بعد 20 عاما من إقرار تعليمها بالمؤسسات التربوية الجزائرية، سجلت اللغة الأمازيغية حضورها في 21 ولاية خلال الدخول المدرسي الجديد، حيث كان تدريسها السنة الماضية مقتصرا على 11 ولاية فقط، من أصل 48 ولاية جزائرية.
غير أن تعليم الأمازيغية في الجزائر، يواجه مشاكل كثيرة، منها ما هو متعلق بكفاءة الأساتذة، وآفاق تدرسيها، وبالحرف الذي ستكتب به، حيث يدفع البعض باستعمال باعتماد حرف "تيفناغ" الأمازيغي، فيما يطالب آخرون باستعمال الحرف اللاتيني، بذريعة عالميته، أو الحرف العربي. كل هذا في وقت يتساءل فيه كثيرون ما إذا كانت ستصبح هذه اللغة يوما ما لغة علم ومعرفة.
و كانت نورية بن عبريط، وزيرة التعليم الجزائرية، قد أكدت في ندوة صحافية عقدت قبل شهرين بولاية تيزي وزو ذات الأغلبية الأمازيغية، أنها تعمل على تسريع تعميم تعلم اللغة في كل الجزائر، وذلك بتنسيق مع المحافظة العليا للأمازيغية، التابعة لرئاسة الجمهورية.
معاهد لتغطية احتياجات التأطير البيداغوجي
تتوفر الجزائر على 4 معاهد متخصصة في اللغة الأمازيغية تابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وتتوزع هذه المعاهد بين جامعات ولايات منطقة القبائل الكبرى، وهي "تيزي وزو" و"البويرة" و"بجاية"، بالاضافة إلى جامعة الحاج لخضر بولاية "باتنة" شرق البلاد، التي دشن معهدها سنة 2013.
تخرج هذه المعاهد سنويا المئات من حملة شهادتي البكالوريوس والماجستير في اللغة الأمازيغية، وقد أحصت المحافظة السامية للغة الأمازيغية التابعة لرئاسة الجمهورية،40 شخصا حاملا لشهادة الدكتوراه، وأزيد من 74 حاصلا على الماجستير في اللغة الأمازيغية، يراهن عليهم لتطوير تدريس هذه اللغة ، وتغطية احتياجات المؤسسات التربوية من الأساتذة والمؤطرين.
وفي هذا السياق، أكد المفتش التربوي إسماعيل مرزوق، في حديث لـ"هافيغنتون بوست عربي"، أن مشكل التأطير البيداغوجي، في المؤسسات التعليمية التي تدرس الأمازيغية غير مطروح.
رئيس جمعية أساتذة اللغة الأمازيغية بولاية تيزي وزو (100 كلم شرق العاصمة)، مهنا بودينة، أكد هو الآخرذلك لـ"عربي بوست"، قائلا "إن تعليم الأمازيغية، يتم في ظروف جد عادية لا تختلف على بقية المواد التعليمية الأخرى".
وكشف بودينة، أن أساتذة اللغة الأمازيغية يدرسون 18 ساعة في الأسبوع فقط، وهو أقل بـ6 ساعات من توقيت اللغتين العربية والفرنسية، المقدرة ب24 ساعة أسبوعيا، مفيدا أن أساتذة التعليم الابتدائي "يضطرون للتدريس بمؤسستين تعليميتين، لاستكمال عدد الساعات المطلوب منهم".
كفاءة الأساتذة
يؤكد اسماعيل مرزوق أن ملفات المترشحين لاجتياز امتحان تدريس اللغة " لا تقبل إلا إذا كان أصحابها من حملة الشهادات الجامعية العليا، والتي يجب أن تكون من نفس التخصص".
ومع ذلك، لا ينفي مرزوق نقص الخبرة والكفاءة المهنية لدى أساتذة الأمازيغية، ومن أجل تجاوز ذلك "يخضع كل الناجحين في الامتحانات إلى دورات تكوينية مكثفة لمدة 15 يوما، مثلما حصل قبل الدخول المدرسي لهذه السنة".
وبشأن المنهاج التعليمي للأمازيغية، أوضح رئيس جمعية أستاذة اللغة الأمازيغية بولاية تيزي وزو أنه " أصبح لدينا منذ سنة 2002، كتاب مدرسي خاص بكل سنة، عكس ما كان عليه الحل بين 1995 و2002، حيث درس الأستاذة بطريقتهم وأسلوبهم الخاص".
