يُقال إن "أوسلو" هي الرصاصة الرحيمة التي أودت بالانتفاضة الفلسطينية الأولى، حتى أن يوم توقيع الاتفاقية كان هو يوم نهاية الانتفاضة التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين، وكان من المفترض أن تمهد "أوسلو" الطريق لقيام دولة فلسطينية، إلا أنها – كما تبيّن لاحقاً – لم تزد الوضع إلا تعقيداً.
"عربي بوست" ترصد أهم الأحداث والمشاهد في الواجهة بين الفلسطينيين والجيش الإسرائيلي في الأراضي المحتلة منذ اتفاقية أوسلو، ومروراً بالانتفاضة الأولى والثانية، وانتهاءً بهبة الأقصى 2015.
1994 – الثأر لمجزرة الحرم الإبراهيمي
بعد "أوسلو" بعام واحد فقط حدثت مجزرة الحرم الإبراهيمي في 25 فبراير 1994 في الخليل، والتي نفذها اليهودي باروخ غولدشتاين وراح ضحيتها 29 فلسطينياً وجُرح 150 آخرون.
وردت كتائب القسام على المجزرة بمجموعة من العمليات، كانت أولها "العفولة"، حيث قام أحد أعضاء كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، ويُدعى رائد زكارنة، بتفجير سيارة مفخخة في محطة حافلات في العفولة أدت إلى مقتل 9 وجرح 50 آخرين.
العمليات استمرت حتى أواخر تسعينيات القرن الماضي، وقامت إسرائيل خلال 3 سنوات بملاحقة أحد مهندسي هذه العمليات، وهو يحيى عياش، الذي لم تتمكن إسرائيل من اغتياله إلا عام 1996، وشارك في جنازته 100 ألف فلسطيني.
1996 – هبّة النفق
بعد محاولتين لإسرائيل لم تنجحا لفتح نفق أسفل المسجد الأقصى يمتد طوله حوالي 450 متراً، حيث كانت أول محاولة عام 1986، والثانية عام 1994، إلا أن المرّة الثالثة اندلعت شرارة هبّة النفق واستمرت 3 أيام، سقط خلالها 63 قتيلاً و1600 جريح.
النفق لم يكن إلا الشرارة التي تسببت في اندلاع هذه الهبّة، فقد كان التوسع في الاستيطان، واستمرار إسرائيل في سياساتها، بالإضافة إلى المماطلة والتسويف في كُل الوعود التي حصل عليها الفلسطينيون والتي لم يتم تنفيذها، كانت هي الأسباب الرئيسية لاندلاع هذه الهبّة وكانت محطة أخرى في تاريخ المقاومة الفلسطينية بعيداً عن المفاوضات.
على أرض الواقع فإن الأمور كانت تزداد سوءاً، ففي عام 1997 حدثت عملية مزدوجة في سوق ماحانيه يهودا في القدس هزّت الشارع الإسرائيلي قُتل فيها 13 وجُرح 150 آخرون.
وفي 1998 استغلت إسرائيل انشغال العالم بالعراق لتتوسع في مستوطناتها في الضفة، وفي 1999 انتخب إيهود باراك رئيساً للوزراء في إسرائيل ووعد بالسلام، إلا أن الواقع على الأرض كان أعقد من هذه الوعود.
2000 – انتفاضة الأقصى
بعد حوالي 6 أعوام من أوسلو، بات الفلسطيني متأكداً أن الاتفاقية لم تزد الأوضاع إلا تعقيداً، وساد شعور بالإحباط من نجاح المُفاوضات، فقد تم تأجيل إعلان استقلال الدولة الفلسطينية مرّة أخرى في أبريل/نيسان عام 1999، ورغم المُفاوضات الجارية إلا أن الأوضاع كانت تتجه إلى الانفجار.
ففي سبتمبر/أيلول عام 2000 قرر إرييل شارون الدخول إلى المسجد الأقصى ليفجّر الوضع وتبدأ انتفاضة لم تنتهِ إلا عام 2005، راح ضحيتها 4412 فلسطينياً و48322 جريحاً، مقابل 334 قتيلاً من الجيش الإسرائيلي و735 من المستوطنين.
ولعل أكثر ما طغى على هذه الانتفاضة هو كثرة العمليات في الشارع الإسرائيلي، بالإضافة إلى العمليات المسلحة التي كان أشهرها معركة مخيم جنين التي قُتل فيها 58 جندياً إسرائيلياً وجرح 142، وكان ذلك بمثابة هزيمة فادحة للجيش الإسرائيلي.
2006 – انتخاب حماس لقيادة الشعب الفلسطيني
بعد الانتفاضة الثانية بعام تقريباً تم تنظيم انتخابات تشريعية فلسطينية شاركت فيها حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكانت المُفاجأة أن الشعب الفلسطيني اختار حماس حيث تمكنت من حصد 76 مقعداً من أصل 132 مقعداً، بينما فازت قائمة حركة فتح بـ43 مقعداً.
ومع أن الانتخابات حصلت في أجواء ديمقراطية وبمراقبة دولية ومحلية، إلا أن الكثير من الجهات الدوليّة عارضت وجود حماس في الانتخابات، وهددت بقطع المعونات، كما أن هناك جهات فلسطينية رفضت التسليم بحقيقة انتصار حماس بغالبية الأصوات.
اختيار الفلسطينيين لحماس كلّفهم الكثير، فقد اعتبرت إسرائيل نجاح حماس بمثابة زلزال سياسي، ولهذا بدأت بحملة اعتقالات واسعة في صفوف حماس وتصفية قياداتها.
