عندما يضعك حدّ سيف تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أمام أحد الخيارين: حياتك أو "جزية" من الذهب لكونك تعتنق الديانة المسيحية، سيكون خيارك دون تردد دفع ما تملكه مقابل بقائك على قيد الحياة!
وهذا ما قام به مسيحيو بلدة "القريتين" بريف حمص الجنوبي الشرقي التي سيطر عليها داعش مطلع أغسطس/آب 2015، فالرعب من "الرايات السوداء" كان سبباً في أن يجمعوا ما يملكون من ذهب علّه يحميهم من التنظيم ولكن كثيرين رفضوا الحديث عن ذلك خوفاً من أن تصل تصريحاتهم لعناصره ويتعرضوا للموت!
المصدر الذي وافق على الحديث لـ"عربي بوست"، رفض ذكر اسمه وحرص أن تكون كلماته شفهية في بلدة لا يصلها الكهرباء ولا الماء، واضطر فيها لدفع قرابة 7 غرام ذهب للتنظيم.
وعن ذلك يقول "إن الذهب الذي قدمته كان أولاً لأنني مسيحي وثانياً للحفاظ على حياتي، كثيرون غيري قاموا بهذه الخطوة أيضا، دفعنا ما نملك للحصول على الأمان منهم".
4 دنانير ذهبية
دفع الجزية أو اعتناق الإسلام أو مغادرة المدينة؛ هي الخيارات التي قدمتها داعش للمسيحيين في "القريتين"، وانتهى الأمر بالاتفاق مع رجال دين مسيحيين بدفع مبلغ من المال "4 دنانير من الذهب"، في المقابل أصدر التنظيم عقداً أطلق عليه "عقد الذمة" الذي يعطي المسيحيين الأمان.
لكن المصدر نفسه أوضح أنّ "هدف كل المسيحين في القريتين هنا الخروج من المدينة لأن المال والذهب لا يكفلان البقاء على قيد الحياة في ظل داعش" على حد قوله.
وأضاف "على الرغم أن الخيار الأخير المذكور في العقد هو إمكانية مغادرة المدينة إلا أنه حبر على ورق فهي لن تسمح لنا بالرحيل وخاصة الرجال منا".
دورة تعريفية بالإٍسلام
لم يكن من السهل الوصول إلى مصادر من الكنيسة للوقوف على رأيها وذلك خشية قيام داعش برد فعل تجاهها، وخاصة بعد خطف 60 عائلة مسيحية تضم نحو 260 فرداً، قامت سابقاً عناصر من داعش باحتجازهم واقتيادهم إلى الرقة.
الناشط خالد القرواني، يقول إن "العائلات المسيحية خضعت في الرقة لدورة تعريفية من عناصر داعش حول كيفية التعامل مع المسلمين والحقوق والواجبات المفروضة عليهم كمسيحيين استمرت 7 أيام".
وأضاف القرواني "أنه "ما إن دخلت عناصر التنظيم المدينة حتى قامت بخطف عدد كبير من الأهالي من الديانتين المسيحية والإسلامية، منهم ما يزال قيد الاعتقال والتحقيق".
ومن جهته أكد مصدر من الكنيسة رفض ذكر اسمه أنه "تم فقط الإفراج عن المسيحيين المحتجزين ممن خضعوا للدورة التعريفية وهم الآن في البلدة، ولكن التنظيم يمنعهم من الخروج والتوجه إلى مناطق سيطرة النظام السوري"، وأضاف أن من ضمنهم الأب جاك مراد رئيس دير مار الذي كان مخطوفاً منذ 22 مايو/ آيار 2015.
"قليلون من استطاعوا الهروب من البلدة قبل دخول عناصر التنظيم إليها، مسيحيون أو مسلمون كلهم معرضون للخطر".
هذا ما قاله الأب عبد الله السطاح، الذي أرسل رسالة لأهالي قريته الذين أعلنوا ولاءهم للتنظيم قائلا "لماذا تحتجزون إخوتنا وأبناءنا وأهالينا وتقدمونهم ﻷمراء داعش، أملي وإيماني بكم أن تطلقوا سراح من تحتجزونهم في أقرب وقت".
عقد ذمة داعش
عقد الذمة الذي نشره التنظيم على الشبكات الاجتماعية تضمّن بنوداً كثيرة من المحظورات على المسيحيين في القريتين، منها إخفاء ما يشير إلى ديانتهم من صليب أو كتب مقدسة ومنع أجراس كنائسهم، وعدم إظهار أي شيء من طقوس عبادتهم، وإلا "يحلّ للدولة الإسلامية منهم ما يحل من أهل الحرب والمعاندة".
كما ينص عقد ذمة التنظيم على وجوب دفع جزية على كل ذكر بالغ مقدارها 4 دنانير ذهبية أي ما يعادل 4.25 غراماً من الذهب، وتتراوح هذه القيمة حسب وضع الشخص المادي، إلى جانب آليه الدفع التي قد تكون على دفعتين في العام الواحد.