تعثر الحوار الدائر منذ أشهر بين المعارضة والحكومة الموريتانية بسبب الإخفاق في الوصول إلى تفاهم حول رحيل الرئيس.
المعارضة من جانبها تصر على رحيل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ضمن جملة من الشروط المبدئية للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحكومة، في وقت تتمسك فيه الأخيرة بضرورة إطلاق حوار وطني دون شروط مسبقة.
جذور الأزمة
وتعيش البلاد في أتون أزمة سياسية متفاقمة منذ العام 2009 على خلفية الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز وأطاح بالرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبد الله.
رفض تحالف الأحزاب السياسية وقتها الاعتراف بالنظام الجديد لتدخل البلاد أزمة سياسية استمرت عدة أشهر قبل أن يتوصل الأطراف لاتفاق سياسي برعاية دولية، قضى باستقالة الجنرال محمد ولد عبد العزيز وتشكيل حكومة وحدة وطنية.
ورغم اعتراف المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية، التي أشرفت عليها حكومة الوحدة الوطنية، فقد احتج عدد من أحزابها على ما اعتبره "عدم التزام الرئيس محمد ولد عبد العزيز ببعض بنود الاتفاق.
ما أدى إلى استمرار القطيعة السياسية وعمّق حالة انعدام الثقة بين الطرفين، لتعود الأزمة السياسية من جديد، إثر مقاطعة المعارضة للانتخابات الرئاسية الأخيرة التي فاز فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز بولاية جديدة في يوليو من العام الماضي.
الرئيس الموريتاني دعا معارضيه للجلوس إلى طاولة الحوار معلنا استعداده للتفاوض حول كافة القضايا، وكلّف ولد عبد العزيز رئيس الوزراء مولاي ولد محمد لغظف بالتفاوض مع المعارضة تحضيرا لحوار سياسي مرتقب.
المعارضة تقاطع
غير أن أحزاب منتدى المعارضة الموريتانية قاطعت الجلسات التمهيدية للحوار، التي انطلقت الاثنين 07 سبتمبر/ أيلول الجاري، في العاصمة نواكشوط، بعد رفض الأغلبية لشرط تنحي الرئيس، وسط اتهامات متبادلة بين الجهتين حول المسؤولية عن إعاقة المسار السياسي في البلاد.
إطلاق الحوار التمهيدي، رغم استمرار الخلافات، عرقل المفاوضات غير الرسمية بين الفريقين، وشكل مفاجأة لمنتدى المعارضة، والذي وصف رئيسه انعقاد الجلسات التحضيرية بـ"المناورة المفاجئة التي تهدف إلى وأد المسار التفاوضي الذي بدأته المعارضة والأغلبية منذ عدة أشهر".
رئيس المنتدى استغرب في رده على المبعوث الرئاسي المكلف بملف الحوار "دعوة الحكومة للمنتدى إلى مسار تفاوضي جديد دون أي إشعار مسبق" معتبرا أن الحكومة وحدها من يقرر ويعرف أهداف هذا المسار".
محفوظ ولد بتاح، القيادي في منتدى المعارضة، نفى ما تردد عن نية شخصيات من المعارضة المشاركة في هذه الجلسات.
وفي نفس السياق حذّر حزب تكتل القوى الديمقراطية بشدة أعضاءه عن المشاركة في جلسات التشاور، واعتبر الحزب في بيان صحفي أن "أي عضو من التكتل يحضر وقائع هذه المهزلة لا يمثل إلا نفسه، وسيعتبر تلقائيا مستقيلا من الحزب"، سوى أن هذا التحذير لم يمنع أعضاء بارزين في الهيئة القيادية للحزب من المشاركة ضمن كتلة سياسية بقيادة السفير السابق بلال ولد ورزك، وفيدرالي الحزب محمد ولد غدور والبرلمانية السابقة أماها بنت سمت.
تشكيكات ورهانات
ورغم هذه التأكيدات، تشكك المعارضة الموريتانية في "جدية" الرئيس محمد ولد عبد العزيز في إطلاق حوار سياسي بناء، وتؤكد مقاطعتها رسميا للمشاورات، حيث شدد الأمين التنفيذي للمنتدى المعارض محمد ولد خليل أن "جميع أحزاب المنتدى تقاطع بشكل تام أي نقاشات أو مباحثات ممهدة لحوار مع النظام الموريتاني."
قرار الرئيس محمد ولد عبد العزيز المضي قدما في إطلاق الحوار السياسي رغم مقاطعة الأحزاب الرئيسية في المعارضة يستبطن المراهنة على مشاركة نقابات عمالية وشخصيات سياسية مستقلة وأحزاب من كتلة تحالف المعاهدة من أجل الديمقراطية والوحدة، كحزب الوئام الديمقراطي وحزب الصواب، إضافة لجناح سياسي من حزب الحراك الشبابي، وحزب المستقبل، وحزب "تمام" إلى جانب قيادات سياسية انسحبت مؤخرا من منتدى المعارضة بعد رفضه المشاركة في الحوار.
آراء في الحوار
ويرى مراقبون سياسيون أن الهدف الأساسي من الخطوة الجديدة للرئيس يتلخص في "تأجيج الخلاف الداخلي بين أحزاب المعارضة"، والتي ظهر انقسامها إزاء المشاركة في الحوار الذي يسعى الرئيس من خلاله إلى إيجاد آلية للترشح لمأمورية ثالثة يحظرها الدستور الحالي، فيما تقول المعارضة إنها ترفض منح أي شرعية سياسية لهذه الخطوة التي ترمي، في نظرها، إلى استئثار ولد عبد العزيز بالحكم لسنوات مقبلة.
واعتبر بيجل ولد حميد، رئيس كتلة المعاهدة من أجل التناوب السلمي أن الحوار هو "الطريق الوحيد للخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد" وطالب ولد حميد بتأجيل الجلسات إلى حين استجابة الأطراف المقاطعة.
وعلى حسابه في الفيسبوك انتقد الناشط السياسي الشاب، المكلف بمهمة في رئاسة الجمهورية جعفر محمود مقاطعة المعارضة للجلسات التشاورية قائلا: "سيشهد التاريخ ومعه الأجيال أن اليد الممدودة بالحوار هي يد النظام، وأن الرافضين لهذه اليد والرافضين للحوار هم نخب المعارضة الديمقراطية."
في مقابل ذلك رأى الناشط المعارض المدون سيدي مولود أن "النظام لجأ إلى (المعارضات) المعتزلة والمنسحبة والمغاضبة والمحاورة ولم ينجح (مع ذلك) في إخراج مقبول ولا مقنع"، فيما رأت القيادية في حزب التكتل المعارضة منى الدي أن "النظام اضطر، تحت ضغط ممانعة الطيف السياسي المعارض، إلى تحويل الحوار إلى مشاورات موسعة، وكأنه يوسع مشاوراته لتضم تعساء اشتراهم بالمال العام.."