في رحلة خطيرة بين تركيا وجزيرة كوس اليونانية، تخلى وائل وأفراد عائلته من اللاجئين السوريين عن أمتعتهم وأبقوا فقط على هواتفهم، الوسيلة التي تربطهم بالخارج ليوثقوا طريقهم إلى حياة جديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وائل (32 عاما)، من مدينة حمص والذي وصل إلى "كوس" مؤخراً يقول "هواتفنا وبطارياتها الإضافية، أهم من أي شيء آخر في رحلتنا، حتى من الغذاء".
مجموعات على فيسبوك
اللاجئون يستخدمون مجموعات على موقع فيسبوك، تضم عشرات آلاف الأعضاء لمشاركة صورهم وتجاربهم، وللبحث أيضا عن أرقام المهربين، وخرائط للطريق بين تركيا واليونان ومنها إلى شمال أوروبا، فضلاً عن مساعدتهم في دراسة التكاليف.
فور وصول قواربهم إلى المياه الإقليمية اليونانية، يستخدمون خدمة "واتس آب" لتحديد موقعهم لقوات خفر السواحل، أما خدمة "فايبر" فهي وسيلة الاتصال بالعائلات لطمأنتها.
وائل وعائلته
وائل فر من سوريا مع زوجته، و12 من أقربائه بينهم ثلاثة أطفال، يقول "لم نستطع أن نأخذ أي شيء معنا، إلى القارب المكتظ، ولكن تلك الهواتف أثمن امتعتنا".
وعائلة وائل بين أكثر من 135 ألف مهاجر ولاجئ، وصلوا إلى اليونان الشهر الماضي في ظل اسوأ ازمة هجرة تشهدها اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
وللحفاظ على هاتفه، يقول وائل ببشرته السمراء وعينيه الخضراوين، "لففت هاتفي في كيس بلاستيكي لحمايته من المياه".
وفي كوس، تجد السوريين يلتقطون الصور لبعضهم على البحر بهواتفهم الذكية، ويشربون القهوة في المقاهي حيث يستطيعون استخدام الانترنت.
ووسائل التواصل الاجتماعي تبقى حاجة "حيوية" بالنسبة للاجئين الذين لا يملكون أي أوراق قانونية للوصول إلى أوروبا، كما يقول رائد (30 عاما) أحد اقرباء وائل، والذي يتحدث عن توثيقة للرحلة قائلاً "التقطنا صورا لكل خطوة قمنا بها في هذه الرحلة وارسلناها الى عائلاتنا".
رائد الذي ترك زوجته وابنته البالغة ستة أشهر فقط والمريضة، يقول "لا أحد يمنحنا تأشيرات دخول، ولذلك علينا البحث عن بدائل، وعبر فيسبوك، نساعد بعضنا نحن السوريين ونتبادل النصائح".
ويأمل رائد أن يصل إلى ألمانيا حيث سيقدم أوراقه لتنضم إليه عائلته.
جزيرة كوس
وجزيرة كوس ليست الهدف الأساسي للمهاجرين، فمنها يأملون الانطلاق إلى شمال اوروبا، فيختاروا الدولة التي يجدوها الأفضل بالنسبة لهم.
ويقول رائد "هناك محادثات كاملة على فيسبوك نتباحث فيها عن الدولة الأفضل لكل شخص، وعلى سبيل المثال، تعتبر ألمانيا جيدة، فيما يتعلق بلم شمل العائلة، أما السويد فهي جيدة على صعيد الحصول على أوراق (اللجوء) بسرعة".
حياة افتراضية على فيسبوك
الأحاديث الافتراضية على فيسبوك "تتيح لهم مساعدة بعضهم لاختيار هدفهم"، بحسب رائد الذي يشير إلى أنه بحث على الانترنت عن صور ومقالات حول برلين، "فهي مدينة جميلة ينعم الشعب فيها بالحقوق".
ولم يغادر رائد بلاده ابدا، سوى الى لبنان حيث عاش ببؤس مع عائلته كلاجئ لحوالي 18 شهرا، ثم إلى تركيا فاليونان.
وعلى فيسبوك تتنوع المجموعات التي يستخدمها السوريون للبحث عن رحلات الهجرة، وهي احيانا قاتلة، فهناك مثلا "اللجوء والهجرة الى اوروبا" و"اللجوء في السويد، هولندا، النروج، المانيا، بريطانيا، النمسا وسويسرا".
من بين الأكثر شهرة مجموعة تضم أكثر من 42 ألف عضو يستخدمها راغبو الهجرة لتحديد خريطة طريقهم.
تساؤلات لا تتوقف
وتتنوع الأسئلة على هذه الصفحة، بين المنطقة الأفضل في ألمانيا للبقاء، وهل يجب أن يسلم اللاجئ منهم نفسه إلى الشرطة هناك، وأي منطقة هي الأفضل للحصول على إقامة بسرعة.
كما يطمئن اعضاء الصفحة بعضهم، فيكتب أحدهم أنه وصل اليونان، ويضع صورة له مع شابين آخرين رافعين علامات النصر.
ويسأل ثالث، إن كانت الإقامة في ألمانيا تسمح بالسفر إلى لبنان، ويكتب رابع سائلا بعجلة عن فندق في بلغراد، وآخر عن مبلغ 2500 دولار إن كان يعتبر كافيا للرحلة.
وتأتيهم الاجابات على تلك الاسئلة، ليقول أحدهم مثلا "وصلت بـ900 دولار".
أما سعيد (22 عاما)، طالب هندسة كومبيوتر من داريا جنوب غرب دمشق، فيقول "نقوم بذلك لنساعد بعضنا بعضا، حتى لا يحتال علينا المهربون، لذلك حين يجد أحدهم مهربا يطلب مبلغا أقل، نتناقل رقم هاتفه".
وسعيد، الناشط في الحراك السوري، يعتقد ان توثيق الرحلة الى اوروبا لا يختلف باهميته عن نقل اخبار العنف الدائر في البلاد.
ويختصر سعيد تلك التجربة بالقول "نحن السوريين نلتقط الصور لكل تظاهرة وكل مجزرة، ولن نتوقف عن مشاركة قصصنا. والهجرة هي واحدة من قصصنا اليوم".