تحولت جنازة فتى فلسطيني من بيت لحم قتل الاثنين برصاص إسرائيلي إلى مواجهات عنيفة الثلاثاء 5 أكتوبر/تشرين الأول 2015 شارك فيها فِتيان فلسطينيون بكثافة تعبيراً عن غضبهم لمقتل رفيقهم، وسط إغلاق تام لهذه المدينة التي تشهد عادة حركة سياحية ناشطة.
وأمام الجدار الفاصل بين بيت لحم والقدس، تجمع جنود قرب برج مراقبة للجيش الإسرائيلي وباشروا بإطلاق وابل من القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي على شبان وفتيان فلسطينيين كانوا يلقون الحجارة عليهم. ولم يتردد الجنود في الاستفادة من فترات هدوء قصيرة لالتقاط صور سلفي لهم عبر هواتفهم المحمولة في شكل يظهر الشبانَ الفلسطينيين وراءهم.
صمود وتحد
المسافة لا تتعدى الأمتار القليلة بين الجنود وعشرات الفتيان وبينهم بنات، وقد غطوا وجوههم بكوفيات سوداء وخضراء وحمراء تعكس ألوان مختلف المنظمات الفلسطينية. الجميع منكبون على رشق الجنود بالحجارة سواء بأيديهم أو بالمقلاع القادر على الوصول إلى مسافة أكبر.
الحجارة غطت الشارع الرئيسي للمدينة إلى جانب ردميات توزعت على الأرض مع بقايا القنابل المسيلة للدموع. وعلى مسافة قصيرة من كنيسة المهد والمنطقة السياحية للمدينة، أقام الفتيان والشبان الفلسطينيون عوائق من مخلفات القمامة وإطارات قديمة، وأخشاب مشتعلة، وفرش للحماية من الجنود الإسرائيليين.
ووقف أحد الفتية على رصيف غالباً ما يكون مكتظاً بالسياح، خاصة المسيحيين منهم، وقد ارتدى قميصاً أسود وأخفى وجهه بكوفية. وبينما كان منهمكاً بجمع الحجارة لرشق الجنود الإسرائيليين قبالته قال "إن الإسرائيليين يهاجمون الأقصى ويضربون النساء" في إشارة إلى المواجهات التي حصلت مؤخراً في المسجد الأقصى وباحته وأدت إلى سقوط عشرات الجرحى. وكانت الانتفاضة الثانية اندلعت من المسجد الأقصى عام 2000.
سنقاوم حتى ننتصر
شاب آخر يتقدم، رفض أيضاً إعطاء اسمه، قال "أنا في الثامنة والعشرين من العمر متزوج ولدي ولدان. إلا أن هذا لن يمنعني من مواجهة المحتل"، مضيفاً "نحن هنا لنوجه رسالة إلى إسرائيل والسلطة الفلسطينية: سنقاوم الإسرائيليين الذين يهاجمون الأقصى ويقتلون أطفالنا كما حصل مع عبد الرحمن الذي لا يبلغ سوى ال13 من العمر".
سكان المدينة شيعوا الفتى عبد الرحمن عبدالله وحملوه ملفوفا بالعلم الفلسطيني قبل دفنه. وفي مخيم عايدة للاجئين الذي يتحدر منه الفتى تجمع نحو 1000 شخص لوداعه. وتقدم مسيرة التشييع عشرات الشبان الملثمين وهم يحملون أعلاماً لحركتي فتح وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وحمل أحدهم فأساً في حين حمل آخرون مطارق. وشوهد عدد قليل من عناصر الشرطة الفلسطينية سرعان ما تواروا مع بدء المواجهات.
يوم تاريخي
أحد الناشطين صاح عبر مكبر للصوت بالحشد "إن التاريخ يكتب هنا في قلب هذا المخيم للاجئين، إنه تاريخ مقاومة الشعب الفلسطيني". وعلى مسافة قصيرة، تجمعت فتيات أمام منزل عائلة الفتى لمواساة دلال والدة عبد الرحمن التي انهارت أمام جثمان ولدها.
وحول الطريق الرئيسية في المدينة تجمع عشرات الفتيان الفلسطينيين لمواكبة التشييع. وسرعان ما تقدم عدد منهم باتجاه الجنود الإسرائيليين وهم يحاولون تجنب القنابل المسيلة للدموع قبل رشق الحجارة التي يحملونها والاختباء وراء السواتر التي نصبوها على أمل تجنب قنابل الجنود ورصاصهم.