"ما أبعـد كل غالٍ وذي جمالٍ عنا، في سبيل بلـوغه تقترب هالةُ (صعب المنال) منا "
هي خاطرةٌ تجيش بصدور البعض منا حين النظر إلى بديعِ السماء وحسنِها، في زفافها صباحاً لتسر إليها الناظرين، وفي بروز زينتها بوجهٍ خفيٍ مساءاً فيحملق بها آفاق الطامحين
! فالنظراتُ منا إليها معدودات في ثوانٍ قليلة
مرة التفاتٌ لها إعجاباً بجلالها، ومرة لسكونٍ ينسكب في النفسِ بنور صفائها، ومرة تفكرٌ في عمق الصور والأحوال وحبُ نهيم به في أحضانها، وآخرى تلبية لندائها، تخبر ناظرها عن سرِ الأسرار فيها وفي الأكوان، وعن حكمةٍ يفهمها الأطهار في كل الأزمان
سرٌ يهدم فكرةً تمكنت منا خلال زمان نشأتنا وأونة تربيتنا، وأصبحت طوبةً تتركزعليها الأخريات من بنائنا، وصارت هي عدستنا نرى من خلالها من وما حولنا
فكرةُ أن كل بعيدٍ عن العينِ بعيدٌ عن القلبِ، وأن الأشياءَ الغالية العالية شديدةُ الصعوبة في الوصول إليها، في ظل مسارٍ ممزوجٌ بقلة التصبر وصعوبة التنفس، مغمورٍ بالمشقة الجسدية والنفسية، وشعور النفس بثقل الأحمال على رغم خفتها حيناً، فتتحرك حركةً تفوق بطئها السلحفاة، فتتقدم الأرجل في عشرات الأيام خطوةً، وتتوقف في ضعفها من الأيام
فنحيا بمعتقدِ أن السيرَ إلى حلم وظيفة الأحلام، الزوج الفارس والزوجة الأميرة، البيت الملئ بالمحبة والسكن وتوريث الفلاح، وصال الأحباب والإستناد بهم ومعهم، الصديق الوفي، المال والسفر، دوام السلام النفسي والإتفاق مع الذات، وتحقيق ما جُبلت النفس على السعادة بظهورها، بعيد بُعد السفر على الأقدام، أو كتسلق جبل يطول ارتفاعه الكيلومترات، وكلما تقترب خطوةً وتنظر إلى قمة الجبل تصيبك الأثقال وتؤسرك الأحمال فتتوقف وتقول:
"الحلمُ جنةٌ مادام حلماً، وهلاكٌ في الطريق إليه لكي يكون، لأنه بعيدٌ … بعيدٌ … بعيدٌ للغاية، آلاف الأميال تبعد عنها الجفون"
! ولكن ..عجباً
تلك السماء في علوها قربٌ، بدليلِ أن العيـنَ تراها واضحة جلية
وأغلى ما أحتاجه، فيه سرُ حياتي، نسيم الهواء، وهو قريبُ قربٌ يمتزج بي لأحيا
وسيدي وسيد العالمين كلهم، أكمـل الكاملين، وحبيب رب العالمين، أعلى وأغلى وأعظم وأرقى ما خلق على وجه الوجود، ففي علو شأنه وعظيم مكانته، هو أقربهم إلينا، وأعطفهم علينا، قريبٌ من قلوبنا، أمانٌ لروحنا، وإن كان سيدي بعيداً عن عيوننا
وخالقي، خالق الأكوان، الرحمن، الرحيم، المتعالي، الغني، العزيز، العليم، هو القريب، القريب، القريب، هو جل وعلا أقرب ما يكون لنا، وهو سبحانه من يتودد إلينا
ذلك السر التي تحمله السماء للناظرين، وتودعه في قلوبِ العارفين، لتكن تلك القلوب المأذون لها مستقرٌ لسرِ الأسرار، ولما حولها تكن كالعبير في أطيب الأزهار
ذلك السر المفسِر لكون أن كل عالٍ وغالٍ قريبٌ وليس ببعيدٍ كمثل السماء والهواء، ذلك السر القادر على جذب الأرواح والأشياء والأفكار والأحوال جذباً يسيراً هيناً رحيماً، جاعلاً لتلك المسافات الطويلة خطوات هينة معدودة، وصانعاً للسير هناءاً لا نشعر فيه بأي عناءٍ، ليخط لنا خطوطاً نقرأ حروفها وكلماتها
"أن كل ما هو عالي وغالي قريبٌ وليس ببعيد، وأن كل ما هو قريبٌ من القلبِ قريبٌ من العين"
فسرُ الأسرارِ ظاهرٌ وباطنٌ فيه، في مصدره، في قوته، في آثاره
هو الحب
سببُ قرب السماء، وهو مبسِط الأشياء، هو بروز لمعان النجوم للعيون، وهو أنُس السيرِ بلذةٍ للوصول، وهو الذي يجعل الأحلام قريبة المنال طالما كانت قلوبنا مستقراً له، طالما أحببنا
ذلك السر يلقيه هو جل وعلا في قلوب من يريد، ويمتعها في سيرها بيسرٍ وثباتٍ على صراطه المستقيم، فتبلغ ما أحبت بقلب سليم على جناحِ طيرٍ فريد
فيا عبد القريب
أنت به قريب من كل ما رأيته بعيد
فاحلم بكل غالٍ، فبالحب يسبقك ما حلمت إلى ما تريد
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع