الحالة الأمنية في عاصمة اليمن المؤقتة عدن لا تبدو مُطمئِنة رغم خروج الحوثيين منها وتوقف الحرب، فالقلق عاد إلى سكانها تزامنا مع عمليات اغتيال عسكريين وقيادات مجتمعية بارزة كان لها دور في حسم المعركة واستعادة المدينة في منتصف يوليو/ تموز 2015 بعد حرب دامت نحو 4 أشهر.
أيضا، مَثّلت المحاولة الفاشلة لاغتيال محافظ عدن نايف البكري، وانتشار المسلحين بزيهم الشعبي في سواحل وشوارع عدن، المدينة الأكثر سلمية في اليمن، صدمة لسكانها الذين لم يألفوا مشاهدة الـ"بازوكة" والكلاشنكوف إلا في يد الجنود الرسميين الذين يرتدون الزي العسكري. ورافق فوضى حرية حمل السلاح والتجوال به، نهب ممتلكات عامة وخاصة.
مستنقع السلاح
عدن مرت بمراحل متعاقبة من الهشاشة وانتشار السلاح بين المدنيين، فحين انطلاق "الثورة" المطالبة برحيل نظام الرئيس اليمني في 2011، شَرع علي عبدالله صالح عبر مسؤولين مقربين منه في توزيع آلاف القطع من الأسلحة بين العدنيين، بحسب ما يرويه خصومه في المدينة.
من هنا بدأت مرحلة الـ"لا أمن" في بلد تسمح قوانينه بحيازة الأسلحة النارية، ويغرق أهله بملايين قطع السلاح، بمعدل 3 قطع من السلاح لكل فرد، وفقا لتقرير أوردته الداخلية اليمنية قبيل الحرب الأخيرة.
وحين بات الحوثيون والقوات العسكرية الموالية لصالح على أعتاب المدينة أواخر مارس/ آذار الماضي، تعرّضت معسكرات الجيش في عدن ومحيطها لأشهر عملية نهب وسلب للأسلحة والذخائر، بعد أن انسحبت القوات العسكرية التي تولت حمايتها، وخروج المعسكرات الأخرى عن سيطرة الدولة بإعلانها التمرد عليها.
ولجأ الكثير من الأهالي للدفاع عن المدينة بسلاح الدولة، فيما شقّ الآخرون طريقهم نحو المتاجرة به، لتشهد عدن أول سوق علنية للسلاح في تاريخها.
مخاوف العودة
ورغم أن آلاف النازحين عادوا إلى بيوتهم، إلا أن كثيرين آخرين، فضلوا التريث ومراقبة الأوضاع، تحسبا لانزلاق المدينة إلى مواجهات بين القِوى المنتصرة.
أكرم علي شيخ يقول إنه عاد إلى عدن ليتفقد منزله الذي تعرض لعملية نهب في أحد أحياء مدينة "خور مكسر" التابعة لعدن.
ورغم سلامة المنزل وإمكانية العيش فيه، إلا أنه اختار البقاء نازحاً إلى أن يحين الموعد المناسب برأيه.
شيخ أضاف في حديثه لـ"عربي بوست" أن الوضع الأمني يمثل السبب الأساسي لعدم عودة عائلته إلى عدن قائلا إن "لا جهات أمنية مسؤولة تضطلع بدورها وأصبح وجود الدولة والقانون منعدم".
ودعا المؤيدين للرئيس هادي إلى تشكيل لجان أمنية تُعيد لـ"أهالي المدينة فرحة الانتصار التي سلبتها الخروقات الأمنية المتعددة" والتي وصلت حد تنفيذ عمليات إعدام لأشخاص بتهمة "التعاون مع الحوثيين وقوات الرئيس صالح" دون أي صفة قانونية، هذا فضلا تزايد بروز متعاظم لتنظيم القاعدة.
ومع عدم وجود الجهة الرادعة للمتجاوزين، يشكو عمال في مؤسسات خدمية حكومية من اعتداءات يمارسها مسلحون ضدهم، تعيق عملهم الرامي لإعادة التيار الكهربائي، لأن المسلحين يرغبون في إنارة منازلهم أولا.
جهود خجولة
إزاء كل ذلك، تحاول اللجنة الأمنية العليا لمحافظة عدن، استعادة الاستتباب الأمني. غير أن ذلك لم يكن مجديا أمام حالة من الشلل أصابت معظم أقسام الشرطة، فاكتفت بإصدار قرار يحظر تجوال الدراجات النارية واستيرادها، نظرا لإسهامها في تسهيل عمليات الاغتيال، كما أعدت خطة أمنية لتأمين المدينة التي تنتظر عودة الحكومة إليها قادمة من العاصمة السعودية الرياض بعد إعلانها عاصمة مؤقتة لليمن.
وقال محافظ عدن ورئيس اللجنة الأمنية، نائف البكري، إن أمن واستقرار عدن ليس المسؤول عنه المحافظ والسلطة المحلية فقط، بل هي مسؤولية الجميع، المواطن والجندي.
المحافظ أوضح في بيان رسمي أن الخدمات التي بدأت تعود تدريجيا وإعمار المدينة المتضررة من الحرب لن يكون إلا "في حال استتباب أمن واستقرار عدن".
!
استيعاب ولكن
الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي كان أصدر قرارا يقضى باستيعاب مقاتلي المقاومة المناهضة للحوثيين وقوات صالح ضمن القوات المسلحة والأمن، وهو ما لا يراه المتحدث الرسمي باسم القوات الموالية لهادي بعدن، علي الأحمدي، ممكنا إلا في ظل عودة الدولة وبسط نفوذها.
وفي غضون ذلك تزداد وتيرة الأصوات المطالبة بانفصال جنوب اليمن عن شماله، في التصاعد بين الموالين لهادي بشكل تدريجي.
الأحمدي قال في حديث لـ"عربي بوست" إن المقاومة باشرت تأمين مناطق عدن المحررة من خلال نشر أفرادها لحماية المنشآت والمرافق العامة والأحياء السكنية، وفتحت عددا من أقسام الشرطة، وتم تعزيزها بأفراد من المقاومة، لتقوم الشرطة بدورها إلى أن تأتي الدولة لتنفيذ خطة التأهيل وتجهيز المؤسسات العسكرية والأمنية.