يموت شخص كل 40 ثانية جراء الانتحار في مكان ما حول العالم، وتحتل تونس المرتبة السادسة عربيا في نسبة المنتحرين بمعدل 2.4 حالة انتحار لكل 100 ألف شخص، بحسب تقرير حديث نشرته منظمة الصحة العالمية، والتي أطلقت بدورها تحذيرات من تنامي هذه الظاهرة بشكل ملحوظ.
وشغلت ظاهرة الانتحار بعد 2011 بال علماء النفس والاجتماع في تونس، في ظل تفاقم حوادث الموت إما شنقا أو حرقا أو عن طريق شرب مواد سامة، والأخطر انتقال هذه الظاهرة لفئة الأطفال.
الأطفال في تونس ينتحرون أيضا
اهتزّ الرأي العام التونسي في الـ17 من نوفمبر/ تشرين الثاني 2014 بعد حادثة انتحار غريبة، فشيراز، التلميذة ذات الاثني عشر ربيعا، وضعت حدا لحياتها بعد أن شنقت نفسها في شجرة قريبة من بيتها الريفي بمنطقة "العلا " من محافظة القيروان (وسط تونس)، والتي تعد من المناطق الفقيرة في البلاد.
شيراز تركت حينها رسالة لوالديها شرحت فيها أسباب إقدامها على وضع حد لحياتها بهذه الطريقة الشنيعة جاء فيها ما يلي "أمي أبي سامحوني لم أكن أريد أن أذهب للمدرسة لأني تعذبت فيها كثيرا، لكن إصراركما جعلني أواصل، أنا لم أعد أتحمل هذا العذاب، سامحوني".
والدة الطفلة شيراز أكدت خلال ظهورها في أحد برامج تلفزيون الواقع في تونس، أن المعاملة السيئة التي وجدتها ابنتها خلال إقامتها في المبيت المدرسي، وتشدد المسؤولين هناك، بالإضافة إلى ظروف الإقامة والأكل السيئة، كلها عوامل مجتمعة أدت لانتحار طفلتها رغم تفوقها في الدراسة وحلمها أن تكون طبيبة في المستقبل.
قصة شيراز ليست إلا واحدة من آلاف القصص المأساوية لأطفال تونسيين قضوا نحبهم بعد أن فضلوا الانتحار بطرق مختلفة.
أسباب انتحار الأطفال
حول أسباب تفاقم ظاهرة الانتحار في صفوف الأطفال والمراهقين، تقول المختصة في التدريب التربوي والاستشارة النفسية المدرسية كوثر الحباسي لعربي بوست "إن شخصية المراهق والطفل معرضه للتأثر خمس مرات أكثر من الشخص البالغ"، وتعزي الحباسي الانتحار في صفوف المراهقين إلى نقص اكتمال بناء الشخصية لديهم والصراع الاجتماعي والعائلي.
وتضيف الحباسي أن الفقر والتهميش الاجتماعي والجهل المتفشي، خاصة في المناطق الريفية، يجعل ارتفاع نسبة الانتحار في هذه المناطق أكثر من المدن والحواضر، فضلا عن غياب دور الثقافة والأنشطة الترفيهية والنوادي في الأرياف، وهو "ما يزيد في تعميق الشعور بالدونية اليأس لدى الشباب"، على حد تعبيرها.
وتوضح ذات الاستشارية النفسية أن انتحار الأطفال يدل بشكل واضح على "وجود أزمة وخلل في المجتمع"، داعية المختصين النفسيين والمرشدين الاجتماعيين إلى التوجه للمدارس بهدف التوعية وإيجاد الحلول عبر الحوار مع هذه الفئات التي يميل أغلبها للصمت أو الانزواء.
ارتفاع نسبة الانتحار بعد الثورة
بحسب دراسة أعدها "المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية" وتم نشر نتائجها السنة الماضية، فقد تم تسجيل نحو 507 حالة انتحار ومحاولة انتحار بعد الثورة منها 304 حالة سنة 2013 و203 حالة سنة 2014.
وتصدرت الفئة العمرية بين 26 و35 سنة حالات الانتحار بـ60 حالة، فيما بلغ عدد حالات انتحار الأطفال 18 حالة من بينها 12 حالة تخص الفتيات.
وقد احتلت محافظة القيروان المرتبة الأولى في نسبة المنتحرين على الصعيد الوطني في تونس بـمعدل 31 حالة انتحار من مجموع 203 حالات في كامل البلاد.
وبحسب ذات الدراسة، سجلت منطقة "العلا" الريفية بمحافظة القيروان وحدها نحو 15 حالة انتحار شهر أبريل/ نيسان 2014، نسبة عالية منها في صفوف تلاميذ والمنقطعين عن الدراسة.
ناشطون: الوضع الإجتماعي هو السبب
تواصل حوادث الانتحار في تونس وتزايد أعداد المنتحرين، جعل ناشطين مدنيين ينظمون أكثر من ندوة بهدف تسليط الضوء على هذه الظاهرة، بمشاركة مختصين اجتماعيين ونفسيين.
وأجمع الناشطون أنه لا يمكن إيجاد حل جذري لهذه الظاهرة في ظل الوضع الاجتماعي والاقتصادي الهش الذي تعرفه البلاد، لاسيما في مناطق داخلية كسيدي بوزيد والقيروان وسليانة، التي يشكو شبابها من البطالة والفقر والتهميش، مما يجعل التفكير في الموت أقرب لهم من التفكير في الحياة.