تشهد مصر انتخابات نيابية من دون مشاركة الإخوان المسلمين بعد عامين من الإطاحة بالرئيس الذي ينتمي إليها محمد مرسي وحظرها رسمياً.
وبالرغم من أن "الإخوان المسلمون" كانت محظورة رسمياً في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أنها شاركت في أغلب الانتخابات التشريعية التي جرت في مصر منذ 1983، إذ كان مسموح لها بهامش حركة سياسية.
أول برلمان بعد ثورة 2011
تمكن الإخوان خلال سنين حكم مبارك الثلاثين من بناء ماكينة انتخابية فعالة، وباتوا قوة المعارضة الرئيسية والأكثر تنظيماً،اذ حصدوا العديد من المقاعد في برلماني 1983 و 1987.
وفي انتخابات عام 2000 حصل الإخوان على 17 مقعدا، و رأس خلالها الرئيس الأسبق محمد مرسي كتلة الإخوان البرلمانية، وفي برلمان 2005 فاز الإخوان ب88 مقعدا ورأس كتلتهم البرلمانية حينها محمد سعد الكتاتني الذي رأس مجلس الشعب في أول انتخابات أجريت عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، وهيمن خلالها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين على أكثرية مقاعده، إذ حصدوا حينذاك قرابة 44% من المقاعد، قبل أن يتم حله بقرار من المجلس العسكري الذي كان يتولى السلطة العليا في البلاد قبيل انتخاب محمد مرسي في 2012.
"الإخوان سيعودون مجدداً"
يعتقد الخبراء أن الإخوان المسلمين قد يغيبون عن الساحة السياسية في مصر لسنوات، ولكن ليس الى الأبد، وأن تنظيمهم السياسي حتى وإن ضعف فإنه سيستمر.
ويقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة، حازم حسني، إن الإخوان "سيعودون مجدداً إلى الساحة السياسية ولو بعد سنوات".
ولكنه لا يتوقع أن يتم ذلك في وجود الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي أطاح بمرسي عندما كان قائداً للجيش في الثالث من يوليو/تموز 2013، قبل أن تشن أجهزته الأمنية حملة قمع ضد جماعة الإخوان أسقطت 1400 قتيل. كما أدت الحملة إلى وضع عشرات الآلاف منهم في السجون وإخضاع المئات، من بينهم مرسي، لمحاكمات جماعية سريعة دانتها الأمم المتحدة.
القمع لن ينهي التنظيم
ويشاركه الرأي المحلل السياسي مصطفى كامل السيد الذي "يستبعد تماماً" أن يؤدي قمع الإخوان الى "إنهاء التنظيم".
ويؤكد أن "هذه ليست المرة الأولى التي يمر فيها الإخوان المسلمين بهذه التجرية"، مذكراً بالاعتقالات الواسعة في صفوفهم التي تمت في عهد الرئيس الاسبق جمال عبدالناصر بعد تعرضه لحادث إطلاق نار اتهم الإخوان بتدبيره في 1954.
ويتابع "يبرع الإخوان في إيجاد أساليب للبقاء والحفاظ على التنظيم"، ويشير إلى أنه على الرغم من الأوضاع الحالية فإن "تظاهرات أسبوعية مازالت تجري في الأقاليم بناءً على توجيهات من التنظيم حتي لو كانت هذه التظاهرات محدودة".
ويعتقد السيد أن "التنظيم قائم رغم تعرّضه لضربات مؤثرة، والظروف التي أدت إلى ظهور الإخوان مازالت قائمة، وهي تتمثل أساساً في تردّي أوضاع الطبقة المتوسطة، إضافة إلى جاذبية الشعار الديني وجاذبية الفكرة التي يدعون اليها، وملخصها أن خلاص مصر هو بالعودة للدين".
ويضيف أن "هذه الفكرة مازالت باقية، وسيبقي تنظيم الإخوان وسيجتذب أشخاصاً آخرين فهو تنظيم شرائح واسعة من الطبقة المتوسطة المصرية وليس تنظيم الفقراء، وهؤلاء لن يعدموا وسيلة في التواصل والإبقاء على التنظيم".
ويؤكد حسني كذلك أن "الإخوان تيار موجود وسيظل موجوداً لفترة طويلة؛ لأنه حتى لو ضعف التنظيم (جراء القمع) فإن الفكرة ستظل قائمة في مجتمع محافظ ومتدين بطبعه".
ويتابع "أعتقد أنهم سيظلون خارج الحلبة السياسية طالما بقي السيسي في السلطة؛ لأن النظام الحالي والإخوان ذهب كل منهما بعيداً" في صدامه مع الآخر.
أهمية المكوّن الديني في النظام
ويعتقد حسني أنه "كان يمكن للإخوان أن يكونوا جزءاً من المشهد السياسي الراهن، لأن النظم العسكرية تحتاج إلى المكون الديني وتميل اليه لأسباب عدة، أهمها أن التيار الديني تيار محافظ مثله مثل العسكريين، وهو يقدم لهؤلاء المساحة الفقهية التي يحتاجونها لتأكيد فكرة احترام السلطة القائمة وطاعة ولي الأمر".
غير أن الإخوان، بحسب حسني، "راهنوا على إسقاط التغييرات السياسية التي حدثت بعد يونيو/حزيران 2013 وكان ذلك رهاناً خاطئاً".
ويعتبر حسني أن حزب النور السلفي "يلعب الآن هذا الدور ويتحرك في مساحة تشابه تلك التي كان مسموحاً لجماعة الإخوان بها" أثناء حكم مبارك.
ويخوض حزب النور الذي أيد إطاحة مرسي وأعلن دعمه للسيسي عند ترشحه للرئاسة العام الماضي، الانتخابات التي تبدأ الأحد المقبل في مصر بقرابة 200 مرشح، بسحب ما قال لفرانس برس نائب رئيس الحزب أشرف ثابت.
ولكن الحزب يبدو واقعياً وبراغماتياً، إذ لا يتوقع أن يحقق نفس المكاسب التي حصل عليها في أول انتخابات بعد الثورة عندما فاز بأكثر من 22% من مقاعد البرلمان.
وأكد ثابت أن "هناك تغيراً في مزاج الناخب المصري نتيجة تغير الأوضاع السياسية"، مشيراً إلى أن الحزب ينافس الآن على قرابة ثلث مقاعد البرلمان فقط، "في حين أننا في 2012 نافسنا على 95% من المقاعد".