لو نجح انقلاب رفعت الأسد!!

احتدم الجدال بين الاثنين وكاد أن يتحول إلى صدام. "كان كل ما أخشاه في تلك اللحظة"، استطرد زهير بالقول، "كان أن تطلق رصاصة واحدة في هذا الاتجاه أو ذاك.

عربي بوست
تم النشر: 2015/09/01 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/09/01 الساعة 07:40 بتوقيت غرينتش

صباح السابع والعشرين من حزيران/يونيو 1980 حدثت مجزرة سجن تدمر الصحراوي الذي وصفه الرائد معين ناصيف، صهر رفعت الأسد وقائد اللواء 40 في "سرايا الدفاع" في ذلك الوقت بأنه كان "أكبر وكر للإخوان المسلمين".

يومها طلب ناصيف من جنوده في الثالثة فجرًا الاجتماع باللباس الميداني الكامل وألقى فيهم خطبة عصماء ملخصها أنكم ستقومون اليوم بهجوم على أكبر وكر للإخوان المسلمين في سوريا وهو سجن تدمر.

توجهت عشر طائرات مروحية من مطار المزة تقل كل واحدة منها ثلاثين عنصرًا وطوّقت السجن وأخرجت الحرس منه ثم فتحت النار على المعتقلين. بعد انتهاء المهمة كان الرائد معين ناصيف بانتظار رجاله وقال لهم "أنتم قمتم بعمل بطولة.. بعمل رجولة"، وفي اليوم التالي كوفئ جميع العناصر الذين اشتركوا في المجزرة التي ذهب ضحيتها 600 معتقل بمائتي ليرة سورية لكل فرد منهم.

رفعت الأسد لم ينكر وقوع المجزرة بل نفى مشاركته في تنفيذها أو في ارتكاب مجازر حماة التي كانت سرايا الدفاع العمود الفقري للقوات التي ارتكبتها ولكن ريبال الأسد، ابن رفعت، نفى وقوع المجزرة بقوله: "إذا كان مصطفى طلاس اعترف بالتوقيع على مئات أحكام الإعدام أسبوعيًّا فما هو مبرر قتل المعتقلين في تدمر إذا كان مصطفى طلاس سيتكفل بأمرهم؟".

وقال ريبال أيضًا في لقائه مع جيزيل خوري الذي بث مؤخرًا في "بي بي سي عربي" قبل أيام إن سرايا الدفاع هي سرايا الدفاع عن العاصمة وبالتالي لا علاقة لها بتنفيذ مهام قتالية خارجها في تدمر وحماة، ولكنه مارس التزوير والكذب لأن السرايا تحمل اسم "سرايا الدفاع عن الوطن وحماية الثورة".

ثم يسترسل ريبال في أكاذيبه (دون أي تدخل من جيزيل خوري) ليشير إلى أخلاقية عائلة الأسد، من بشار إلى ماهر مرورًا ببقية أفراد العائلة، ثم يشير بالتفاصيل إلى المشروع الديمقراطي الذي حمله رفعت الأسد وتم التبشير به من خلال مجلته "الفرسان".

لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وزعت في 4/3/1981 وثيقة تضمنت إفادات المشاركين في مجزرة تدمر عيسى إبراهيم فياض وأكرم بيساني، وأشارت الوثيقة بالتفاصيل إلى الجريمة التي ارتكبها رفعت الأسد في تدمر.

تولى رفعت الأسد في عام 1971 قيادة سرايا الدفاع حيث أرسل مجموعة من الضباط إلى قرى الساحل السوري لدعوة الشباب إلى الانضمام للسرايا بعروض مغرية واستخدم الطائفية كسياسة في التنسيب في سراياه، وانتهج سياسة طائفية استئصالية متشددة.

رفعت الأسد -الديمقراطي كما يقول ريبال- هو صاحب نظرية "العنف الثوري"، وظهر هذا التوجه واضحًا في خطابه أمام المؤتمر القطري السابع للحزب والذي يقول فيه: "ستالين أيها الرفاق أنهى حياة عشرة ملايين إنسان في سبيل الثورة الشيوعية".

وهو صاحب فكرة نزع الحجاب عن رؤوس المحجبات حيث قامت "المظليات" بالاعتداء على حجاب النساء في الشوارع في صيف وخريف 1980 ويومها اضطر حافظ الأسد للاعتذار للشعب السوري عن فعلة رفعت خوفًا من ردود فعل الشارع، ولكن ذلك كله لا يتذكره ريبال الأسد لأنه كان صغيرًا. إنه يتذكر فقط ما يريد أن يسرده من أكاذيب.

ورفعت الأسد هو صاحب فكرة "تخضير الصحراء" التي تقوم على إرسال المتدينين أو من سماهم المجرمين والمنحرفين إلى الصحراء لإعادة تأهيلهم وإجبارهم على فلاحة الأراضي الصحراوية وتخليصهم مما أسماه "الهرطقة الدينية"، وقال في خطاب له أمام المؤتمر القطري السابع للحزب: "إن هذه النظرية تتيح التخلص أولاً من المعارضين وتؤدي إلى تخضير الصحراء".

هناك من قال إن مجزرة تدمر جاءت ردًّا على محاولة اغتيال حافظ الأسد، ولكن مشروع رفعت الذي قدمه إلى مؤتمر الحزب في أواخر عام 1979 تضمن وصفًا دقيقًا لتصوره في اعتماد التصفية الجسدية للإسلاميين أو المتدينين أو جماعة الإخوان المسلمين.

لاحقًا في صبيحة الجمعة 13/4/1984 استيقظ سكان دمشق على ما يمكن وصفه بـ"الهدوء الذي يسبق العاصفة".

يومها أنهى حافظ الأسد مشروع الانقلاب العسكري الذي يقوده رفعت الأسد بعد ثلاثة أسابيع من التحضيرات والحشود العسكرية.

كان رفعت يعتقد أن مرض حافظ الأسد قد يؤدي إلى وفاته وبالتالي لا بد من قطع الطريق على الجنرالات الطامحين لوراثته وأمام باسل الأسد أيضًا الذي كان يهيأ لوراثة العرش.

اللواء زهير الأسد ابن عم بشار روى لي ما جرى في ذلك اليوم وكان وقتها ضابطًا صغيرًا مرافقًا لعمه رفعت الأسد قائلًا: جاء حافظ ومعه رفعت في سيارة واحدة إلى دوار كفرسوسة في دمشق وترجل الاثنان من السيارة وقال حافظ لرفعت: هذه هي الدبابات التي كنت تقول لي إن معلوماتي حول انتشارها في العاصمة ومحيطها مجرد وشاية كاذبة من الجنرالات.

احتدم الجدال بين الاثنين وكاد أن يتحول إلى صدام. "كان كل ما أخشاه في تلك اللحظة"، استطرد زهير بالقول، "كان أن تطلق رصاصة واحدة في هذا الاتجاه أو ذاك. واحترت كيف يجب أن أتصرف: هل أحول بندقيتي نحو عمي حافظ أو باتجاه عمي رفعت. وكنت أخشى من حماقة قد يرتكبها باسل الأسد الذي كان يقف خلف أبيه حاملاً سلاح الكلاشينكوف".

الموقف حسم بسرعة بعد أن صفع حافظ الأسد الملازم أول معين بدران عندما رفض سحب دبابته، ولكن الصفعة كانت كفيلة بإقناع رفعت بالصعود إلى سيارة أخيه والتوجه للقاء الوالدة ناعسة التي كان حافظ يعرف أنها نقطة ضعف رفعت وانتهى كل شيء هناك عندما طلبت الوالدة منه ألا يعصى أمرًا لحافظ.

ندم رفعت كثيرًا على تخاذله أو ضعفه، ولأنه لم يكمل ما بدأه، ولكن ما فعله لم يكن موجهًا ضد أخيه بل ضد الجنرالات وطموحاتهم وأيضًا لقطع الطريق على باسل الأسد.

الأكثر خطورة من محاولة رفعت الانقلابية كان الدور المناط بعصابات علي عيد في طرابلس والتي كلفت من رفعت الأسد، كما ذكر مصطفى طلاس في كتابه "ثلاثة أسابيع هزت دمشق" بنهب محلات بيع الذهب والمجوهرات في دمشق بعد أن يقوم رفعت بالسيطرة عليها، وأرسل علي عيد 200 عنصر لتولي هذه المهمة قبل أن يتم اعتقالهم عند مدخل مدينة دمشق.

أما لماذا تم تخصيص محلات بيع الجواهر والذهب فلأن الخطة كانت تقضي بأن تقوم سرايا الدفاع بعملية نهب وسلب للمدينة المنكوبة حيث أبلغ رفعت ضباطه وجنوده أن دمشق ستكون حلالاً زلالاً لهم مدة ثلاثة أيام بلياليها "وبعدها لا يجوز أن يظل فقير واحد في سرايا الدفاع، وإذا طلب بعدها أي ضابط أو جندي المساعدة المالية ستقطع يده".

بعد ذلك بنحو ثلاثين عامًا تكرر السيناريو نفسه في مدينة حمص عندما أطلق العنان للشبيحة لنهبها، وكانت المسروقات تباع في أسواق خاصة تدعى "أسواق السنّة"، وقبل ذلك بثلاثين عامًا أيضًا استبيحت مدينة حماة ونُهبت بعد مجزرتها.

نجت دمشق في 13/4/1984 من التدمير ولكن بشار الأسد قال لأعضاء غرفة التجارة خلال لقائه بهم في بداية الثورة: "إذا انحزتم إلى الإرهابيين سأدمر دمشق فوق رؤوسكم".

بعد انقلابه العسكري عام 1970 زار حافظ الأسد المحافظات السورية وتوقف يومها في مدينة حمص، فخرجت صحيفة "العروبة" بمانشيت عريض على صدر صفحتها الأولى يقول: ملايين الحماصنة احتشدوا في طرقات المدينة لتحية حافظ الأسد، ويومها جاء توجيه من القصر الجمهوري بإقالة رئيس تحريرها وقالوا له: لقد فضحتنا لأن عدد سكان حمص لا يتجاوز الثلاثمائة ألف.

تذكرت هذه الحكاية عندما قال ريبال الأسد لجيزيل خوري: لقد خرج الملايين إلى مطار دمشق لاستقبال أبي بعد عودته إلى سوريا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد