في الوقت الذي وصل فيه عدد ضحايا التفجيرين الانتحارين في أنقرة إلى 95 شخصاً وإصابة 246 بجروح، لم تتبن أي جهة تلك التفجيرات التي استهدفت تجمعا للسلام دعت إليه المعارضة الموالية للكرد قبل 3 أسابيع من الانتخابات التشريعية المبكرة.
تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تصدّر قائمة المتهمين بالتفجيرين، ولكن حتى هذه اللحظة لم يتبن التنظيم المسؤولية، واقتصر على نشر تغريدة على حسابه صباح السبت قال فيها "إن هناك نحو 40 قتيلاً شيوعياً كافراً و100 جريح، نبارك لمن قام بهذه العملية ونشكر الله على التفجير في أنقرة، وندعو الله أن يزيد عددهم".
ومن جهتها وصفت صحيفة الوطن التركية رسالة داعش أنها "رسالة متغطرسة وعديمة الإنسانية"، وخاصة أنها ليست المرة الأولى التي يهدد فيها التنظيم تركيا بسبب مشاركتها في ضربات التحالف الدولي ضده في كل من سوريا والعراق.
وكان التنظيم قد طالب الشعب التركي عبر مقطع فيديو بثه في آب- أغسطس محاربة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
مصدر أمني صرّح لـ "رويترز" أن المؤشرات الأولى توحي بمسؤولية داعش عن انفجاري أنقرة، موضحاً أن "الهجوم اتبع نفس أسلوب تفجير سروج وجميع المؤشرات تدل على أنه نسخة من ذلك الهجوم والمؤشرات تشير إلى داعش".
وكان رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو أعلن في تصريحات سابقة أنّ داعش وحزب العمال الكردستاني وحزب التحرر الشعبي الثوري اليساري ضمن دائرة المشتبه بهم في الهجوم الإرهابي.
ما مصلحة حزب العمال الكردستاني
من جهته اعتبر الكاتب الصحافي التركي أيمين بزارجي في مقالة نشرها اليوم في "أكشام التركية" أنّ "القائم على هذا العمل هم من حزب العمال الكردستاني" مبرراً ذلك "أن هذا الحزب إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي هما المستفيدان من هذا التفجير".
وقارن بزارجي بين التفجير الحاصل في ديار بكر قبيل الانتخابات التركية الماضية وهذه التفجيرات، حيث أشار إلى أن "هذه التفجيرات ستلعب دوراً في توجيه الأصوات".
مراسل التلفزيون الهولندي الرسمي أشار أيضاً إلى أن حزب العمال الكردستاني يقع ضمن دائرة الاتهام لكون "له تاريخ مشابه بمثل هذه التفجيرات"، ولكن السؤال الذي طرحه "لكن المستهدف هم من أبناء جلدته الكردية".
تكريم الضحايا
وكان الآلاف قد تجمعوا في انقرة الأحد وسط اجراءات أمنية مشددة لتكريم ضحايا اعتداء السبت، محملين الحكومة مسؤوليته، وملأ المتظاهرون ساحة سيهيه في وسط أنقرة على مقربة من موقع الاعتداء خارج محطة القطار الرئيسية في المدينة.
ومن جانبها أعلنت رئاسة الوزراء التركية عن تكليف محققين 2 تابعين لوزارة الداخلية، و2 آخرين من الشرطة، للتحقيق في جميع الجوانب المتعلقة بتفجيري أنقرة.
فيما قال مسؤول كبير في الحكومة التركية، الأحد، إن الانتخابات البرلمانية ستجري في موعدها في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني، رغم تفجيري أنقرة أمس.
المسؤول أكد أنه "بسبب تزايد المخاطر سيتم تشديد إجراءات الأمن حول التجمعات الانتخابية أكثر، وستجري الانتخابات في أمان."
تركيا، أعلنت الحداد الوطني 3 أيام إثر هذا الاعتداء فيما توالت ردود الفعل العالمية المنددة.
الانفجاران، حولا المنطقة إلى ما يشبه ساحة حرب حيث كانت العديد من الجثث ممددة على الأرض وسط لافتات "عمل، سلام وديموقراطية" ما أدى إلى حالة من الهلع بين المتواجدين.
من جانبه ندد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بهجوم مشين ضد وحدتنا والسلام في بلادنا" متوعدا "بأقوى رد" ضد منفذيه.
وقال رئيس الوزراء التركي أن لديه "أدلة قوية" على أن الاعتداء نفذه انتحاريان، وأعلن الحداد الوطني 3 أيام.
شهود عيان
وبثت المحطة التلفزيونية الإخبارية "إن تي في" صور فيديو التقطها هاو تظهر مجموعات من الناشطين يغنون ويرقصون يدا بيد قبل سقوطهم أرضا جراء عنف الانفجار.
أحمد اونين (52 عاما) وهو متقاعد كان يغادر المكان مع زوجته، قال "سمعنا دوي انفجار ضخم وآخر صغير، وحصلت حركة هلع ثم شاهدنا جثثا ممددة في باحة المحطة".
وأضاف "أن تظاهرة من أجل السلام تحولت إلى مجزرة، لا أفهم ذلك".
الشرطة التركية، اضطرت لإطلاق عيارات نارية في الهواء لتفريق المتظاهرين الغاضبين الذين كانوا يحتجون على مقتل رفاق لهم على وقع هتافات "الشرطيون قتلة".
ردود الفعل العالمية
وفي أجواء من التوتر الشديد يؤججها النزاع الكردي والاستحقاق الانتخابي، دعت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني تركيا إلى "البقاء موحدة".
وقالت موغيريني في بيان مشترك مع المفوض المسؤول عن توسيع الاتحاد الأوروبي يوهانس هان، "على الشعب التركي وكل القوى السياسية البقاء موحدة لمواجهة الإرهابيين وجميع الذين يحاولون تقويض استقرار البلاد التي تواجه عددا كبيرا من التهديدات".
من جهته، ندد البيت الأبيض بما وصفه اعتداء "إرهابيا مروعا" في العاصمة التركية.
وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي نيد برايس "الحقيقة أن هذا الهجوم الذي وقع قبل تجمع حاشد للسلام يؤكد الانحطاط الأخلاقي لأولئك الذين يقفون وراءه، وهو بمثابة تذكير جديد بضرورة مواجهة التحديات الأمنية المشتركة في المنطقة".
الرئيس الأميركي باراك أوباما، اتصل بأردوغان وعبر له عن "تضامن" الولايات المتحدة مع تركيا في مواجهة "الإرهاب".
بدورها، نددت الخارجية الأميركية بالاعتداء "المشين"، وقال المتحدث جون كيربي "في ضوء استمرار العنف في تركيا والمنطقة، من الأهمية بمكان في الوقت الراهن أن يلتزم جميع المواطنين الأتراك السلام ويتوحدوا ضد الإرهاب".
كما ندد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند "بهجوم إرهابي شنيع" فيما قدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تعازيه للرئيس التركي.
وأعلنت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل أنها تلقت هذا النبأ "ببالغ الحزن والصدمة" معتبرة أن الهجوم ضد "الحقوق المدنية والديموقراطية والسلام".
صلاح الدين دمرتاش
وفي رد فعل على التفجيرين أيضا، قال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي، أبرز حزب مؤيد للكرد في تركيا، صلاح الدين دمرتاش "إننا أمام مجزرة مروعة، إنه هجوم وحشي".
وروى شاهد آخر يدعى شاهين بلوط وهو عضو في نقابة المهندسين في اسطنبول جاء من كبرى المدن التركية للمشاركة في التظاهرة "رأيت رجلا انتزعت رجله وكان ممددا على الأرض، رأيت أيضا بقايا يد على الطريق" ثم أضاف أن المشهد "شبيه بما حصل في سوروتش".
ففي 20 يوليو/ تموز أسفر هجوم انتحاري نسب إلى تنظيم الدولة الإسلامية عن سقوط 32 قتيلا في صفوف ناشطين مناصرين للقضية الكردية في مدينة سوروتش القريبة جدا من الحدود السورية.
وفي غمرة اعتداء سوروتش تجددت المواجهات العنيفة بين الجيش التركي ومتمردي حزب العمال الكردستاني ما أدى إلى انهيار وقف إطلاق النار الهش الذي كان ساريا منذ مارس/ آذار 2013.
وقد قتل أكثر من 150 شرطيا أو جنديا منذ ذلك الحين في هجمات نسبت إلى حزب العمال الكردستاني، في حين تؤكد السلطات التركية "تصفية" أكثر من 2000 عنصر من المجموعة المتمردة في عملياتها الانتقامية.
حزب العمال الكردستاني
حزب العمال الكردستاني، أعلن السبت تعليق عملياته قبل 3 أسابيع من الانتخابات التشريعية.
وقالت منظومة المجتمع الكردستاني وهي الهيئة التي تشرف على حركات التمرد الكردي في بيان "استجابة للنداءات التي أتت من تركيا والخارج فإن حركتنا أعلنت وقف نشاط مجموعاتنا المقاتلة لفترة إلا إذا تعرض مقاتلونا وقواتنا لهجمات".
وجاء في الإعلان الذي نشر على موقع الهيئة الإلكتروني "خلال هذه الفترة لن تنفذ قواتنا عملياتها المقررة ولن تقوم بأي نشاط باستثناء الأنشطة التي ترمي إلى حماية مواقعها الحالية ولن تتخذ أي خطوة تمنع تنظيم انتخابات نزيهة".
وفي الانتخابات التشريعية التي جرت في السابع من يونيو/ حزيران الماضي خسر حزب الرئيس أردوغان الغالبية المطلقة التي كان يحظى بها منذ 13 سنة في البرلمان، وخصوصا بسبب النتيجة الجيدة التي حققها حزب الشعوب الديموقراطي.
وبعد فشل المفاوضات لتشكيل حكومة ائتلاف دعا إلى انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل.