بفارغ الصبر، وبشغف صبياني ينتظر الطّفل المصاب بالسرطان محمد الغوث أمنيته التي طلب تحقيقها قبل أسبوع وهي قميص وحذاء رياضيين وكرة قدم. غير أن أعضاء مبادرة "أسعد تسعد" الخيرية يخبؤون له مفاجأة أكبر، فقد طلبوا من نجم منتخب موريتانيا الوطني بسّام خليل أن يتولى شخصياً تسليم الأمنية إلى محمد ويوقّع له على قميصه.
المفاجأة لا تنتظر الطفل محمد وحده، بل هناك عشرات الأطفال المرضى في موريتانيا الذين يحصلون على هدايا يومية سارّة وطريفة من هذه المبادرة التي تحولت من فكرة على فيسبوك إلى أمل وسرور يملأ قلوب الأطفال في مستشفى السرطان الوحيد في البلاد.
تنطلق فكرة المبادرة من ضرورة الترفيه عن الأطفال المصابين بالسرطان ومساعدتهم على تحمّل أوجاع المرض باللعب والمرح، وقد بدأت نشاطاتها في 24 أبريل/نيسان 2015، ومنذ ذلك التاريخ تزينت غرف حجز الأطفال بمستشفى السرطان بالبالونات والرسوم الملونة والزخارف وامتلأت بالهدايا من ألعاب وألبسة ودفاتر وأدوات تلوين وقصص أطفال، فضلاً عن المعجون والفرشاة والأقنعة التنكرية المزيّنة، لتتحوّل أجواء المستشفى الحزينة إلى رياض أطفال تضجّ بالفرح والحياة بفضل الأفكار الإبداعية والخلّاقة التي يبتكرها نشطاء هذه المبادرة.
دفتر الأمنيات
"تموت الفكرة عندما لا تجد من يتبناها" بهذه العبارة يفتتح القائمون على المبادرة "دفتر الأمنيات" الذي يشكل جوهر "أسعد تسعد" بطريقته الإبداعية في توفير الدعم النفسي للأطفال المرضى، فهذا الدفتر هو بمثابة محاكاة لمصباح علاء الدين السحري المعروف في قصص الأطفال.
وتوضح منى محمد المسؤولة الإعلامية للمبادرة في حديثها لـ "عربي بوست"، أنّ الهدف من دفتر الأمنيات هو إدخال البهجة والسرور على قلوب الأطفال المرضى، إذ "أننا نتحدث معهم أولاً عن المصباح السحري، ومن ثم نخبرهم أنّ هذا المصباح بالفعل موجود بين أياديهم ويمكنهم أن يطلبوا أي شيء، وبعد أن يعبّر كل طفل عن أمنيته نقوم بتدوينها في دفتر الأمنيات مع اسم الطفل وعمره وعنوانه وموعد زيارته القادمة للمستشفى".
وتواصل منى قائلةً، "ونحن بدورنا نعلن هذه الأمنيات على صفحتنا في فيسبوك، حيث يمكن للمتبرعين تبني أمنية أو المشاركة في تحقيقها ويشارك كل شخص في تسليم الأمنية التي تبناها، كما نحرص على حضور فرق مسرحية أو شخصيات فنية أو إعلامية مشهورة لإضفاء جو من المرح والتشويق عند تسليم الأمنيات."
بدأت فكرة الدفتر عندما طلب الطفل محمد (14 عاماً) الحصول لعبة بلاي ستيشن وتحققت أمنيته بعد 14 يوماً، فقرر القائمون على المبادرة إضافة 50 أمنية إلى الدفتر.
وعن ذلك قالت الناشطة وردة محمد، "كان حلماً صعباً، تحقق من حيث لا ندري، حتى الآن اجتزنا منتصف المسافة بتحقيق 30 أمنية والأهم أن الفكرة بدأت تنتشر سريعاً وأصبح الناس يبذلون الوقت والجهد من أجل تحقيق أحلام هؤلاء الصغار".
شكراً فيسبوك
تتخذ المبادرة التي بدأت في أبريل/نيسان 2015 من موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وسيلةً للتواصل مع الجمهور من المتبرعين والراغبين في المشاركة في الفعاليات، وكذلك للإعلان عن النشاطات وحملات التبرع بالدم وبناء جسر تواصل يربط الأطفال المرضى بالعالم الخارجي عن طريق نقل آمالهم وأمانيهم وقصصهم إلى الجمهور الذي يتفاعل معها بتعاطف كبير.
