مساء الاثنين 19 أكتوبر/تشرين الأول 2015، حاز حزب جاستن ترودو الليبرالي على أغلبية في البرلمان الكندي ذي ال 383 مقعداً، لينتهي عقد كامل من الحكم المحافظ في كندا.
رئيس للوزراء ينتمي إلى عائلة سياسية
ترودو هو الابن الأكبر لبيير إليوت ترودو، الذي قاد البلاد لمدة 15 عاماً متواصلة، بدءاً من 1968 وحتى 1984، بطريقة جذابة، لكن استقطابية.
قام ترودو – الذي لا يتجاوز عمره 43 عاماً – بحملة منهكة – الأطول في كندا منذ 1872 – لدفع اتهامات المحافظين له بأنه ليس مستعداً بعد لتولي المسؤولية. منذ انتخابه في البداية ليكون عضواً ببرلمان 2008، قضى أغلب مسيرته السياسية محاولاً تبديد الشكوك التي تحيط بأدائه السياسي، وأنه مجرد واجهة تليفزيونية فقط.
صعود ترودو يمثل نهاية لعهد ستيفين هاربر، القائد المحافظ، كرئيس للوزراء. بتوليه قيادة الحكومة منذ 2006، هاربر حالياً هو ثاني أطول رئيس وزراء بقاءً في منصبه ضمن رؤساء وزراء مجموعة الدول الصناعية السبع.
وعلى الرغم من أنه قاد كندا بنجاح خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008، فإن العلامة المميزة لحكومة هاربر هي السرية الحكومية التي غلفتها، مثل كتم أفواه العلماء الفيدراليين، وسياسات الهجوم على الخصوم وزرع الخلافات.
يعني فوز ترودو أيضاً انتقاماً حلو المذاق لحزبه اليساري الوسطي.
كان الليبراليون ضمن أنجح الأحزاب السياسية على ظهر الكوكب، لكنهم تُركوا للموت بعد أعوام من تراجع الدعم لهم، والتي توّجت في النهاية بفضيحة نتائج انتخابات 2011.
أزعج الليبراليون بتوجهاتهم الأحزاب اليمينية واليسارية التي تفضل النقاء الأيديولوجي. فالبعض يدفع بأن الليبراليين سينحازون إلى حيث توجد مصالحهم، ولن يدافعوا عن أي شيء إلا الفوز.
مستعدون أم لا، لقد عاد الليبراليون. في هذه الحملة، انحاز الليبراليون إلى زيادة الإنفاق.
تعهدات برفع الإنفاق
بينما تعهد خصومه بميزانيات على قدر من التوازن، اتخد ترودو إختياراً جريئاً بأن وعد برفع الإنفاق على البنية التحتية إلى أكثر من الضعف. أيضاً وعد بزيادة الضرائب على أغنى أغنياء كندا الذين يمثلون 1% من السكان – هؤلاء الذي يربحون أكثر من 200 ألف دولار، من ضمنهم ترودو نفسه – في مقابل تقليل الضرائب على الطبقة المتوسطة.
وعلى الرغم من أن هذه الخطة دفعت البعض إلى رفضه، فإنه ربح في النهاية موصلًا رسالته بأن هذا الوقت وقت الاستثمار، لا التقشف.
ولكن ما مقدار التغيير الذي يتوقعه المجتمع الدولي من حكومة ترودو؟
يختلف ذلك باختلاف الموضوع.
هذه 7 طرق يمكن للحكومة الليبرالية الجدية أن تؤثر بها على العالم.
1. الليبراليون يعدون بإنهاء مهمة كندا العسكرية في سوريا والعراق
لم يدعم حزب ترودو الانضمام إلى القصف ضد تنظيم " الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق وسوريا، بقيادة الولايات المتحدة. لكن الليبراليين يؤمنون بأن كندا لها دور فعال لتلعبه في محاربة داعش.
قارن ترودو بين القصف الحالي لداعش وحرب 2003 ضد العراق التي قادها الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش. ما زال القرار المثير للجدل الذي اتخذته الحكومة الكندية آنذاك بعدم الانضمام إلى حلفاء أميركا حدثاً يتفاخر به الكثير من الكنديين.
قال القائد الليبرالي في خطاباته أنه بدلاً من إلقاء القنابل، يجدر بكندا أن تساهم في تدريب القوات المحلية على محاربة داعش على الأرض، وزيادة الدعم الإنساني، كما وعد.
قال ترودو أيضاً في خلال مناظرة عن السياسة الخارجية، الشهر الماضي: "لا جدال. إن المساعدة في الحرب ضد داعش من اهتمامات كندا القومية، وأن تعمل مع شركائها الدوليين على ذلك. لكن كندا يمكنها المساعدة في ذلك بشكل أفضل عن طريق تدريب القوات البرية كما فعلنا في أفغانستان، وأماكن أخرى".
2. تعامل أكثر كرماً مع اللاجئين
أزمة اللاجئين في سوريا- وعلاقة كندا بالصورة المحطمة للقلوب لجثمان الطفل الغريق على شواطىء تركيا – يسلطان الضوء على دور كندا كشريك عالمي سخي.
في مناظرة أقيمت شهر سبتمبر/أيلول، كان من المفترض أن تركز على القضايا الاقتصادية، اتهم ترودو غريمه هاربر بالتخلي عن مسؤولياته في إعادة توطين اللاجئين.
في المقابل اتهم القائد المحافظ ترودو بأنه يسعى إلى فتح حدود كندا على مصاريعها واستقبال مئات الآلاف من اللاجئين بدون فحوصات أمنية. رد ترودو قائلًا:
"نعم، نحن نحتاج إلى القلق بشأن أمننا، لكننا لا نستغلّ ذلك كحجّة لغلق أبوابنا في وجوه اللاجئين."
في نهاية أيام الحملة، أظهر تقرير أن مكتب رئيس الوزراء أصدر أوامره إلى مسؤولي الهجرة بالتوقف عن تمرير طلبات اللجوء الربيع الماضي، حتى يتم التدقيق فيها من مكتب رئيس الوزراء. وهو ما نفاه هاربر.
تعهد اللبيراليون باستقبال 25 ألف لاجيء سوري تدعمهم الحكومة – وهو التزام أكبر من الذي تعهد به الحزب الديمقراطي الجديد اليساري باستقبال 10 آلاف لاجئ قبل نهاية العام.
يقول الليبراليون أنهم سينفقون 100 مليون دولار هذا العام على إعادة توطين اللاجئين في كندا، و100 مليون دولار أخرى كدعم لبرامج الأمم المتحدة المخصصة للاجئين.
3. نعم، ترودو يريد بناء خط أنابيب "Keystone XL" النفطي
فيما قد يبدو مفاجأة للأميركيين التقدميين، فإن ترودو يدعم بإصرار بناء خط أنابيب لنقل النفط من رمال ألبرتا إلى ساحل الخليج الأميركي. وهو موقف يضعه في خانة التفضيل من قبل المرشحين الديمقراطيين الأميركيين، هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز.
الأضرار البيئية لم تحظ باهتمام كبير في المناظرة المتعلقة بخط Keystone أثناء الحملة. قال الحزب الديمقراطي الجديد أنه يرفض العرض لأنه سيوفر وظائف في الولايات المتحدة، بينما هاجم الليبراليون الحزب المحافظ لفشلة في إقناع الرئيس الأميركي بالتوقيع على الاتفاق.
حتى أن ترودو رجح أن خلافاً شخصياً بين هاربر وأوباما حال دون إتمام المشروع، متهماً القائد المحافظ علانية بأنه لا يحب الرئيس الأميركي كثيراً، ومتعهداً بعلاقات بناءة مع البيت الأبيض.
4. دعم الشراكة العابرة للأطلنطي (على الأرجح)
اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الأطلنطي تم التوقيع عليها قبل أسبوعين من انتخابات الكنديين.
وعلى الرغم من أن الصفقة حظت بإشادة المحافظين ومعارضة الحزب الديمقراطي، فإن الليبراليين أبقوا أوراقهم مخبأة، قائلين أنهم يريدون الاضطلاع على النسخة المنقحة من الاتفاقية قبل أن يدلوا برأيهم في أي اتجاه، وهو تغير في الموقف بعد إشادة ترودو السابقة ودعمه لاتفاقية التجارة الحرة بين كندا والاتحاد الأوروبي.
لكن ترودو كرر مراراً أن حزبه "يدعم التجارة بحزم" وأنه سيحرص كرئيس للوزراء على مشاركة كندا لمواردها وسلعها مع العالم.
قال ترودو "لدينا موقع جغرافي يسمح لنا بعبور الأطلنطي، جنوبي شركائنا في اتفاقية النافتا، وأيضاً عبور المحيط الهادي إلى أسواق آسيا النامية."
المتوقع هو أن يدعم الليبراليون اتفاقية الشراكة العابرة للأطلنطي. في الواقع، على الرغم من أن ترودو وعد بتصويت أكثر حرية للأعضاء، فإن الليبراليين سبق أن قالوا إن أي تصويت على الاتفاقية يجب أن نجريه كفريق واحد.
5. تقنين الماريوانا
إحدى أولى السياسات التي تحدث عنها ترودو هي تقنين تداول الماريوانا وفرض الضرائب عليها.
قال إن القوانين الحالية تجعل الماريوانا في متناول الأطفال، ولا تخدم إلا العصابات والمجرمين.
هذا الالتزام الذي وعد به ترودو بعد فترة وجيزة من بدء قيادته لليبراليين في 2013، أشعل سخرية المحافظين، الذين يستمرون في تفضيل منع الماريجوانا.
أيضاً فإن اعتراف الزعيم الليبرالي بأنه سبق له تدخين الماريوانا حرض خصومه على مهاجمته.
في أيام الحملة الأخيرة، أصدر المحافظون حملات دعائية تستهدف البنجاب والمصوتين المتحدثين بالصينية، محذرين إياهم من أن الحكومة الليبرالية تريد بيع الماريوانا للأطفال.
على الرغم من أن قوانين المخدرات لم تمثل مشكلة بالحجم الذي توقع البعض، فإن ترودو تعهد بالبدء في العمل على تقنين الماريوانا فوراً. لكن خططه المالية لم تتضمن عائداً محتملاً من الماريجوانا.
الزعيم الليبرالي قال أن حكومته ستبحث أفضل التطبيقات من السلطات القضائية التي سبق وقننت الماريوانا في العالم.
6. وجه جديد في مؤتمر المناخ بباريس
سمعة كندا الحالية كدولة متقاعسة بشأن التغير المناخي هي منطقة حساسة لأولئك الذي يهتمون بذلك الشأن. مع اقتراب مؤتمر المناخ العالمي في باريس، فإن الليبراليين تعهدوا برفع أسعار المنتجات الكربونية وإنهاء مهزلة وضع أهداف اعتباطية لتقليل الانبعاثات الحرارية، والفشل في بلوغها.
أيضاً فإن منصتهم تعد بإرساء إطار عمل لمواجهة التغير المناخي مع الأقاليم في خلال تسعين يوماً من المؤتمر بباريس، وتدعو إلى الشراكة مع الولايات المتحدة والمكسيك من أجل "أميركا شمالية نظيفة الطاقة، واتفاقية بيئية."
بالطبع فإن التزام الليبراليين بتنمية الموارد يتعارض مع هذا، فالدراسات تشير إلى ضرورة بقاء النفط في الأراضي الرملية لمحاربة التغير المناخي.
الناشط البيئي والعالم الكندي الشهير ديفيد سوزوكي يقول بأنه أخبر ترودو بذلك عندما كان يسعى لاكتساب موافقة الشعب في الصيف الماضي، وأنه انتهى به المطاف بالنهاية إلى نعت ترودو "بالساذج".
7. التحقيق في جرائم قتل واختفاء النساء المحليات
تعتبر قضية النساء المحليات اللواتي قتلن واختفين، والبالغ عددهن 1200 سيدة، عاراً على هذه الأمة لم يغب عن أذهان المجتمع الدولي.
لأعوام، رفض المحافظون بقيادة هاربر المطالب بإجراء تحقيق قومي في هذه المسألة.
المطالب التي علا صوتها عام 2013 عندما أيّد أحد مقرري الأمم المتحدة عن حقوق السكان الأصليين إجراء تحقيق بشأن هذه القضية التي دعاها بـ"الظاهرة المقلقة."
خرج تقريره لاحقاً بأن قضايا حقوق الإنسان التي يواجهها العالم الأول قد بلغت حداً كارثياً.
العام الماضي، صرحت إحدى لجان الأمم المتحدة للقضاء على التمييز ضد النساء أن كندا فشلت في حماية نساء السكان الأصليين عندما رفضت التحقيق الشامل بشأن تعرضهن للعنف بشكل غير متوازن.
طبقاً لإحصائيات الشرطة، فإن النساء المحليات في كندا أكثر استهدافاً و تعرضاً للقتل بثلاث مرات أو أربع من النساء غير المحليات.
ترودو، الذي اتهم هاربر بأنه "يقف في الجانب الخطأ من التاريخ" بشأن هذا الأمر، تعهد بإجراء تحقيق فوري شامل.
تمت ترجمة هذه المادة عن النسخة الكندية لهافينغتون بوست، ويمكن الاطلاع على النسخة الأصلية عبر هذا الرابط.