منذ أن لجأ محمد، وحمزة، وأم قاسم، وروان إلى مصر، هرباً من الحرب في وطنهم سوريا منذ أكثر من 4 سنوات، والفرحة غابت، فهم كما يقولون يسكنون دياراً غير الديار وأرضاً غير الأرض، وتمر الأعياد تلو الأعياد دون جديد يمس نحو 500 ألف سوري في هذا البلد.
عيد الأضحى الذي يطرق باب البلاد العربية والإسلامية خلال 3 أيام، تبدأ غداً الخميس، بات بحسب أسر سورية بمصر "يوماً اعتيادياً كباقي أيام السنة، بعيداً عن الأهل والوطن".
"الغربة المُرة أفقدت اللاجئين السوريين الفرحة"، حالة وصفتها أم قاسم (30 عاماً) التي تقطن مدينة الإسكندرية (شمالي مصر)، قبيل يوم من عيد الأضحى.
وبملامحها الحزينة استكملت أم قاسم قصتها مع العيد، قائلة: "لا عيد ونحن بغير أهلنا وديارنا وجيراننا، فكل الأيام تمر سواء، لا فرق بين عيد وآخر، فمنذ قدومنا إلى هنا، والأحزان والهموم تلاحقنا، من عدم توفر المال، إلى البحث عن المسكن، ثم التنقل من مسكن لآخر، إلى رحلة شاقة في البحث عن العمل".
وتضيف في حديثها مع الأناضول: "زوجي يقضي أيام العيد في العمل، وأظل أنا وابني قاسم في المنزل".
وتُعَد الأحوال الاقتصادية، وعدم توفر فرص معيشية ووظيفية للسوريين في مصر، هي المؤرق الدائم، والذي يحول بينهم وبين الشعور بالفرح والأعياد، بحسب حمزة محمد (صاحب محل حلوى سورية) في الإسكندرية.
حمزة قال: "جاهدت كثيراً حتى استطعت أن أفتح محلاً صغيراً لأبيع فيه الحلوى التي تصنعها زوجتي في المنزل، وبالرغم من كوني سوري الجنسية إلا أن زبائني من المصريين، لم يعد للعيد طعم في فم السوريين، نحن هنا لنعمل ونكسب الرزق، حتى نوفر قوت يومنا، إلى أن يرُدنا الله إلى بلادنا وأهلنا".
محمد الذي يتذكر أنه منذ وصوله لمصر يتنقل من بيت إلى بيت، ومن محافظة إلى أخرى، يتابع قائلاً: "نحن نعيش كل يوم مخاوف جديدة، فكيف لإنسان مغترب أن يشعر بالفرحة وهو خارج وطنه، فَقَد عمله، وتشتت أسرته، فضلاً عن مخاوف الترحيل التي طالت الكثير من السوريين في مصر".
روان أبو النصر (25 عاماً) مضى عليها خمسة أعياد، منذ أن شدت رحيلها إلى هذا البلد برفقة والدتها، لا تعرف من العيد هنا معنى التجمع العائلي.
وقالت روان إنها لم تتواصل خلال هذه الأعياد مع أشقائها، إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو البرامج التي توفر التواصل بالفيديو، فيقضوا عيدهم في التراسل والتهنئة الهاتفية، فأشقائها وباقي أفراد عائلتها سافروا إلى الأردن بعد أن استطاعوا الفرار من أعمال القتل في سوريا.
محمود مصطفى، مسؤول عن الملف السوري في أحد الجمعيات الخيرية المصرية بالإسكندرية، قال: "نحاول تنظيم رحلات بشكل دوري في الأعياد، خاصة للأطفال السوريين، حتى يشعروا ببعض الفرحة، ولكنها دائماً ما تكون فرحة مؤقتة، في ظل الحالة المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها السوريون في مصر، فالمشاكل التي تواجههم كثيرة، أبرزها مشكلة الإقامة، والعمل، والسكن، فهناك أسر تتكون من 12 فرداً يعيشون في غرفتين، وآخرين في غرفة واحدة ".
مصطفى أضاف: "لم تقتصر معاناة اللاجئين السوريين فقط على حالة افتقادهم أسرهم، أو الأوضاع الاقتصادية، بعد انخفاض المساعدات المقدمة من قبل المنظمات الإنسانية، فحسب، بل تشمل أيضاً فقدان بعضهم البعض، بعد أن ضاقت بهم الحياة ذرعاً، فلجأوا للهجرة غير الشرعية إلى دول أوروبا، آملين في حياة أفضل، ولكن لم يكن الحظ حلفيهم، حيث لقي العشرات من اللاجئين حتفهم غرقاً".
وعن المساعدات المالية في العيد خاصة، استطرد مصطفى قائلاً: "نحن نوفر ما نستطيع من مساعدات شهرية ومالية، لكن هناك المئات بل الآلاف لا نستطيع مساعدتهم، لعدة أسباب منها قلة الموارد، والتضييق الأمني الدائم، ومئات الحالات المصرية الأخرى، التي نتكفل بها منذ سنوات، فنحاول الموازنة".
وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قال في خطاب رئاسي الشهر الجاري، إن بلاده "تستضيف ما يناهز على 5 ملايين لاجئ من الدول العربية والأفريقية يعيشون مع الشعب المصري، ويحصلون على ذات الخدمات التعليمية والصحية التي يحصل عليها المصريون، رغم الأعباء الاقتصادية التي تتحملها الحكومة".