وتتوفر الجمعية على مكاتب في جميع أحياء العاصمة نواكشوط، يستلم القائمون عليها التبرعات النقدية والهدايا والألبسة والألعاب من المتبرعين في منازلهم أو أماكن عملهم أو أي مكان يناسبهم دون أن يضطر المتبرع إلى التنقل إلى مقر الجمعية أو المستشفى، ما يجعل عملية التبرع سهلة وفعّالة.
تجاوب على أعلى مستوى
يؤكد القائمون على مبادرة "أسعد تسعد" لـ "عربي بوست" أن إدارة المستشفى تتعاون وتتفاعل معهم على أحسن وجه وأعلى المستويات، حيث ينتظمون جميع نشاطاتهم بالتنسيق الكامل مع المستشفى الذي يبدي طاقمه الطبي حرصاً كبيراً على تسهيل عمل المتطوعين ويعمل على إطلاعهم على أوضاع المرضى واحتياجاتهم المختلفة، لتتمكن الجمعية من توفيرها بالتعاون مع المتبرعين والمتطوعين، كما يخصص المستشفى قاعة لنشاطات الجمعية وفعالياتها.
ويربط المسؤولون عن المبادرة نجاح جهودهم بتواصل الدعم والتجاوب من طرف الجمهور والطواقم الطبية وأسر الأطفال، أكدت المتحدثة باسم المبادرة عن حاجتهم الماسة ورغبتهم العميقة في التواصل والتعاون مع كافة الجمعيات العاملة في مجال مساعدة مرضى السرطان الأطفال في الدول العربية والعالم من أجل تعميق خبراتهم وتعزيز مهاراتهم في هذا المجال.
الأمل يكبر
وفي الوقت الحالي تعمل مبادرة "أسعد تسعد" على تجهيز قسم خاص بالأطفال في مستشفى السرطان، حيث لا يتوفر حتى الآن سوى قسم واحد يجمع الكبار والصغار في نفس المكان، وعلاوةً على الأنشطة الترفيهية تسعى المبادرة إلى توعية الأطفال وتثقيفهم حول التعايش مع المرض، وكذلك سدّ الفراغ التعليمي الناتج عن تغيبهم عن المدراس من خلال تنظيم حصص تعليمية داخل المستشفى.
ومع أن المبادرة تركز على تقديم الدعم النفسي للمرضى الأطفال والترفيه عنهم، فإنها لا تغفل بقية المرضي من البالغين أو كبار السن، حيث تخصص جزءاً من التبرعات المالية لمن لا يستطيعون تغطية تكاليف العلاج، ويتكفل المستشفى بـ 50% من مصاريف العلاج في الحالات العادية، بينما يقدم علاجاً مجانياً للحالات الخطيرة.
وتساهم المبادرة في توفير النقل المجاني للمرضى من منازلهم إلى المستشفى في ظل صعوبة وغلاء مصاريف النقل داخل العاصمة، ويتولى المتبرعون نقل المرضى في سياراتهم الخاصة بالتنسيق مع أعضاء الجمعية الذين يزودونهم بعناوين الأشخاص ومواعيد مراجعتهم للأطباء، كما تعمل الجمعية على توفير السكن والغذاء للمرضى القادمين من خارج العاصمة.
الطفل الطيار
ومنذ انطلاق المبادرة في موريتانيا، تحققت أكثر من 30 أمنية للأطفال المرضى، اختلفت هذه الأماني وتنوعت من بسيطة إلى صعبة أو شبه خيالية، لكنها تتحقق دائما بفضل جهود أعضاء الجمعية وتعاطف الجمهور.
بعض الأطفال يتمنى الحصول على بدلات عسكرية وبنادق رشّاشة، وآخرون يفضلون الدراجات الهوائية وألعاب البلاي ستيشن والدمى، ويطمح آخرون الحصول على هاتف غالاكسي أو آلة موسيقية إلا أن الطفل التاه ولد المختار (7 أعوام) الذي يحلم أن يصبح طيّاراً يصر على أمنية وهي ركوب الطائرة لأول مرة في حياته، هذه هي أمنيته الوحيدة! لكن القائمين على مبادرة "أسعد تسعد" لم يكتفوا بتحقيق الأمنية فحسب، بل يجري التواصل حاليا مع شركة الخطوط الجوية الموريتانية للسماح للطفل التّاه بالجلوس في غرفة التحكم بالطائرة بعد أن حصلت الجمعية على بدلة طيّار صغير.