يحاول ناشط من المعارضة السورية، وشاب كردي، وثالث سوري مؤيد للرئيس بشار الأسد، تجنب بعضهم البعض على متن عبارة للاجئين في بحر إيجه، برغم أن وجهتهم واحدة وهي نحو مصير مجهول.
جلال، البالغ من العمر 38 عاماً، والمنحدر من مدينة درعا، التي شهدت بدايات الثورة ضد النظام السوري في العام 2011، يقول إنه التقى بمؤيدين للأسد في رحلة اللاجئين من تركيا إلى جزيرة كوس اليونانية، معبر المهاجرين إلى اوروبا.
تجنب النقاش
ومع ظهور علامات الإرهاق على وجهه لعدم قدرته على النوم في "كوس" التي تعمها الفوضى بسبب أسوأ أزمة هجرة تمر بها أوربا منذ الحرب العالمية الثانية، يتابع حديثه قائلاً "أحاول ألا أتناقش معهم بشأن سوريا، لأني أعلم أننا لن نتفق".
جلال يعتقد أنه حتى لو انتهت الحرب السورية اليوم، فإن الأمور بحاجة إلى سنوات، لتعود نسبياً إلى طبيعتها.
جلال الذي يتحدث التركية بطلاقة، يرغب في الذهاب إلى ألمانيا، حيث يأمل أن يجد عملاً بين الجالية التركية الكبيرة، حتى يتمكن من الحصول على أوراقه القانونية.
وسط حديث يحدوه الأمل صوب المستقبل، تدمع عيناه فجأة، حينما يسترجع الحديث حول ما تعرض له هو وأسرته في سوريا، يرفع جلال قميصه، ليظهر اثار إصابة بالرصاص، ويستمر في حديثه قائلاً "شقيقتي قتلت برصاص قناص في الجيش، حين كنت أحاول انقاذها من الحي الذي تسكنه، إذ كان يتعرض لهجوم (في العام 2012)، اصبت انا كذلك ولكني نجوت".
اتباع بشار يهاجرون بحثا عن الأمان
أما طوني (40 عاما) فهو من حمص، الواقعة تحت سيطرة النظام اليوم، ويخطط هو الأخر للذهاب إلى ألمانيا، حيث يأمل أن يساعده الاقتصاد الألماني المزدهر على أن يجد عملاً بسرعة.
ربما التقى طوني وجلال في وقت سابق، وهما يعرفا أن كلا منهما يؤيد طرفا في الحرب، تلتقي نظراتهما للحظات ليستديرا بسرعة.
طوني يروي الأسباب التي دفعته للهجرة قائلاً "زوجتي كانت تعيش في حالة رعب دائم، بين تفجيرات بالسيارة ومسلحين يقصفونا كل الوقت"، وبالنسبة له "لا أحد يقبل الطرف الآخر في سوريا اليوم".
ورغم أن حمص عرفت في أحد الأيام على أنها "عاصمة الثورة" وعانت الكثير من الدمار، والعنف الطائفي خلال هذه الحرب الدموية، إلا أن طوني يقول "بالنسبة لي، لم يكن هناك ثورة أصلا".
حياتي أهم من الصراع
أما الشاب الثالث فهو نيجيرفان، وهو كردي يبلغ من العمر 20 عاماً، من مدينة القامشلي، فر من بلاده لأنه لا يريد أن يصبح رهينة لهذه الحرب قائلاً "حياتي أهم"، والوضع الدائر في سوريا بالنسبة له "كل طرف يريد أن يجندك لصالحه، يتم تجنيدك من قبل الجيش أو وحدات حماية الشعب الكردية".
يبدو جلال مستعداً للاستماع إلى ما لدى نيجيرفان ليقوله، ولكن فور التطرق الى المسألة الكردية يسيطر التوتر عليهما.
ويقول نيجيرفان "كان حلمنا لمئات السنوات أن ننشئ دولة كردية مستقلة"، يجيبه جلال بغضب "لماذا لم تنتظروا حتى يسقط النظام لتطلقوا نداءكم من أجل الدولة"، وعلى الفور يغادر نيجيرفان مبتعداً لينضم إلى أصدقائه من أكراد سوريا.
على متن العبارة
المشهد على متن العبارة يبدو مختلفاً، حيث تتسم بالفرح بعيداً عن أجواء الغضب.
فهناك على سبيل المثال، رنا من دمشق، والتي تزوجت الأسبوع الماضي من محمد، الشاب الفلسطيني من لاجئي سوريا ويعيش حاليا في كوبنهاغن.
تعارف الاثنان في بادئ الأمر عبر الانترنت، وكانا من مؤيدي الثورة بالرغم من أنهما لم يكونا يوما ناشطين، أما اليوم فتقول رنا (26 عاما) "لم أعد مع أي من الطرفين، ما أريده فقط هو المستقبل" فهي تعتبر ان "الثورة" فشلت لان "الشعب لم يكن موحدا".
وبالنسبة لرنا، التي تزوجت ومحمد في جزيرة رودس الأسبوع الماضي، فان وجودها على هذه العبارة اليوم يشبه "شهر عسل غريب" ستحدث عنه احفادها في المستقبل.
المشهد الأخير
وأخيراً وصلت العبارة إلى اثينا فجراً، نزل منها اللاجئون ليأخذ كل منهم طريقه، صعد طوني وأصدقاؤه إلى حافلة تنقلهم لمدينة ثيسالونكي، ومنها يريدون التوجه إلى الحدود مع مقدونيا في رحلة جديدة إلى ألمانيا، وليس لديهم علم ان مقدونيا اعلنت حالة الطوارئ، وقواتها تعمل على اغلاق الحدود أمام المهاجرين.
رنا وزوجها نزلا في فندق في وسط المدينة ليستريحا قبل الذهاب الى كوبنهاغن، اما جلال فعليه ان ينتظر في اثينا وصول اموال سيرسلها اقرباء له ليكمل طريقه.
يجلس جلال في مقهى في ميدان اومونيا، يمر رجل سوري به، وغالبا ما يكون "مهرب"، ويقول له "أتذهب إلى مكان؟ أستطيع أن أخذك حيث شئت".
وفي القهوة توجد لافتة كتب عليها بالعربية فقط "مكتب للسياح الى ثيسالونكي ومقدونيا مقابل 60 يورو (67 دولارا)".