شتان ما بين الحياة في ناطحات السحاب البراقة، ووسائل الراحة التي أتاحها القرن الحادي والعشرون في دبي، وبين التلال الرملية المقفرة في مأرب بوسط اليمن، التي تعد أحدث غنيمة استراتيجية في صراع إقليمي على النفوذ، تقف فيه دول الخليج العربية في جهة، وإيران في الجهة الأخرى.
غير أن سالم الذي يجوب الأرض الصحراوية، في سيارة رياضية تهتز مع ايقاع موسيقى الهيب هوب الأميركية، لا يشعر بأي ندم لانضمامه إلى غيره من آلاف الجنود الإماراتيين في واحدة من أفقر بقاع العالم العربي.
الإمبراطورية الفارسية
سالم قال لوكالة رويترز "أنا لا أعرف الكثير عن اليمن، لكن الشيخ محمد يعرف أكثر بكثير وعلينا أن نؤدي واجبنا"، في إشارة إلى حاكم دبي ورئيس وزراء الإمارات.
سالم الشاب الملتحي، الذي يرتدي غطاء رأس مموهًا، ونظارة شمسية فاخرة قال "أعرف أن اليمن بلد مهم ومجاور لبلادنا، ولا يمكننا تجاهل ما يحدث هنا أيا كان، فسينتشر إلى السعودية والإمارات، وإيران لن تتوقف حتى تنشر إمبراطوريتها الفارسية في كل مكان".
ويحارب جنود خليجيون مسلحون بأحدث الأسلحة الغربية بعزم، ما يرون أنه نفوذ إيران الآخذ في التوسع في حرب خربت اليمن في الأشهر الستة الأخيرة.
وقد أصبحت محافظة مأرب المنتجة للنفط، ساحة قتال رئيسية، بين ميليشيا الحوثي المتحالفة مع إيران، وائتلاف يضم قوات يمنية واماراتية وسعودية وبحرينية.
وتمثل مأرب البوابة إلى العاصمة اليمنية صنعاء على مسافة 120 كيلومترا إلى الغرب منها.
وكان المقاتلون الحوثيون استولوا على العاصمة في العام الماضي.
إحياء الشعور العربي
وفي ضوء صراعات مماثلة لها جذور طائفية تمزق دول عربية أخرى مثل العراق وسوريا، فإن مقاتلي دول الخليج العربية والمقاتلين اليمنيين يرون أن قضيتهم المشتركة في اليمن هي المساعدة في إحياء الشعور بالتضامن العربي.
الجندي اليمني عبد الواحد الشدادي الذي تلقى تدريبًا في الإمارات، يقول وهو يجلس على أرضية سيارة بيك أب تويوتا مع رفاقه والكل ممسك ببندقيته الكلاشنيكوف وأحزمة الطلقات تتدلى من فوق أكتافهم "هؤلاء ليسوا أغراب عنا، هؤلاء أشقاؤنا".
وأضاف "على مدى 6 أشهر، حاربنا وعانينا في مأرب، وتمسكنا ببضعة أحياء صغيرة، حتى جاءوا لمساعدتنا، ولأنهم يقاتلون في سبيل قضية عادلة فسيكتب الله لهم ولنا النصر وستعود محافظتنا لنا مرة أخرى في غضون أسبوعين".
ويريد التحالف العسكري إعادة الحكومة اليمنية التي أطاح بها الحوثيون في مارس/ آذار الماضي في تطور اعتبرته دول الخليج العربية علامة على النوايا التوسعية لإيران الشيعية.
وفي البداية اقتصر تدخل التحالف في اليمن على الغارات الجوية لكنه أصبح الآن يشمل حربًا برية، ورغم التفوق الكبير لقوة النيران الخليجية، فقد ثبت أن المهمة ليست سهلة.
وتسبب صاروخ أطلقه الحوثيون في مقتل أكثر من 60 جنديًا من القوات الخليجية المرابطة في مأرب في 4 من سبتمبر/ ايلول الجاري، من بينهم 52 جنديًا إماراتيًا، وهي أسوأ خسارة على الإطلاق، يمنى بها جيش الإمارات، الذي يعد من أكثر جيوش العالم العربي تقدمًا.
هذه الخسائر البشرية أدت إلى تعميق الإحساس بالمشاركة الشخصية في الحرب بين الجنود الخليجيين.
من دعم اليمنيين إلى الثأر
اللواء علي سيف الكعبي قائد القوات الإماراتية في المنطقة قال "لن ننسى دماءنا، فهي الآن مسألة شخصية للجنود (رغم أننا) جئنا لدعم اليمنيين".
وقال الكعبي إن حوالي 4000 جندي من بين 5000 جندي من الخليج يرابطون الآن في اليمن جاءوا من بلاده.
وتعقيباً عما إذا كانت الإمارات تجازف بالانزلاق إلى مستنقع في اليمن الذي لم تستطع جيوش عربية أن تقهره من قبل فقال بنبرة التحدي "لسنا بلداً صغيراً ولدينا خبرة عسكرية" واستعرض دور الإمارات في عمليات عسكرية دولية مثل أزمة الاجتياح العراقي للكويت في 1990-1991 ومهام حفظ السلام في الصومال وكوسوفو وأفغانستان.
ومع تقدم الهجوم البري بالدبابات والمدفعية الثقيلة غربًا عبر الجبال الوعرة صوب صنعاء، فمن المتوقع أن تشهد الحملة المزيد من الخسائر البشرية، وهو ما سيكون أمراً مؤلماً بصفة خاصة لدولة صغيرة مثل الإمارات.
ويدين الحوثيون التدخل العربي الخليجي بما انطوى عليه من مئات الغارات الجوية التي قتلت كثيرين من بين 4500 يمني سقطوا قتلى في الحرب حتى الآن ويقولون إنه أدى إلى جرائم ضد الإنسانية.
ويردد الحوثيون شعار "الموت لأمريكا الموت لإسرائيل" الذي يذكر بزعيم الثورة الايرانية الراحل آية الله الخميني، ويقولون إنهم يقودون انتفاضة شعبية على حكومة يمنية فاسدة ودول غربية مستعبدة للنفط العربي.
تهديد للجميع
رغم كل الأخطار، فالحماسة ملموسة بين الجنود في قاعدة صافر، وهي مجموعة من الهياكل سابقة التجهيز المبنية على عجل فيما بين التلال.
ولم تنل ضغوط القتال وهدير الطائرات الهليكوبتر من طراز أباتشي وتشينوك من جو المعسكر الصيفي.
ويشاهد شبان في العشرينات من أعمارهم، وهم يتجولون حول القاعدة، مرتدين ملابس تعكس في بعض الأحيان الطبيعة المزدوجة التي تجمع بين القديم والحديث في هذه الحرب – بين الزي اليمني التقليدي والزي العسكري المموه.
وخلفية هؤلاء الجنود الذين جاءوا من مجتمع ثري نسبيا وما يحملونه من أدوات تكنولوجية تميزهم عن المجندين اليمنيين القبليين وغيرهم من المقاتلين المحليين الذين دربوهم.
لكن بالنسبة لسلطان علي العرادة محافظ مأرب الذي يؤيد حكومة المنفى، تمثل الحملة العسكرية بقيادة خليجية لفتة تضامن نبيلة من جانب دول عربية أقوى وأغنى مع ابن عم أضعف يواجه مؤامرة تدعمها إيران لتدميره.
وقال العرادة "الأمة العربية رأت أن هذا الهجوم تهديد لها كلها، فسقوط اليمن في أيدي ميليشيا مصرة على الفوضى لا تؤمن بشيء سوى الموت مثلما يقول شعارهم 'الموت لأميركا، لماذا الموت؟ الناس تريد الحياة وانت تعطيهم الموت".
التكنولوجيا والعيون
ويقول القادة، في قاعدة صافر إن التحالف يجمع بين الخبرة المحلية وقوة النيران المستمدة من منجزات القرن الحادي والعشرين.
ونظر ضابط بحريني شاب إلى القوات اليمنية وابتسم مسلما بما يحويه هذا التحالف من غرابة.
وقال "نحن نعمل معًا على ما يرام وأعتقد أننا نكمل بعضنا بعضا، لدينا العضلات والتكنولوجيا ولديهم العيون."
وقال "أنا. أنا لا أستطيع التمييز بينهم" مشيرا إلى مجموعة من المقاتلين اليمنيين غير النظاميين وجوه بعضهم مغطاة بشال أو يمضون الوقت بمضغ القات كعادة أهل اليمن وبين القوات المعادية المستمدة أيضًا من كثير من القبائل اليمنية المسلحة".
وأضاف "لكنهم يعرفون الكل هنا، ويمكنهم التمييز بين الطيب والشرير وهذا يساعدنا في تحقيق النصر."