حوادث الحج : كما تكونوا , تكن أحداثكم !

أليس المفهوم الأسمى للإسلام هو المساواة بين أرواح المسلمين جميعهم ؟ هل فكرت قبل عرض أطروحتك الجميلة ، بحجم تقصيرك أنت بمن تتحمل مسؤوليته و ستحاسب عنه ؟ هل بذلت قصار جهدك لبناء الأسرة التي لن تخرج منها مفسدين في الأرض ؟ أنت أيضا .. لن تخلوا رقبتك من وزر دماء المسلمين !

عربي بوست
تم النشر: 2015/09/30 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/09/30 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش

تضج وسائل التواصل الإجتماعي و الإعلامي بالحديث الصاخب عن حادثة منى المؤلمة , و التي رحل ضحيتها المئات من الحجاج المحرمين لبارئهم .. إلا أنني أرى في تلقي المسلمين للحادثة تجسيدا حقيقيا لواقع الأمة الإسلامية اليوم :
"متعصبون للحكومات يتهمون من يخالفهم الرأي بالصيد في المياه العكره و القوت على دماء المسلمين ، يقابلهم متمردون يسحبهم اندفاعهم في أول التيارات التي تناسب مفاهيهم لكنهم لا يتفكرون بها قبل تبنيها ، يتهمون خصومهم بمجالسة الحكام و اختلاط أيديهم بدماء المسلمين الأبرياء.. كلا الفريقين يجهل – أو يتجاهل – قدرة الإعلام على التضخيم و التجييش و التوجيه ..
فوضى ، ضعف ، شيعة حاقدون و سنة لم يلبثو أن يحولوا أصابع الإتهام للشيعة محملينهم مسؤولية ما جرى ، قادة بعيدون عن الأرض .. بعيدون كثيرا .. متعالون ، من برجهم العالي يواسون الضعفاء و المساكين دون أن تكون لهم المقدرة حتى على تخيل الواقع الذي يعيشه البسطاء و العامة ، و أمثالنا : مُنظرّون لا يملكون حلولا ولم يتعبوا أنفسهم بالبحث عنها ، يظنون أن تحليلهم للأمر يسقط عنهم العتب و يبعد عنهم اللوم ..
والأهم من كل ذلك ، أبرياء بسيطون يرحلون ضحايا كل هذا الجنون.. كل يوم .."
عزيزي المسلم ، أنت أيضا تحمل وزرهم .. تحمل وزر من قضى من حجاج الدول الإسلامية شديدة الفقر والجهل ، لأنك تركتهم يغرقون بالجهل و الفقر و الجوع حتى أصبحوا أبعد ما يمكن عن الحضارة و التقدم، غرقت في فقاعة نفسك حتى نسيت مآسيهم , ثم تفضلت بتعقيباتك العظيمة :" حجاج المسلمين همج ! ينبغي على الحكومات فرض دورات تحضيرية للحج ! "
من أخرجك من جب المسؤولية وقال لك أنك لن تسأل لماذا لم تفكر يوما أن تشد رحالك إليهم لتخرج زكاة علمك و رزقك و تقدمك؟ هل فكرت قبل أن تخلع رداء التواضع عنك ، كم تعذب هؤلاء البسطاء حتى يأمنوا تكاليف حجهم؟ من أين لهم – أو لحكوماتهم – أن يأمنوا تكاليف الدورات ؟ دع كل ذلك جانبا ، و أخبرني ، كيف يتحوّل المرء من همجي فوضي إلى منظم مفكر في عدة ساعات؟ كيف يغير امرء طباعه و عاداته و تكوينه النفسي في أيام معدودات؟

عزيزي المسلم : لو فرضنا -جدلا- أن تقصيرا حقيقيا من قبل المنظمين تسبب بحادثة منى .. لماذا انتظرت حتى يموت المئات حجاجا حتى تتفوه بما -اكتشفنا اليوم- أنك تعرفه منذ أمد بعيد ؟
لماذا سكت عقودا طويلة عن تقصير لا يقل عن هذا أبدا حصل بحقك و بحق القاطنين معك من بلاد أخرى ، لماذا لم تطالب بحقوقهم و انصافهم حتى قضوا أمامنا ؟ كم مظهرا للفساد مررت به ثم قررت أن تعيش كما يعيش غيرك حتى تفشا الفساد ووصل إلى دماغنا ؟ هل طالبت يوما بحق المسلميين الذين يموتون سنويا في بلاد المسلمين بسبب سوء الظروف التي يوضع بها العمال وانعدام حقوقهم ؟ هل كتبت يوما تتحدث عن مئات الآلاف من المسلميين الذين لم يتسلموا رواتبهم بسبب بطش المسلمين أمثالهم و تعجرفهم , و بسبب الفساد الذي ضرب منظومات القضاء الإسلامي حتى أصبح طبقيا بشعا يكبر الكبير و يأكل الصغير ؟
أليس المفهوم الأسمى للإسلام هو المساواة بين أرواح المسلمين جميعهم ؟
هل فكرت قبل عرض أطروحتك الجميلة ، بحجم تقصيرك أنت بمن تتحمل مسؤوليته و ستحاسب عنه ؟ هل بذلت قصار جهدك لبناء الأسرة التي لن تخرج منها مفسدين في الأرض ؟ أنت أيضا .. لن تخلوا رقبتك من وزر دماء المسلمين !
عزيزي المسلم : نحن أنفسنا أخطر تهديد يواجهنا ، لا المخطط الإيراني ولا الموساد اليهودي و لا اللوبي الماسوني سيوقع بنا أن كنا نحن نملك أمر أنفسنا ، إن أصبحنا أحرار العقل و النفس ، إن تفكرنا و فكرنا ، إن تعلمنا و نفذنا ، إن تقبلنا اختلافاتنا وتعلمنا التعايش معها ، حينها لن يجد الأعداء ثغرة يدخلون بها إلينا . ليتك حين كتبت منشورك الرنان عن حجاج ايران الوحوش -الذين سمعت عنهم ولم ترهم ولم تكن معهم- وفرت عنك وقت و استعملته ، فكتبت ما ينفع المسلمين و يرقى بهم حتى يصبحوا حقيقة تهديدا للأمم الأخرى ، يخافونهم و يعدون لهم العدة ..

أخيرا , عزيزي المسلم المطالب بادارة إسلامية لمكة .. أخبرني أرجوك عن تجارب المسلمين والعرب في الوحدة والاختلاط الطائفي اليوم .. احكي لي ولو قصّة واحدة عن مشروع نفّذه المسلمون متحدين .. حدّثني مثلا عن لبنان , عما يقارب الـ 500 يوما قضاها دون رئيس لعجز دولته – التي تحكم أربعة ملايين ونصف نسمة فقط- عن الاتفاق , و من ثم تخيّل ما سيحصل للكعبة , و الحجاج , و المسلمين , ان أصبحت مكة تحت حكم إسلامي مختلط .. فكّر ولو قليلا بما يقدمه الإعلام لك على طبق من ذهب قبل أن تباركه !

أمة الإسلام , لنتأمّل في التاريخ لنعرف عن الحاضر أكثر , ففي عهد الجاهلية مثلا كان من العادة أن يدخل الحجاج الكعبة لابسي أحذيتهم حتى سن لهم الوليد بن المغيرة خلع الخف والنعل إذا ما دخلوا , فاستن العرب بسنته إعظاماً للكعبة وإجلالاً .. كان الوليد قائدا , يحج مع الحجاج و يشرف عليهم بنفسه , يذبح من نوقه و يكسو الكعبة من ماله عاما و كل قريش تكسوها العام التالي . سنّ سنة , نفّذها مبتدءا بنفسه , ففعل العرب من بعده ! متى يكون لنا قادة يبدؤون بأنفسهم , ومتى نكون نحن فريقا واحدا و صفا واحدا , إذا ما وقفنا خلف راية التزمنا بها؟
في التاريخ أيضا نجد الخلفاء الراشدين قد حجّوا بالناس بعد رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم بأنفسهم ؛ ففي السنة الثانية عشر من الهجرة حج بالناس خليفة رسول الله ـ صلي الله عليه وسلم ـ أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ، ثم حج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ بالناس طيلة فترة خلافته ، وكذلك عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ، غير أن علي بن أبي طالب ـ كرم الله وجهه ـ لم يحج لقصر فترة خلافته ولانشغاله بحروب الفتنة . ان عاش اليوم علية القوم كما يعيش عامتهم , ان تقاسم المسلمون خبزا واحدا , و تشاركوا شرابا واحدا , ان كانوا كما أراد الله لهم "جسدا واحدا" .. لعرفوا كيف يكون الحج .. و لحجت أرواح المسلمين جميعا , في مكّة و غيرها لله وحده .. ولطافت أرواحهم في ظلال رحمة الله و نعمته لم يمسسهم سوء

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد