خلقت الحرب المندلعة في اليمن منذ أواخر مارس/ آذار الماضي، الغصة داخل غالبية البيوت اليمنية بسبب سقوط آلاف القتلى والجرحى، لكن ذلك لم يمنع اليمنيين من إقامة حفلات الزفاف ولكن بـ"لوك جديد" يناسب المرحلة.
الحرب أثرت بشكل كبير على مظاهر إقامة حفلات الزفاف في اليمن، ففي حين قرر البعض تقنين مظاهر الفرح وعدم المبالغة فيها، أجبرت الظروف الأمنية المضطربة كثيرين آخرين على عدم إقامة أعراس ليلية كما كانت العادة.
وفي الأشهر الأولى من الحرب، أجل العديد من اليمنيين حفلات الزواج مراعاة للجانب النفسي والأحزان التي تغرق معظم الأحياء في البلدات والمدن اليمنية، لكن إطالة أمد الصراع والمعارك، جعل الكثيرين يقررون المضي قدماً واستكمال حياتهم.
أعراس صامتة
برغم تفاخر اليمنيين بحفلات زفاف أولادهم التي تتحول عادة إلى مناسبات للتباهي أمام الأهل والمعازيم بإقامة موائد الطعام وحفلات السهر الراقصة، لكن الحرب كان لها رأي آخر.
"عبد الله الحمادي" شاب عشريني بمدينة تعز، رتب لإقامة حفل زفاف للـ"ذكرى"، وعزم أقاربه وأصدقاءه من مدن وقرى مختلفة، لكن خططه باءت بالفشل، حيث وجد نفسه يقيم عرساً صامتاً لا أثر فيه للصخب الذي كان يتمناه.
يقول عبدالله لـ"عربي بوست": "الحرب أعادتنا إلى زمن الجاهلية، عقدت قراني وأخذت زوجتي إلى منزلي بشكل مباشر بعد حفلة عائلية مصغرة، لم يكن بيدي أي حل آخر".
ويضيف " كل أقاربي وأصدقائي نازحيون إلي مدن وقري متباعدة، ومن تبقى في المدينة لا يمكنه التنقل في شوارع غير آمنة تشهد عمليات قصف وقنص، فقررنا إقامة حفل زفاف صامت".
حظر الأفراح ليلاً
وخلافا لما هو معتاد، حظرت الحرب الأعراس الليلية في غالبية المحافظات اليمنية التي تشهد معارك متواصلة تكاد لا تنقطع، فيما قلّص سكان صنعاء مظاهر الاحتفال ليلا واكتفوا بساعات النهار.
يقول "أشرف أحمد" أحد المتزوجين حديثا: "قمت بتأجيل فرحي أكثر من مرة لعل طبول الحرب تهدأ، لكنها استمرت بشراسة، فقررنا إقامة العرس، ولو اضطررنا بالتضحية ببعض الطقوس والسهرات الليلية".
ويضيف في حديث لمراسل "عربي بوست": "حفل الزواج كان يستمر في صالات أفراح النساء إلى منتصف الليل أو حتى الساعة 11 مساءً، وبسبب الظروف الأمنية، أصبحت تبدأ من 3 عصراً حتى 6 أو 7 مساءً فقط".
"موكب العروسين" طقس رئيسي غاب أيضا عن حفلات الزفاف، فبعدما كانت مواكب العروسين تجوب معظم شوارع المدينة ليلا قبل الوصول إلى الفندق أو إلى منزل العريس، كما اختفت استعراضات إطلاق الألعاب النارية وأبواق السيارات.
أغاني الفرح من الجوالات والكمبيوترات المحمولة
كما ساهم التيار الكهربائي المنقطع بشكل دائم عن العاصمة صنعاء ومعظم المدن اليمنية في تغييب أهم المظاهر الاحتفالية بالأعراس، والمتمثلة في "أغاني الفرح" التي كانت تصدح في منزلي العريس وعروسته قبل أسبوع من إقامة حفل الزفاف.
اليمني "محمد العديني" يري أنه لا عرس إلا بأغانٍ صاخبة يسمعها كل سكان الحي وإلا فلا فرق في نظره بين الأعراس والمآتم.
العديني قال لـ"عربي بوست": إنه "بالنسبة لي لن أقبل بعرس دون أغاني، لكن صديقي اقتنع بعدم وجود الكهرباء التي ستقوم بتشغيل سماعات الصوت و"الإستيريو"، فقرر أن يحتفل ويغني من ألبوم الأغاني المحفوظة في موبايله أو الكمبيوتر المحمول".
بشكل عام تتنوع أغاني الأعراس في اليمن ما بين الشعبية والعربية والمصرية، كما تختلف الأغاني التي يتم تشغليها في أوقات النهار، عن الأغاني الشعبية الراقصة بعد فترة العصر، والتي من شأنها تحميس المعازيم للدخول في حلبة الرقص الجماعي.
شهر عسل في المنزل
العرسان في اليمن دائما ما كانوا يخططون لمكان "شهر العسل" قبل اختيار لون غرفة نومهم، لكن الحرب أجبرتهم على العودة لمنازلهم لقضاء شهر العسل، باعتباره المكان المتاح والأنسب.
وكانت المدن اليمنية الساحلية مثل عدن والحديدة وجزر سقطرى تمثل الخيار الأنسب لمحدودي الدخل، لكن المحافظتين اللتبن تشهدان معارك واضطرابات بالإضافة لانقطاع الرحلات الجوية إلى سقطرى، حرمتا غالبية العرسان من قضاء أول أيام العمر التي لا تنسى.
يقول "أسعد الشرجبي": كان أخي يخطط لقضاء شهر العسل في عاصمة عربية أو يمنية ساحلية على الأقل، لكن توقف الرحلات الجوية المستمر في مطار صنعاء، وارتفاع ثمن تذاكر السفر والاضطرابات، جعلته يقتنع بمنزله ويتخيله كمنتجع ساحر.
زفة صنعانية للعرسان في شارع عام رغم انقطاع التيار الكهربائي
زفاف في مخيم نازحين
وبالإضافة إلى التغييرات الجذرية التي طرأت على طقوس الزواج، شهدت مخيمات النازحين حفل زفاف يجري لأول مرة الأسبوع الماضي.
أحد مخيمات النازحين في الجهة الشرقية لمدينة إب وسط اليمن، شهدت أجواء فرح لشاب من تعز على شابة من عدن.
سكان المخيم، قالوا إن الحفل الفريد لم يكسر حالة الحزن المسيطرة على المخيم، بل بعث أكثر من رسالة وخصوصاً لأولئك المنادين بانفصال جنوب اليمن عن شماله، ووصفوه بـ"العرس الوحدوي".
ولم تقتصر دهشة الناس على هوية العروسين، ولكن على موقعه الذي أقيم في إحدى مدارس إب القديمة التي تحولت إلى مخيم نازحين فارين من لهيب المعارك في عدن وتعز.
ووفقاً لسكان حضروا الاحتفال، فقد أصر تجار من مدينة إب على تقديم الدعم المالي والمساهمة في تغطية نفقات حفل الزفاف، وإعانة العريس الذي قرر دخول القفص الذهبي في توقيت وظروف معيشية غاية في الصعوبة.