في سنتي الثانية من دراستي الجامعية كنت على قدرة لاختيار مادة أدرسها سواء من خارج اختصاصي أو من ضمنه وستضيف لمعدلي ما تضيف. المادة الوحيدة التي كنت متحمسة لدراستها هي مادة أخلاقيات الطبيب المسلم. ما حدث أني دخلت بحماس زائد وتوقعات مبالغ بها، فلم أجد المتعة الكاملة التي أبحث عنها، ولكن لا أنكر أن بعض النقاشات أخذتني إلى عالم التفكير الذي أعشقه.
أحد النقاشات التي أثارت اهتمامي هو النقاش الذي أثير عندما أخبرنا الأستاذ عن زواج ابنه قبل أن ينهي دراسة الطب. أحد الطلاب كان مهذباً بما فيه الكفاية ليرفع يديه ليخبر عن إمكانية التهاء الطالب إن تزوج، فكان الرد بأن المعني بالقصة تزوج قبل امتحاناته بأسابيع وحصل على المركز الثالث. المشكلة هنا تأتي عندما يفترض الكل أن الشاب غير ملتهٍ عندما يقضي الأيام وهو يشكو وحدة لا يعلم عنها سوى الله أو أنه يتقلب بين فتاة وأخرى ويكون مسلوب البركة.
الاعتراض الآخر الذي واجه القصة هو ضرورة تمكن الشاب مادياً قبل أن يتزوج. هذا لا خلاف عليه، ولكن إن تمكن الأهل من تغطية مصاريف أنثى أخرى فلمَ لا؟ وكما قال الأستاذ: "نهاية الأمر أننا سنموت وسيرثنا ذريتنا، فلم لا نكون منطقيين ونعطيهم الفرصة لكي يستمتعوا بالمال ونحن أحياء؟!".
هذا الحوار أخذني لمقال للشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله- وهو يسأل سؤالاً محيّراً عن "متى يستحكم الزواج؟!". ليس هناك جواب منطقي ولكن متى ما جاء شاب على قدر من الوعي والمسؤولية وهو يقول "زوّجوني" فرجاء كونوا منصتين بما فيه الكفاية حتى تدركوا خوفه من الحرام الذي أجبره على ترك الحياء والنطق بها. وإن لم تستطيعوا إعانته على ما يريد فرجاءً ابقوا معه على طول الطريق بدل أن يحوم بين فتاة وأخرى بسبب تقلباته ويكسر القلوب؛ فالقلوب رقيقة ويجرحها خيط رفيع من عدم المسؤولية.
المشكلة التي فكرت بها وأنا أكتب فقرتي السابقة هي أننا نربى حتى نكون على قدر من المسؤولية في وقت متأخر مقارنة بوقت تأجج غرائزنا، فلا نكون قادرين على الاختيار الصحيح أو لا يؤخذ قرارنا بمقدار من الجدية. دليلي على قلة الوعي في وقتنا هذا هو عندما أخبرت صديقتي عن سؤال أحدهم عن رغبته في الزواج ويريد خيارات مني فأخبرته عنها، فكان ردها "أخبرتيهم عن التزامي؛ لأنه شيء لا يعجب الكثيرين في وقتنا هذا". ولم أستطع إلا أن أؤيدها لسوء ما أرى من معايير وضعها المجتمع.
مقالي هذا لا يهدف إلى زج الشباب في قفص الزواج قبل أن يدركوا قدسيته وقبل أن يكونوا قادرين على إدراك ما الذي يعنيه أن تكون حياة إحداهن معلّقة بحياتهم وتصرفاتهم. ما كتبته إلا لكثرة الفتن التي يمرون بها وقد تأخذ الصالح إلى طريق الضياع في لحظة ضعف. ستسألني: "ما الحل؟"، أنا لا أدري. قضيت ليالي طويلة وأنا أحاول أن أجد حلاً لزميلي الولهان ولأخي العاشق ولجاري المحب ولكن لم أجد، كل ما أعرفه هو أنّه من أراد العفاف وسعى له حتى لو بدعوة صادقة فسيستجيب الله عاجلاً قبل أن يكون آجلاً، وآمل أن تكون صابراً بما فيه الكفاية حتى يحين ذلك الأوان.. أسأل الله أن يؤنس وحشة القلوب.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.