وكشف اسماعيل مرزوق أن عدد أساتذة الأمازيغية بولاية البويرة (شمال)، يقدر ب200 فرد، فيما يصل إلى 1500 بولاية تيزي وزو وأكثر من 800 ببجاية، لافتا "إلى ضرورة توفير الظروف الملائمة لتنقل أساتذة من هذه الولايات الثلاث لتدريس الأمازيغية بولايات أخرى".
غاية وآفاق تدريس الأمازيغية
يعتبر الباحث في علوم اللغة حسين ولهة، أن الغرض من تعليم الأمازيغية هو "ربط الشعب الجزائري، بهويته وتاريخه لتعزيز الوحدة الوطنية بشكل أكبر".
ويقلل ذات المتحدث من احتمال أن تصبح الأمازيغية على غرار اللغات الأخرى، لغة للعلم والمعرفة، بالقول "إن ذلك منال بعيد"، ساردا عدد من الاعتبارات منها أن "التاريخ لم يثبت أنها عبرت عن علم ولم يوجد أن عالم أو باحثا أو فيلسوفا أسس لنظريات بهذه اللغة"، حسب تعبيره، مضيفا "أنها لغة شفاهية ضوابطها ضعيفة من حيث النحو والصرف".
غير أن المفتش التربوي اسماعيل مرزوق، يرى أن "الطموح المشروع لتدريس الأمازيغية، هو أن تتحول من لغة تعلم إلى لغة تعليم لمختلف العلوم"، موضحا " أن اللغات ليس هي من تخترع وتبدع وإنما الأشخاص، وبالتالي فإننا نطمح إلى تخريج وتكوين جيل جزائري قادر على الإبداع بلغته الأم"، معتبرا أنه "لا يوجد هناك مانع في تدريس الطب، الفيزياء والكيمياء والآداب باللغة الأمازيغية".
وأكد مرزوق أن "القاعدة تفيد باستحالة فصل الثقافة على اللغة"، لذلك تسعى وزارة التعليم الجزائرية، إلى ترقية الأمازيغية وتطويرها وتعمميها على المديين المتوسط والبعيد لتشمل 48 ولاية.
ونادى رئيس جمعية أساتذة تدريس الأمازيغية بإقحام مادة الأمازيغية، في امتحانات الشهادات النهائية للتعليم الابتدائي والثانوي، قائلا "إن من يعتقدون بغياب آفاق تدريس هذه اللغة الأم مخطئون، ويكفي الرد عليهم بأن تيزي وزو تحتل منذ سنوات المرتبة الأولى وطنيا في نسبة النجاح لشهادات البكالوريا والإعدادي".
بأي حرف ستكتب الأمازيغية؟
منذ إقرار تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الجزائرية، سنة 1995، عمدت وزارة التعليم الجزائرية، إلى طباعة الكتاب المدرسي، بالحروف اللاتينية، وليس بحرف "تيفيناغ" الخاص بالأمازيغية.
هذا الخيار، انتقده الباحث في علم اللغة، ولهة حسين، مفيدا بأن "الأمازيغية لغة سامية، لأنها تفرعت عن اللغة العربية، سنة 400 قبل الميلاد، بينما اللاتينية ليست سامية، ولا يمكن للحرف اللاتيني أن يكون صورة للحرف الأمازيغي".
ودعا ذات الباحث إلى وضع الأسس اللازمة للانتقال إلى كتابتها بخطها الأصلي، (التيفناغ) وتجاوز الاختلاف القائم حول كتابتها من اليمين إلى اليسار أو العكس، أو أفقيا أو عموديا"، مشيرا إلى "ضرورة عدم تدريسها كلهجة قبائلية، شاوية، تارقية، مزابية وشلحية، في الولايات وإنما تدريس لغة أمازيغية موحدة".
أما المفتش التربوي إسماعيل مرزوق فيعتبر أن اعتماد الحرف اللاتيني، سيسمح للأمازيغية بالانتشار أكثر، ويسهل على أصحاب اللغات والثقافات الأخرى مهمة تعلمها، معتبرا أن اللهجات المختلفة "مصدر ثراء هذه اللغة".