مع اقتراب بدء الانتخابات البرلمانية في مصر ترى فئات عمالية كثيرة أنه لا أمل في تدارك تدهور الأوضاع الاقتصادية حتى بعد انتخاب البرلمان الجديد.
ففي مدينة المحلة الكبرى بدلتا النيل حيث توجد كبرى مصانع النسيج في مصر لا يرى العمال بصيص أمل في أن تضع الانتخابات البرلمانية حداً لتدهور حالهم أو حتى أن تأتي بنواب يعملون على النهوض بصناعتهم التي تخلفت لعقود.
في المدينة التي يغلب عليها الطابع العمالي أدت المصاعب الاقتصادية المتنامية على مدى سنوات إلى إضرابات عمالية يرى البعض أنها كانت الإرهاصات الأولى لثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011 والتي أسقطت الرئيس الأسبق حسني مبارك.
شركة مصر للغزل والنسيج تأسست بالمحلة الكبرى عام 1927 وظلت لعقود قلعة للصناعة المصرية إلى أن تدهورت أوضاعها في آخر عقدين ومنيت بخسائر فادحة. وبلغ عدد عمال الشركة في عصرها الذهبي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي نحو 40 ألف عامل وتراجع العدد ليصل إلى قرابة النصف في السنوات الأخيرة.
وبعد ما يربو على 4 سنوات من سقوط مبارك وفي أعقاب إطاحة الجيش بالرئيس محمد مرسي تبدلت الأحوال كثيراً فخفت حماس العمال وحل محله شعور بالإحباط والخوف على المستقبل.
خلو الشوارع من الدعاية الانتخابية
وخلت تقريباً شوارع مدينة المحلة التابعة لمحافظة الغربية من أي مظاهر للدعاية الانتخابية مع اقتراب انتخابات مجلس النواب التي تجرى بالمحافظة في 22 نوفمبر تشرين الثاني. ويجرى التصويت في الغربية على مدى يومين ضمن المرحلة الثانية من الانتخابات بينما ستجرى المرحلة الأولى في محافظات أخرى يومي 18 و19 أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي منزله البسيط بأحد الأحياء الشعبية القريبة من المصنع يقول كمال الفيومي (50 عاماً) وهو ناشط عمالي تعرض للفصل التعسفي قبل أشهر بتهمة التحريض على الإضراب "بعد أن كانت شركة المحلة أحد قلاع الصناعة وكانت الشركة رقم واحد في مصر والشرق الأوسط أصبحت الآن محملة ومكبلة بالتخسير وليس الخسائر… تخسير لأن ذلك يحدث بفعل فاعل".
واعتقل الفيومي في أعقاب إضراب 2008 ثم أفرج عنه وعاد إلى العمل. وهو يرى أن العامل يتعرض لضغوط شديدة وظروف عمل صعبة في إطار مخطط كبير لسياسات الخصخصة يهدف أن يؤدي إلى "الموت المبكر" لشركات القطاع العام من أجل بيعها.
لا توجد بوادر أمل
لا يرى الفيومي أي بادرة أمل في انتخابات مجلس النواب المقبلة ويقول إن غالبية كبيرة من المرشحين يمثلون الحزب الوطني الديمقراطي المنحل أو رجال الأعمال ولا يوجد من يمثل العمال.
وتساءل الفيومي الذي حصل العام الماضي على ليسانس الحقوق أثناء عمله بالمصنع "هل ستقف سياسات الخصخصة في ظل مجلس أغلبه رجال أعمال؟ نتمنى أن تحدث المعجزة لكن زمن المعجزات انتهى".
إرهاب الفساد
تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في يونيو/ حزيران 2014. ويؤيده كثير من المصريين لأنه حقق درجة من الاستقرار بعد سنوات الاضطراب التي أعقبت انتفاضة 2011 لكن منتقديه يقولون إنه أعاد مصر إلى الحكم الاستبدادي ولم يفعل ما يكفي لتعزيز اقتصادها المنهك.
وحاول السيسي تعزيز الاقتصاد من خلال مشروعات كبيرة في مجال البنية التحتية. وافتتح مشروع شق مجرى جديد مواز لقناة السويس أطلق عليه اسم مشروع (قناة السويس الجديدة) في أغسطس/ آب لكن تتعثر مشروعات أخرى مثل خطة لاستصلاح مساحات من الصحراء كما أنه عجز حتى الآن عن حل مشكلات العمال المزمنة والمتراكمة منذ عقود.
قال الفيومي "إذا كانت الحكومة والرئيس السيسي يقولون إنهم يحاربون الإرهاب وإرهاب الدم.. فنحن نقول إن هناك إرهاباً أخطر من إرهاب الدم وهو إرهاب الفساد.
"إرهاب الفساد يحدث عندما يخرج كل العمال كحالات معاش مبكر وعندما تدفع الشباب لركوب مراكب الموت لأنه لا يجد فرصة عمل في مصر".
