ألزمت محكمة مصرية، لأول مرة، وزارة الخارجية باعتبارها ممثل الدولة في علاقاتها الخارجية، باتخاذ الإجراءات الضرورية لإلزام بريطانيا بتحمل مسئوليتها القانونية للكشف عن الألغام والذخائر والمتفجرات التي زرعتها أو تركتها في الأراضي المصرية أثناء الحرب العالمية الثانية، وأن تتولى مهمة رفعها وتطهير مصر منها، مع إلزامها بأداء التعويضات اللازمة عن ذلك سواء للدولة أو المواطنين المضارين.
ودعت المحكمة – في حيثيات حكمها الاربعاء 26 أغسطس الجاري لصالح مواطن متضرر من هذه الالغام -وزارة الخارجية إلى "اللجوء إلى طرق التقاضي الدولي، بعد استنفاد الوسائل الدبلوماسية"، وتكاسل بريطانيا عن نزع هذه الالغام أو تعويض مصر.
ومن 110 ملايين لغم نشط منتشرة في 68 بلدًا حول العالم، تقدر الحكومة المصرية وجود 23 مليونًا في مصر، أي حوالي 20% من الألغام الأرضية بالعالم، وحسب الإحصاءات الرسمية يوجد في مصر حالياً حوالي 21,8 مليون لغم بعدما كانت 23 مليون لغما، وذلك بعد نجاح القوات المسلحة المصرية منذ عام 1995 في إزالة ما يقرب من 1,2 مليون لغم.
ووفقا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية فإن الحرب العالمية الثانية خلفت 17.5 مليون لغم تحتل مساحة تزيد على 250 ألف فدان صالحة للزراعة، كما خلفت الحروب مع إسرائيل نحو 5.5 مليون لغم في سيناء والصحراء الشرقية، وأنه يوجد في مصر حاليا قرابة 22 مليون لغم.
وتنتشر هذه الالغام في منطقة الصحراء الغربية، وهي أراض زراعية معكل زراعتها وتصلح لتوفير القمح لكل مصر، وهي أراضٍ تقع ما بين مدينة "برج العرب" شمال مصر التي تقع في الكيلو 34 من طريق إسكندرية/ مطروح الساحلي، حتى "الواحات البحرية" بمحافظة الجيزة جنوب مصر، ومزروعة الان بالألغام، ومنها "جنوب العلمين" التي تكتظ بنحو 20 مليون لغم تمنع الامتداد العمراني وزيادة الرقعة الزراعية وتقلل فرص التنمية.
الدعوي القضائية التي صدر فيها الحكم قدمها المواطن "حميدو جميل البرنس" في 15 سبتمبر 2013، وطالب فيها وزارة الخارجية بمطالبة بريطانيا بتقديم اعتذار رسمي لمصر، وإزالتها الأضرار الموجودة في الصحراء، وتقديم تعويضات مالية للدولة والمصابين.
وأشارت المحكمة إلى أن "وزارة الخارجية هي السبيل الوحيد لحماية حقوق المواطنين في مواجهة الدول الأخرى، وأنه يجب على الدولة الالتزام من تلقاء نفسها دون حاجة إلى طلب من المواطنين من أي مخاطر تهددهم ومنها الألغام التي زرعتها الدول الأجنبية في أراضيها، كما أن عليها مساعدة المتضررين من هذه الألغام في الحصول على تعويضات من الدول التي زرعتها".
واعتبرت أن "امتناع وزارة الخارجية عن هذه الأعمال وعدم توفيرها الحماية القانونية للمواطنين، بمثابة قرار سلبي جدير بالإلغاء".
وانتقدت "عدم إعداد وزارة الخارجية ملفا كاملا بأضرار الألغام يتضمن حصرا بالمواطنين الذين قتلوا أو أصيبوا بعاهات مستديمة، والأضرار التي أصابت الأفراد وأموالهم وتضاؤل فرص التنمية"، بالإضافة إلى "عدم اتخاذ أي إجراءات قانونية لمطالبة الدول الأجنبية وعلى رأسها بريطانيا بأداء واجبها، وفقا لقواعد المسئولية الدولية وطرق التقاضي المحددة في القانون الدولي".
4 ملايين يورو لإزالة الألغام
وفي اكتوبر الماضي 2014، قال الاتحاد الأوروبي أنه سيقدم مساعدات تبلغ قيمتها أربعة ملايين وسبعمائة ألف يورو للمساهمة في إزالة الألغام من الصحراء الغربية، بحسب إعلان جيمس موران سفير الاتحاد الأوروبي بالقاهرة وعدد من السفراء الأوروبيين، بيد أن مصر لا تزال تطالب بتحمل بريطانيا ودول أوروبية أخري كل تكاليف إزالة تلك الالغام.
وتعاني مصر من مشكلة الألغام الأرضية المضادة للأفراد والدبابات والمنتشرة في مساحات كبيرة في منطقة الساحل الشمالي، وسبق أن قدمت رسائل الي بعض أطراف الحرب العالمية منذ التسعينيات من القرن الماضي، تطلب منهم دعما لإزالة الألغام وتنمية الساحل الشمالي دون تفاعل أوروبي كاف بحسب الخارجية المصرية.
خسائر مصرية بسبب الالغام
ويؤكد خبراء سياسيون وقانونيون أن مصر تخسر مليارات الدولارات من جراء استمرار أزمة زرع ملايين الألغام في حقول ألغام في الصحراء الغربية منذ الحرب العالمية الثانية التي تعطل زراعة 3 ملايين فدان وتحرم مصر من استخراج نحو 600 مليون طن من الثروات المعدنية إضافة إلي 13.4 تريليون قدم من الغاز الطبيعي و4.8 مليارات برميل بترول تقدر بمليارات الدولارات، فضلا عن أن احتلال الألغام لهذه الأرض نتج عنه 16.7 مليون جسم قابل للانفجار بعضها يتحرك بفعل العوامل الجوية وطول فترة زرعها.
وتشير تقديرات محافظة مطروح أن القوات الإيطالية والألمانية والبريطانية زرعت أكثر من 24.7 مليون لغم في منطقة الصحراء الغربي، وقالت إن القوات المسلحة المصرية قامت بتطهير 3 مليون لغم في الفترة من عام 81 وحتى 93 ثم توقفت بعد ذلك لعدم وجود اعتمادات كافية، حيث أن تكلفة إزالة اللغم الواحد تبلغ 1000 دولار.