وكان من أبرز عمليات إسرائيل ضد الفلسطينيين مجزرة الشاطئ، حيث قصفت البوارج الإسرائيلية شاطئ غزة بينما كانت عائلة "هدى غالية" تقضي عطلة نهاية الأسبوع، ليقتل والد هُدى و5 من أشقائها وتم تصوير الطفلة هدى وهي تبكي وتصرخ بجانب جثّة والدها.
بعد أسبوعين فقط من مجزرة الشاطئ، قام الفلسطينيون بعملية "الوهم المتبدد" التي أسرت فيها الجندي جلعاد شاليط.
2008 معركة الفرقان
وعقب فوز حماس في الانتخابات قامت إسرائيل بحصار غزة حصاراً خانقاً، وهو الحصار الذي زاد بعد سيطرة حماس على غزة في 2007 ليتفاقم الوضع حتى انفجر في نهاية 2008.
السبت 27 ديسمبر/كانون الأول هو أحد أكثر الأيام دموية في تاريخ فلسطين منذ عام 1948، حيث عُرف هذا اليوم بيوم السبت الأسود والذي تسبب فيه القصف الإسرائيلي بقتل 200 فلسطيني وجرح 700.
في هذه الحرب قتلت إسرائيل 1417 فلسطينياً على الأقل، وأصابت 4336 آخرين، وفي هذه الحرب أيضاً قام الفلسطينيون باستخدام الصواريخ التي وصلت منطقة جاني يافني بالقرب من مدينة أشدود من خلال صواريخ غراد متوسطة المدى، وقد كانت هذه أبعد نقطة تصلها الصواريخ الفلسطينية حتى ذلك الحين.
2012 حرب غزة
مع أن غزة لم تكن قد تعافت من الدمار الذي لحق بها في حرب 2008، إلا أن تنامي قوة حماس كان مبرراً كافياً لإسرائيل كي تغتال أحد كبار قادة حماس وهو أحمد الجعبري، لتُعلن بذلك الحرب على غزة فيما سمّته "عمود السحاب"، ليرد الفلسطينيون بعملية "حجارة السجيل" التي استمرت 8 أيام وراح فيها 154 فلسطينياً.
في حجارة السجيل، قام الفلسطينيون بقصف تل أبيب، وهو ما لم يحصل مُنذ استهداف صدام حسين لتل أبيب عام 1991، وكان ذلك من خلال صواريخ جديدة لكتائب عز الدين القسام أعلنت عنها حماس خلال الحرب باعتبارها "مفاجأة"، وكانت تلك من خلال صواريخ إم 75، وهي حصيلة أكثر من 10 أعوام من عمل حماس في صناعة وإطلاق الصواريخ.
جدير بالذكر أنه وفي نفس الحرب أطلق الفلسطينيون صواريخ باتجاه القدس، وهو ما أثار الرعب في الشارع الإسرائيلي، حيث لم يكن سماع صفارات الإنذار في القدس أمراً متوقعاً.
2014 حرب غزة
الحرب الثالثة على قطاع غزة لم تنتظر أكثر من عامين، فالأوضاع في الساحة الفلسطينية كانت مشحونة جداً خلال تلك الأعوام، نتيجة تنامي اليمين المتطرف في إسرائيل، وتنامي قوّة المستوطنين وكثرة الاعتداءات على المسجد الأقصى واعتقال كثيرين ممن أطلق سراحهم بعد صفقة شاليط.
اتهمت إسرائيل الفلسطينيين بخطف 3 مستوطنين من الخليل، الذين عُثر على جثثهم لاحقاً، وقام المستوطنون بخطف الطفل محمد أبوخضير من شعفاط في القدس، لتندلع بعدها موجة عنف حادة.
وبعد أيام قليلة من العثور على جثّة الطفل محمد، بدأت إسرائيل بحرب جديدة على غزّة سمّتها الجرف الصامد، ليرد الفلسطينيون بمعركة العصف المأكول، وفي هذه الحرب وصلت صواريخ الفلسطينيين إلى معظم المناطق في إسرائيل فيما سمّته عملية العاشر من رمضان، حيث وصلت إلى حيفا بصاروخ آر 160، كما قاموا بعملية نوعية، واقتحام برج عسكري إسرائيلي في ناحل عوز وتصوير العملية بالكامل.
رغم انتهاء الحرب بالكثير من الإنجازات للمقاومة، إلا أن إسرائيل وبعد شهرين تقريباً منها، قامت باعتداء خطير على المسجد الأقصى في 30 أكتوبر 2014 وهو إغلاق الأقصى بالكامل، وهو ما لم يحصل منذ عام 1967، في ذلك اليوم لم يُشارك في صلاة الفجر إلا مدير المسجد الشيخ عمر الكسواني، و7 من حراس المسجد فقط، كما أن الاعتداءات لم تنتهِ واستمرت عمليات الاقتحام للمسجد الأقصى من قِبل المستوطنين وكانت سبباً في ازدياد وتيرة عمليات الدهس.
2015 هبة السكاكين الجديدة
بعد عام من الاقتحامات للمسجد الأقصى والتنكيل بالفلسطينيين في القدس والمصليّن في المسجد، اندلعت هبة لم يعرف لها الفلسطينيون مثيلاً إلا أيام الانتفاضة الأولى، بالأخص بين أعوام 1990 و1992.
ويحاول الجانب الإسرائيلي أن يؤكد أن الأمر مُجرد هبّة فيما يتجه الشارع، وبالأخص الشباب ما دون العشرين، إلى الانتفاض على واقع صعب مرير بغضّ النظر عن تصريحات السياسيين.