مصائب قوم عند قوم فوائد، مقولة تنطبق على واقع الحال في العاصمة اللبنانية بيروت، حيث تجتاح النفايات المنزلية معظم الشوارع منذ أكثر من شهر وسط عجز حكومي أمام إيجاد حل لهذه المشكلة والتي باتت مصدر رزق للبعض لكسب الأموال من خلال رش المبيدات القاتلة للحشرات والقوارض في المنازل والمؤسسات التجارية والمطاعم والمقاهي، فضلاً عن ارتفاع الطلب بشكل كبير على الكمامات وعلى شراء المواد المعطرة للقضاء على الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات.
فالأزمة الطارئة على سكان العاصمة والذين كان أقرانهم في بقية المحافظات اللبنانية يتهمون الحكومة اللبنانية بأنها تعاملهم على أنهم "أولاد الست، وباقي المواطنين أبناء الجارية"، نظراً لتركيز الدولة بكافة مؤسساتها الخدماتية على العاصمة على عكس بقية المدن التي كانت تعاني الحرمان والإهمال، باتوا مؤخراً مصدر شفقة للبعض، إلا أن ذلك لم يخفف من حجم معاناتهم اليومية مع أكوام النفايات المنتشرة في شوارع العاصمة.
20 دولار أمريكي وأكثر!
واقع النفايات الذي تعيشه العاصمة فرض عليها عودة مظاهر كانت اختفت في الآونة الأخيرة، ومنها ظاهرة رش المبيدات، والتي يعمل فيها شبان وجدوا من هذه الأزمة فرصة لتأمين دخل مالي مقبول، ومنهم من حقق مكاسب كبيرة بسبب الإقبال الكبير عليها.
وبدأ الطلب على شركات رش المبيدات القديمة وتلك التي استحدثت مؤخراً يزداد بشكل كبير، حيث ينتشر في شوارع العاصمة شبان حاملين على ظهورهم "قارورات" فيها مواد سامة قاتلة للحشرات والبعوض والقوارض، ومنهم من يحمل إلى جانب ذلك حقيبة تضم معطرات للأجواء أو كمامات.
ويقول محمد خليل وهو شريك في تأسيس إحدى تلك الشركات الصغيرة والتي تضم 15 شاباً، "نحن معظمنا طلاب جامعات، ومنا من يعمل في الصيف لتأمين المال قبل بدء موسم التعليم، ومع بدء أزمة النفايات وتراكمها في الشوارع بدأنا نعاني مثل غيرنا من انتشار البعوض والقوارض والحشرات، وتوجهنا مراراً إلى شركات مختصة لكي تقوم برش منازلنا، وكان الحصول على موعد أمراً صعباً، بسبب الضغط الكثيف من المواطنين الراغبين في رش منازلهم أو مطاعمهم ومتاجرهم".
وأضاف لـ "عربي بوست" بقوله "بداية اقترح أحد اصدقائي بأن نقوم بشراء قارورة للسم ورش منازلنا، وخلال قيامنا برش منازلنا تباعاً، فوجئنا بطلب الجيران لرش منازلهم، وهنا بدأت الفكرة بتأسيس تلك الشركة الصغيرة، حيث قمنا بشراء 15 قارورة تم توزيعها بين بعضنا والعمل في الأحياء التي نقطن فيها وفي محيطها".
يتقاضى خليل وأصدقاؤه نحو 20 دولار أميركي على عملية الرش الواحدة، ولكن هذا المبلغ يختلف باختلاف المساحة والمكان والزبائن، ولكنهم في نهاية الأمر "أقل تكلفة من غيرهم" على حد قوله.
مئة حساب لبقايا الطعام!
لكن سعي البعض لتحقيق مكاسب مالية أو تأمين فرص عمل، بات ينعكس سلباً على سكان العاصمة والذين يتكبدون مصاريف مالية إضافية، كما تقول سامية الجمل وهي ربة منزل "أنا أدفع أموال لرش المبيدات ولشراء العطورات لإزالة الروائح المنبعثة من النفايات في الشارع، فضلاً عن كمامات لأولادي عندما يتوجهون للعب في الشارع، وكل هذا بسبب تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها وعدم تحمل مسؤولياتها وتركنا رهينة للتجار للتحكم فينا والاستبداد ببيعنا تلك المستخدمات".
ولكن هناك من اختار ترك بيروت والتوجه إلى قراهم بانتظار انتهاء هذه الأزمة، بينما يعاني من بقي منهم من مشاكل كبيرة في كيفية التأقلم مع هذا الواقع الجديد، خصوصاً عندما يتم إحراق نفايات في الشوارع التي يقيمون فيها.
وتقول مريم العبد (55 عاما) لـ "عربي بوست" إن "العيش بين أكوام النفايات هو وضع صحي وبيئي سيء، وهو ما بات يجعلنا نقرف من كل شيء، حتى من تناول الأطعمة، والتي في نهاية سيلقى بقاياها في أكوام النفايات وستفوح رائحتها العفنة علينا".
وتضيف "اليوم بتنا نعمل ألف حساب قبل رمي أي شيء في النفايات لأنه سيعود علينا بالضرر، وهناك منا من يقوم بفرز نفاياته، حيث يتم رمي النفايات الصلبة في مناطق خاصة الموجودة في الأحياء، وبقايا الأطعمة يتم نقلها إلى أماكن بعيدة ورميها في مستوعبات أو أي مكان خارج المدينة".
من جهتها توضح سامية توفيق من سكان بيروت لـ " عربي بوست" أن "كل شيء عندنا أصبح محسوب، فسابقاً لم نكن نهتم لدعوات الجمعيات بضرورة فرز النفايات أو إحكام إغلاق أكياس النفايات، لأن العمال كانوا يجمعونها يومياً ولا نشعر في وجودها في الشارع، أما اليوم فإن هذه النفايات أمامنا، وأنا شخصياً، قررت أن أبدأ بفرز النفايات، وليس فقط لتجاوز هذه الأزمة وإنما للمستقبل لأنها طريقة سليمة".