هجر بعض الجنود العراقيين مواقعهم وانضموا إلى موجة المهاجرين المدنيين المتجهين إلى أوروبا مما يثير شكوكاً في مدى تماسك قوات الأمن التي تحظى بدعم من الغرب في قتال متشددي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).
وتظهر لقاءات مع مهاجرين وتحليل للنشاط على الشبكات الاجتماعية أن عشرات المقاتلين في الجيش الوطني والشرطة والقوات الخاصة بالإضافة إلى مقاتلين من الشيعة وقوات البشمركة الكردية رحلوا في الأشهر الأخيرة أو ينوون الرحيل قريباً إلى أوروبا.
وينضم هؤلاء الجنود إلى أكثر من 50 ألف مدني غادروا العراق في الأشهر الـ 3 الأخيرة وفقاً لبيانات الأمم المتحدة في إطار حركة نزوح من سوريا وغيرها من مناطق الصراع في الشرق الأوسط.
التآكل في معنويات الجيش
وينذر عجز العراق عن الاحتفاظ بجنوده بمزيد من التآكل لمعنويات الجيش الذي انهار جزئياً مرتين في العام الأخير في مواجهة "داعش".
كما أنه قد يضعف جهود التحالف الذي تقوده أميركا والذي ينفق مليارات الدولارات على تدريب القوات العراقية وتجهيزها حتى تستطيع التصدي للمتشددين.
وقال متحدث باسم وزارة الدفاع العراقية إن الجيش لا تقلقه هجرة الجنود الذين قدرت أعدادهم بالعشرات من قوة أمنية يقدر عدد أفرادها بعشرات الآلاف.
العميد تحسين إبراهيم صادق قال إن "القوات المسلحة تؤدي دورها. ولا داعي للقلق."
لكن سعيد كاكيي مستشار وزير قوات البشمركة في إقليم كردستان بشمال العراق قال إن الأرقام "تدعو" للقلق رغم أنه لم يستطع ذكر رقم محدد لعدد جنود البشمركة الذين تركوا الخدمة.
إحساس باليأس
ويسلط رحيل الجنود الضوء على إحساس باليأس متغلغل بين كثير من العراقيين بعد أكثر من عام على استيلاء "داعش" على ثلث مساحة بلادهم وتهديدها باجتياح العاصمة وإعلانها دولة الخلافة الإسلامية.
ورغم دحر مقاتلي الدولة الإسلامية من بعض المناطق فإن أفراداً في قوات الأمن يقولون إنهم راحلون لأنهم يواجهون هجمات يومية من جانب التنظيم وعنفاً طائفياً وركوداً اقتصادياً.
كذلك يشعر كثيرون من أفراد قوات الأمن بالإحباط بعد أن تبددت أوهامهم عن المسؤولين المنتخبين الذين يقولون إنهم تركوهم على الخطوط الأمامية دون تزويدهم بإمكانيات كافية وسعوا للإثراء من خلال الفساد.
وقال شرطي من القوات الخاصة قرر الهجرة بعد مقتل شقيقه في معركة بيجي "العراق يستحق القتال في سبيله لكن الحكومة لا تستحق." مضيفا "لا يوجد أي اهتمام بنا على الإطلاق. الحكومة دمرتنا."
ومشيراً إلى أن فشل بغداد في تدعيم جنودها تسبب في خسائر كان من الممكن تحاشيها في معركة مستمرة منذ أكثر من عام.
وتبادل الجانبان السيطرة عدة مرات على أحياء في بيجي الواقعة على مسافة 190 كيلومتراً تقريباً إلى الشمال من بغداد.
وقالت السلطات العراقية في يوليو/ تموز إنها استعادت معظم المدينة لكن مقاتلي الدولة الإسلامية هاجموا أحياء وسط المدينة بعد عدة أيام ما دفع القوات المؤيدة للحكومة للتراجع.
لا يوجد دافع للبقاء
وردد آخرون مخاوف الشرطي. وقال فرد من القوات الخاصة عمره 33 عاماً يرابط في محافظة الأنبار الغربية التي تعد من معاقل التنظيم إنه لم يعد لديه أي دافع يدعوه للبقاء وانضم إلى 16 جندياً آخرين هربوا إلى شمال أوروبا في الشهر الماضي.
وأضاف "كنا نقاتل بينما الحكومة والأحزاب جعلت مهمتها كنز المال وأرسل المسؤولون أولادهم للإقامة في الخارج."
مشيراً إلى أن "ما دفعنا للرحيل كان رؤية رجالنا يصابون ويقتلون ويشوهون ولا أحد يهتم."
وقال فرد من القوات الخاصة في الرمادي إن الوحدة الخاصة وحدها شهدت فرار أكثر من 100 مقاتل إلى أوروبا في الأشهر الستة الأخيرة.
وقد غير كثير من الجنود الذين غادروا البلاد الصور الموجودة لهم على صفحاتهم الشخصية على فيسبوك وهم يرتدون الزي المموه ويقفون بجوار دبابات أو يحملون مدافع رشاشة إلى صور لهم وهم يركبون الدراجات أو يسترخون في حدائق النمسا أو ألمانيا أو فنلندا.
جنود وهميون
يشكو العراقيون منذ فترة طويلة من الفساد وسوء الإدارة في الحكومة بل وفي القوات المسلحة. فقد توصل تحقيق رسمي العام الماضي إلى وجود 50 ألف جندي وهمي مسجلين في دفاتر الجيش.
وقال التقرير إن هؤلاء الجنود الوهميين كان لهم دور في انهيار الجيش في يونيو حزيران عام 2014 في مدينة الموصل الشمالية لأنهم على قوائم أجور الجيش لكنهم يدفعون لضباطهم نسبة من رواتبهم مقابل عدم أداء الخدمة في وحداتهم مما يثري قادتهم ويؤدي إلى تفريغ القوة العسكرية.
ومنذ ذلك الحين اعتمد العراق اعتماداً كبيراً على فصائل شيعية ومقاتلين متطوعين ضمن قوات الحشد الشعبي التي تديرها الحكومة.
شيعة فكروا في الهجرة
لكن حتى بعض أفراد الحشد الشعبي الذين دعاهم أكبر مرجع شيعي في البلاد لحمل السلاح بدأوا يتجهون للهجرة.
وقال مقاتل شيعي عمره 20 عاماً من محافظة ديالى الشرقية إن القوات المؤيدة للحكومة تتلقى دعماً غير كاف لمقاتلة تنظيم الدولة الإسلامية. وامتنع المقاتل عن تعريف نفسه أو الفصيل الذي ينتمي إليه.
وفي الآونة الأخيرة قام برحلة استغرقت شهراً إلى السويد للانضمام إلى 2 من أبناء عمومته كانا قبلُ من ضباط الشرطة العراقية.
المقاتل الشيعي أضاف "لا يمكنك أن تخوض حرباً أو تعيش في بلد فيه هذه الظروف… (الساسة) نهبوا البلد باسم الدين. العراق لم يعد بلدنا. نحن مجرد مستأجرين."
ولم يستطع أحمد الأسدي المتحدث باسم قوات الحشد الشعبي أن يقدم حصراً دقيقاً للمقاتلين الذين هاجروا لكنه قال إن الحكومة بحاجة لبذل المزيد لحمل الشبان العراقيين على البقاء.
لكن الجنود الواصلين إلى أوروبا يواجهون مستقبلاً مجهولاً. وقالت متحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إن من يتقرر أنهم مقاتلون سابقون لن يحصلوا على وضع اللاجئين.