لم تمر سوى شهور معدودة على تشكيل حكومة وصفت بأكثر حكومات إسرائيل "يمينية" (18 وزيراً من اليمين)، وذلك بعدما أطاحت حرب غزة الأخيرة وإرهاصاتها بحكومته السابقة، رغم ذلك يصر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يتصدر المشهد من جديد بخطوات وإجراءات على الأرض، باتت تتدحرج لتكون شعلة "انتفاضة" أو "هبة فلسطينية" من شأنها أن تغير الحسابات السياسية والوقائع على الأرض.
فتحت عنوان "رمي الحجارة قد يتحول إلى قنبلة سياسية"، كتبت الكاتبة الإسرائيلية اليسارية "طال شليف"، قائلةً: "صورة نتنياهو المرسومة كسيد الأمن تنهار بسبب الضغوط من اليمين واليسار".
وترى الكاتبة الإسرائيلية أنه بالرغم من محاولة المؤسسة الإسرائيلية الامتناع عن استعمال مصطلح الانتفاضة، ووصفها بأنها "موجة إرهابية"، أصبح من الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي يلقب بـ "سيد الأمن"، يواجه مشاكل كبيرة.
وختمت شليف بالقول "في هذه اللحظة، نتنياهو مقيد من حزبه، لكن في حال استمرت دوامة العنف، فإن هذا سيشكل العذر المثالي للإطاحة به، والعمليات المتواصلة على الإسرائيليين قد تؤدي إلى قنبلة سياسية تضرب السياسة الإسرائيلية".
وتأكيداً لما تطرحه الكاتبة "شليف"، تظهر نتائج استطلاع للرأي أجرته القناة العبرية الثانية مطلع الأسبوع الجاري أن 73% من الإسرائيليين عبروا عن عدم رضاهم عن سياسة نتنياهو وطريقة تعامله مع الأحداث المشتعلة، وهو ما قد يدفع باتجاه ممارسة ضغط شعبي لاتخاذ خطوات أكثر صرامة على الأرض، أو انعكاس ذلك على شكل الحكومة، كما يوضح المحلل السياسي والخبير بالشأن الإسرائيلي نظير مجلي.
ويشير مجلي إلى أن الإبقاء على "الانتفاضة الحالية بطابعها الشعبي المستمر منذ أسبوعين، سيدفع باتجاه الضغط أكثر على نتياهو، وهو ما يعني تحريك العديد من التيارات داخل المجتمع الإسرائيلي قد يكون بمعزل عن الأحزاب نفسها، ودفعه باتجاه التوقف لبحث مصير حكومته".
موقف اليسار الإسرائيلي
مجلي الذي تحدث لـ"عربي بوست"، أجاب على سؤال حول موقف اليسار الإسرائيلي من الأحداث الحالية، قائلا: "لم يعد مفهوم اليسار في إسرائيل ناجعاً؛ فمفهوم اليسار واليمين تبلبل كثيراً عما كان عليه سابقاً، الحديث اليوم ليس بالعدد أو حجم الشارع وإنما بالمضمون الفكري السياسي الذي يسيطر على الشارع الإسرائيلي".
ويضيف مجلي بأن غالبية القوى السياسية والحزبية مقتنعة بحل الدولتين، المشكلة أنه لا يوجد قائد إسرائيلي يتكلم بصدق وشجاعة، ويتخذ خطوات شجاعة في هذا الاتجاه، فهناك انصباب تام على الحل الأمني، لكن في نهاية المطاف، حتى وإن كان الحل الأمني موجوداً داخل الغرف المغلقة إلا أنه يتوجب أن يتم اتخاذ قرارات تنسج مع الواقع السياسي، وهذا ما حدث في وقائع مختلفة سابقة.
ويرى مجلي أن السؤال حول الاتجاه الذي ستدفع به هذه الهبة؟ فقد أوضح أنه إذا استمرت هذه الهبة بطريقة ذكية حكيمة سلمية، وإذا شعر العالم أن الشعب الفلسطيني استمر في خطواته بنهج لا يدخل فيه نمط العمل المسلح، فمن شأن ذلك أن يؤثر على قوى العالم، التي بدورها ستؤثر على القرار السياسي الإسرائيلي، وعندها اليمين الإسرائيلي يصبح مجبراً علالاستجابة لذلك.
التصعيد لمنع الانهيار
الأيام القليلة المقبلة، قد تدفع نتنياهو باتجاه التصعيد من خلال القرارات التي اتخذها أو سيتخذها، وذلك في محاولة لتعزيز مكانته كـ"قائد لإسرائيل في وقت لا يوجد فيه من ينافسه بهذه الشخصية القيادية"، كما يرى الدكتور مهند مصطفى أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا.
ويرى د. مصطفى في حديثه لـ"عربي بوست" أن نتنياهو هو القائد الوحيد الآن من معسكر اليمين في إسرائيل، ولا يوجد أي قائد يهدد مكانته في هذا المعسكر، ونتنياهو هو الوحيد القادر على تشكيل حكومة حالية في إسرائيل رغم الانتقادات التي توجه له، والتي في غالبها لا تسعى لإفشاله في هذه المرحلة.
ويشير مصطفى إلى أن المشهد السياسي الحالي في إسرائيل سيبقى على ما هو عليه، ما لم تحدث هناك تطورات من شأنها تغيير المشهد، وبالتالي ظهور شخصيات سياسية جديدة تهدد مكانة نتنياهو.
وفي استجابة لضغط اليمين الإسرائيلي، الذي يطالب بمزيد من القوة ضد الفلسطينيين، يرى د. مصطفى أن احتمالية ذهاب نتنياهو للتصعيد يعد خيارا قويا ومطروحا، وما يعزز ذلك القرارات الأخيرة التي قام بإصدارها.
ويوضح مصطفى أن الخيار الأكثر احتمالية في الأيام القريبة في حال استمرار المواجهات مع الفلسطينيين، أن يذهب نتنياهو إلى توسيع حكومته من خلال انضمام أحزاب أخرى يمينية كما هو الحال مع وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان.
ويتفق الأستاذ أنطوان شلحت، الباحث في مركز مدار للدراسات الإسرائيلية، مع ما يطرحة الدكتور مصطفى، مضيفا أن الحكومة لن تتأثر كثيرا في الوقت الحاضر لأن المجتمع الإسرائيلي منذ اتفاق أوسلو يتغير ويزداد تطرفاً، فالقضية ليست في تركيبة الحكومة الحالية أو من ستأتي بعدها، الداخل الإسرائيلي يتغير أيدلوجياً، والمؤسسة السياسية الإسرائيلية تصبح أكثر تطرف وتدين وأقل ديمقراطية على المستوى الداخلي.
وعمدت حكومة نتياهو إلى اتخاذ قرارات ومواقف تصعيدية في أعقاب جلسة المجلس الوزاري المصغر الثلاثاء، من بينها نشر وحدات جديدة من الجيش لمساندة الشرطة في القدس، إضافة إلى قرارات أخرى للضغط على الفلسطينيين في محاولة منع استمرار حالة التصعيد.
وعلى الرغم من عدم وضوح المشهد للأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية، إلا أن هؤلاء المحللين والخبراء لا يستبعدون تطور الانتفاضة الشعبية إلى شكل من أشكال العمل المسلح على الرغم من سعي العديد من الأطراف منع حصول ذلك.