس نفسه على أنه حزب حداثي قادر على مواجهة المشكلات الاقتصادية المعقدة وحماية قيم الحداثة في تونس إحدى قلاع العلمانية في العالم العربي. ولكن بعد عام واحد من فوزه بالانتخابات يبدو مصير الحزب غامضاً ومهدداً بالانقسام إلى اثنين.
ويدفع فريق نجل السبسي الاتهامات عنه ويقول إن الفريق الثاني يحاول الهيمنة على الحزب وإقصاء قيادات بارزة.
وقال عبدالعزيز القطي، وهو قيادي في الشق الموالي لنجل الرئيس، إن الاتهامات لحافظ السبسي افتراء واتهامات غير حقيقية تعكس محاولات الشق الثاني للسيطرة على الحزب وإقصاء عدد من قياداته.
وأضاف "محسن مرزوق أصبح طموحه الإطاحة بالرئيس السبسي. وهو مستعجل لدخول قصر قرطاج".
الإسلاميون أكبر مستفيد
استفاد نداء تونس من استقطاب فئات واسعة من أنصار النظام السابق وجزء من الحداثيين ومعارضي الإسلام السياسي وتمكن من كبح جماح الإسلاميين.
وأصبح الحزب القوة الرئيسية في البلاد بعد أن قاد احتجاجات شعبية في صيف ٢٠١٣ انتهت بتنحي النهضة عن الحكم وتكوين حكومة غير حزبية قادت البلاد إلى انتخابات في ٢٠١٤.
وحظي الانتقال السلس للسلطة وصياغة دستور حداثي بإشادة غربية واسعة نالت بفضلها 4 منظمات من المجتمع المدني بتونس جائزة نوبل للسلام الشهر الماضي.
ولكن بعد عام واحد من فوزه سقط الحزب الجديد في أتون الخلافات الداخلية وصراع المواقع، وأصبح يحتاج لمعجزة لتفادي الانفجار.
قالت بشرى بلحاج حميدة، القيادية في نداء تونس: "احتمال انقسام الكتلة النيابية للنداء وارد، وهناك احتمال كبير جداً لتأسيس حزب جديد بعد تعطل لغة الحوار".
وبالفعل هدد عدد من نواب البرلمان بالاستقالة من الحزب، وطالبوا رئيس الجمهورية بوقف التدخل في شؤون الحزب عبر محاولات فرض ابنه، على حد قولهم.
وسعياً لرأب الصدع دعا الباجي قائد السبسي نواب الحزب في البرلمان لاجتماع سعياً للوفاق، لكن الشق المعارض لنجله رفض حضور الاجتماع واعتذر عن عدم تلبية الدعوة.
ومن شأن انقسام حزب نداء تونس أن يفقده المركز الأول، وقد يمنح غريمه النهضة الإسلامي مزيداً من النفوذ في البرلمان وربما في الحكومة أيضاً.
وخسرت النهضة نفوذها لصالح حزب نداء تونس بعد انتخابات 2014، وقبلت بأن تكون ممثلة في الائتلاف الحكومي بوزير واحد، رغم أنها القوة السياسية الثانية، ولكنها تبدو اليوم أمام فرصة مواتية لأن تعود للعب دور أكبر.
ومع احتدام حدة الانقسامات في نداء تونس نأت النهضة بنفسها عن التدخل في الصراع الذي قال مسؤولون فيها إنه أمر داخلي، وعبروا عن أملهم في حل الخلافات لمصلحة استقرار البلاد.
ويرى عبادة الكافي، القيادي بنداء تونس، أن حزب النهضة قد ينقض على الأغلبية النيابية في البرلمان، مستفيداً من الانقسامات التي تعصف بنداء تونس.
وقال لصحيفة "الصباح" المحلية: "الانقسام يعني ألا يكون النداء حزب الأغلبية في البرلمان بل حركة النهضة هي الحزب الأغلبي.. الكتلة النيابية انقسمت واليوم هي على وشك انقسام عضوي سيفرز نداء1 ونداء2".