ويقول كامل سعيد (45 عاماً) الذي يعمل بمصنع المحلة منذ 15 عاماً "هناك سوء إدارة وسوء تسويق ونريد من البرلمان القادم أن يضع رقابة على كل شيء في المصنع".
ويضيف "عادة يأتي المرشحون قبل الانتخابات ويقدمون وعوداً وردية لكن بمجرد انتهاء المولد (الانتخابات) يذهب الجميع ولا نرى أحداً ولا يتحقق أي شيء.
"السيسي ليس في يديه عصا سحرية لحل المشكلات… جاء رئيس الوزراء السابق إبراهيم محلب إلى هنا ووعد بحل المشاكل وطلب مهلة 3 أشهر وانتهت المهلة وترك محلب الوزارة ولم يتغير أي شيء".
برلمان بلا عمر
وعبر الناشط العمالي فيصل لقوشة (48 عاماً) عن أمله في أن يساعد البرلمان القادم في حل المشكلات التي تواجه العمال. وقال "سنطالب البرلمان القادم بسن قانون الحريات النقابية ليكون هناك مجلس إدارة منتخب ولتكون هناك محاسبة على الخسائر التي تحدث".
لكن لقوشة عبر أيضاً عن قلقه من أن ينتهي البرلمان بالحل بعد وقت قصير إذا عرقل عمل الرئيس.
وقال "أشعر أن هذا البرلمان بلا عمر وأنه لن يستمر بسبب احتمال تسرب أعضاء من الإخوان المسلمين ومن حزب النور السلفي وخلايا نائمة وهؤلاء سيعملون على عرقلة عمل الرئيس وسينتهي البرلمان بالحل في وقت قصير".
بين شقي رحى
كانت مدينة المحلة التي توجد فيها مئات المصانع الخاصة العاملة في صناعة الغزل والنسيج قد شهدت إضرابات في عامي 2006 و2008 للمطالبة بصرف العلاوات، واحتجاجات على ارتفاع الأسعار.
وشهدت المدينة في أبريل/ نيسان 2008 اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين قتل فيها 3 على الأقل من المدنيين وأصيب المئات واعتقل كثيرون.
ولم تسكن الأوضاع منذ ذلك الحين ومازالت الشكاوى مستمرة.
قال خالد كرم (50 عاماً) وهو يعمل بمصنع المحلة منذ ما يزيد على 30 عاماً "التخريب داخل الشركة والفساد الإداري يصب في صالح شركات القطاع الخاص… زارنا محلب في يناير وقدم الوعود ولم يتم تنفيذ أي شيء".
خالد علي الناشط الحقوقي والمرشح السابق في انتخابات الرئاسة قال "الحكومة ليس في ذهنها إطلاقا العمال ولا يوجد أي قرار إداري صدر في السنوات الثلاث أو الأربع الماضية كان يمثل قراراً إيجابياً لصالح العمال. حتى القرارات الاقتصادية التي تصدر.. لها آثار اجتماعية واقتصادية سلبية على العمال بشكل كبير جداً ولا تتم مراعاة هذه الآثار".
وأضاف "عمال مصر بين شقي رحى.. بين ظروف اقتصادية ضاغطة عليهم بفعل تكثيف استغلالهم سواء من رجال الأعمال أو من الدولة ثم آلة أمنية وقمعية تكمم أفواههم وتعرضهم لمخاطر عديدة جداً وتهددهم بوصفهم إرهابيين لو تحركوا أي حراك اجتماعي أو حراك عمالي داخل مواقعهم".
إحساس الحكومة بالمسؤولية
لكن عبد الفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة للغزل والنسيج قال "الحكومة تعمل من منطلق إحساسها بالمسؤولية وتتكفل بسداد فرق الأجور لعمال قطاع الأعمال العام وحتى الآن لم يتأثر العمال في هذا القطاع… هناك لجنة لإصلاح صناعة الغزل والنسيج ونحن بصدد الاتفاق على منظومة الإصلاح".
وأضاف أن هناك مسؤولية كبيرة ملقاة على عاتق البرلمان القادم تتمثل في سن التشريعات لكن "الثقافة المتدنية" مازالت تنظر إلى عضو البرلمان على أنه نائب خدمات.
وقال علي "أتوقع أن يكون تأثير الانتخابات سلبياً وليس إيجابياً وخاصة أن أغلب المرشحين في العديد من الدوائر هم نخب اقتصادية تعد متحكمة في السوق وبالتالي قلب هذا البرلمان سيكون قلباً منحازاً للنيوليبرالية (الليبرالية الجديدة) بشكل كبير جداً والتشريعات التي سيصدرها لا أعتقد أنها ستكون فيها حماية لعلاقات العمل ولا حماية للقاعدة العمالية".
يعبر كرم العامل بمصنع المحلة عن رأي كثيرين من زملائه "لا ننتظر من البرلمان القادم شيئاً… الانتخابات القادمة مثل الانتخابات السابقة كلها مصالح شخصية وكل مرشح بعد أن يفوز يعمل لمصلحة نفسه".
ويلخص سعيد العامل بنفس المصنع توقعاته هو ومعظم العاملين..