تحولت "بيت إيل" المنطقة الأكثر حساسية وأمناً، والواقعة إلى الشمال من مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2015، إلى نقطة ساخنة، تدور عليها مواجهات وصفت حسب مراقبين بأنها الأعنف، بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي.
الحي الأكثر أمناً وهدوءاً طوال سنوات مضت تحول إلى ساحة كر وفر بين القوات الإسرائيلية التي تطلق الرصاص الحي والمطاطي، والمئات من قنابل الغاز المسيل للدموع، والمياه الكيميائية، على الشبان الفلسطينيين الذين يشعلون النار في إطارات المركبات الفارغة، ويرشقون القوات بالحجارة والعبوات الفارغة والحارقة، حتى أصبح اللون الأسود صاحب الامتياز في الشارع الرئيسي بالمنطقة، والروائح الكريهة تنبعث من كل مكان.
أهمية الحاجز
وتتلخص أهمية المنطقة في كون بيت الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يبعد عن الموقع سوى بضع مئات من الأمتار، ويمر موكبه اليومي إلى مقر القيادة الفلسطينية بجوار ساحة الاشتباكات، بل كان يمر غالباً من ذات الشارع قبل اندلاع الهبة الشعبية.
كما أن حاجز بيت إيل يمثل الممر الوحيد الذي يمر عبره عباس للسفر إلى الأردن ومنها إلى دول العالم، وبتنسيق مع الجانب الإسرائيلي، وإغلاقه يعني حصار الرئيس الفلسطيني.
ويُخصص الحاجز أيضاً لعبور العاملين في المنظمات الدولية في فلسطين، ولحاملي بطاقات الشخصيات المهمة الفلسطينية (VIP).
ومستوطنة بيت إيل مقامة على أراضي بلدة (بيتين) الفلسطينية المتاخمة لمدينتي رام الله والبيرة، وتأسست المستوطنة في عام 1977، ويسكنها نحو 7000 مستوطن، على مساحة 1600 كم مربع.
ويقع في المستوطنة المقر العام للإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية (وهي المسؤولة عن إدارة شؤون الضفة الغربية)، أو ما يسمى (الحاكم العسكري للضفة الغربية)، كما يعتقد اليهود أن المستوطنة أقيمت على موقع تاريخي ذي أهمية دينية لهم.
وبحسب مراقبين فإن السلطة الفلسطينية باتت تسمح للمتظاهرين الفلسطينيين بالوصول إلى هذه المنطقة العسكرية، بعدما كانت تمنع أي مسيرة أو تظاهرة في السنوات السابقة من الوصول إلى هناك.
السلطة تخشى الصدام
المختص في الشؤون الفلسطينية بلال الشوبكي يرى ذلك رسائل هامة تبعث بها السلطة الفلسطينية للعالم، قائلاً: "السلطة الفلسطينية تدرك جيداً أنها اليوم أمام مسألة حتمية، إما الصدام مع الشارع الفلسطيني في حال منع المتظاهرين من الوصول إلى مناطق الاحتكاك، وبيت إيل واحدة منها، كما أنها أمام مطالب دولية وخاصة من قبل الرباعية الدولية التي بدأت فعلاً تضغط على الفلسطينيين لضبط النفس".
وأضاف الشوبكي: "عباس يدرك أيضاً أنه في حال عدم الرضوخ للضغوط الدولية فسيكون هناك تضييق على السلطة الفلسطينية مالياً، وحتى تضييق حركة الرئيس الفلسطيني، كإعادة لنموذج حصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ومنعه من الخروج من رام الله".
وأوضح الشوبكي أن "حاجز بيت إيل الممر الوحيد لعباس إلى العالم، وبسماحه للمظاهرات الوصول إلى الموقع هو يقول للعالم لقد فعلتها بيدي بدلاً من أن تحاصروني أنتم".
في حين يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، جهاد حرب، أن إغلاق حاجز بيت إيل هو محاولة فلسطينية لكشف الاحتلال.
وأضاف حرب في تصريحاته لـ"عربي بوست" قائلاً: "يمر عشرات العاملين في المؤسسات الدولية عبر الحاجز، وإغلاقه سيدفعهم للتنقل بين القدس ورام الله عبر حاجز قلنديا العسكري الذي يشهد أزمة مرورية خانقة، وإذلالاً يومياً، وتنقل المنظمات الدولية عبر هذا الحاجز يظهر وجه إسرائيل الحقيقي".
وتابع حرب أن إغلاق بيت إيل سيدفع عباس إلى سلوك طرقات يطلق عليها الفلسطينيون (الشوارع الالتفافية)، ولفت إلى أن الأمور في الضفة الغربية والقدس تتطور بفعل استمرار التصعيد الإسرائيلي حيث باتت كل الخيارات ممكنة.
وقال حرب أيضاً إن القيادة الفلسطينية لا يمكنها أن تصطدم مع الشارع الغاضب المنتفض، الذي قد ينفجر في وجهها في حال منعهم.
من جانبه أشار المتحدث باسم حركة فتح في الضفة الغربية، أسامة القواسمي، إلى أن حركته تقود الحراك الشعبي الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، حيث صرح قائلاً: "نبحث عن المواقع التي تزعج المستوطنين اليهود، والاحتلال، ومواقع الاشتباك في كل مكان".
وأضاف أن الرئيس عباس سعى ويسعى دوماً لتحقيق الحلم الفلسطيني والسلام، وهو لا يخشى إغلاق حاجز، أو حصاراً.
ومنذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول الجاري تندلع مواجهات عنيفة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي راح ضحيتها ما يزيد على 50 فلسطينياً وجُرح آلاف آخرون.