تصاعدت حدّة الجدل في تونس بعد أن طرح الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة المالية والاقتصادية مع رجال أعمال وموظفين سابقين في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، والذي بمقتضاه سيتم إيجاد آلية للعفو، وهو ما اعتبرته أطراف معارضة "خرقاً للدستور ولمسار العدالة الانتقالية ومصالحة مع من نهبوا أموال الشعب طيلة 23 سنة".
الجدل وصل مداه بعد أن أصدرت أحزاب من المعارضة يمثلون كتلة "الجبهة الشعبية" و"التيار الديمقراطي" و"حركة الشعب" و"الحزب الجمهوري" وحزب "صوت الفلاحين"، بياناً مشتركاً وصف بالحازم وشديد اللهجة أكدوا خلاله استعدادهم "للنضال ضد تمرير هذا القانون بكل الوسائل المشروعة والسلمية بما في ذلك النزول للشارع"، وهو ما اعتبره البعض تصعيداً غير مسبوق وتحد لقانون الطوارئ الذي يمنع أي شكل من أشكال التظاهر.
عبو: القانون مكافئة لرجال أعمال فاسدين مولوا حملات "النهضة" و"النداء"
يقول رئيس حزب "التيار الديمقراطي" المعارض محمد عبو أحد الموقعين على البيان، لـ"عربي بوست" إن "قانون المصالحة بني على مؤشرات تؤكد أن حركة النهضة ونداء تونس أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم في البلاد قدموا وعوداً لرجال أعمال كانوا من أبرز الممولين لهذين الحزبين بمبالغ مالية هامة خلال الحملتين الانتخابيتين التشريعية والرئاسية بالتالي إن هذا القانون هو بمثابة مكافئة لرجال أعمال تورطوا بقضايا فساد وساعدوا النهضة والنداء للوصول لسدة الحكم وآن الآوان لأن يردا الجميل".
واعتبر "عبو" أن قانون المصالحة بمثابة "أكبر عملية سرقة واحتيال على الشعب التونسي، وفيه ضرب للاقتصاد التونسي ولقيمة العدالة وتهديد لآخر الديمقراطيات الناشئة في بلدان الثورات العربية مع دخول المال السياسي الفاسد على الخط".
وشدد "عبو" على أن هذا القانون سيغلق باب "المتابعة لكل جرائم الفساد" واعتبر أن أي مساس بقانون العدالة الانتقالية هو ضرب للدستور التونسي وخرق واضح للفصل 148 الذي ينص على إلتزام الدولة بتطبيق منظومة العدالة الانتقالية في جميع مجالاتها.
وختم قوله بأن المعارضة ستتصدى بكل الوسائل القانونية في سبيل عدم تمرير هذا القانون معتبراً أنّ قانون الطوارئ الذي فرضته الحكومة لن يمنعهم من النزول والتظاهر في الشارع بل يسمح للسلطة بمنعهم وذلك هو الفرق على حد تعبيره.
وأضاف " الباجي قائد السبسي لم يسّن قانون الطوارئ لحماية الأمن العام وإنما سن هذا القانون لتمرير بعض القوانين والإجراءات ومن بينها مشروع المصالحة".
بن سدرين: من سيصوّت لقانون المصالحة عليه تحمل تبعات ذلك"
من جانبها استنكرت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين، هيئة حكومية مستقلة أنشئت بعد الثورة وأوكلت لها مهام النظر في قضايا العدالة الانتقالية وملفات الفساد وانتهاك حقوق الإنسان، طرح هذا المشروع واعتبرته "إعادة إنتاج لمنظومة فساد بن علي بهدف منح عفو ليس فقط للمستفيدين السابقين من سرقة أموال الدولة بل حتى لمن قام بتسهيل هذه السرقات ولازالوا موجودين على رأس مؤسسات الدولة والإدارات والمؤسسات البنكية".
وأكدت "بن سدرين" على أن هيئة الحقيقة والكرامة قامت بالاتصال بخبراء في القانون الدستوري وطلبت منهم استشارة قانونية بخصوص مدى مشروعية هذا القانون الذي طرحه رئيس الدولة وأجمعوا على أنه "مخالف لأحكام الدستور التونسي وينسف العدالة الانتقالية برمتها".
وأوضحت أن الهيئة بدأت فعلياً بحوار وطني شامل لمناقشة هذا الموضوع بهدف إِشراك كلّ الأطراف الفاعلة فيه سواء مجتمع مدني أو كتل نيابية في مجلس نواب الشعب، وقد قدّمت الهيئة فعلياً طلب لجلسة استماع أمام البرلمان حول هذا القانون.
وأضافت "إدارة الظهر لمستحقات الثورة ولمتطلبات الجمهورية الثانية ستكون له كلفة سياسية واجتماعية ومن سيصوت لهذا المشروع ما عليه سوى تحمل تبعات ذلك".
عريضة الكترونية ضد قانون المصالحة
وفي الفضاء الافتراضي أطلق نشطاء في المجتمع المدني وحقوقيون عريضة إلكترونية عبر الشبكات الاجتماعية بهدف جمع توقيعات ترفض مشروع المصالحة مع من اعتبروهم "متورطين في قضايا الفساد ونهب المال العام" في عهد النظام السابق.
وتتضمن العريضة رسالة مفتوحة إلى نواب الشعب تدعوهم خلالها إلى تحمل مسؤوليتهم التاريخية أمام الوطن والشعب وإسقاط هذا المشروع.
الغنوشي: المصالحة تتوازى مع العدالة الانتقالية
على الجانب الآخر أكد رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ثاني أكبر أحزاب الائتلاف الحاكم في تصريح خاص لـ"عربي بوست" أن قانون المصالحة "سيمرر في مجلس الشعب مع احتمال القيام ببعض التنقيحات وأضاف أن الائتلاف الحاكم يحظى بأغلبية نيابية واسعة في البرلمان وبمقدوره أن يمرر أي قانون في البلاد لاسيما اذا كان ينصب في مصلحة الشعب ومنسجم مع الدستور".
وأضاف الغنوشي أنّ قانون المصالحة ينسجم مع قانون العزل السياسي الذي أسقطته النهضة سابقاً، وهو ما يؤكد حسب قوله إن التوجه السياسي العام هو ضد الانتقام وضد الإقصاء وضد أخذ الثأر من أي جهة مشدداً على أن ذلك لن يتم على حساب العدالة الانتقالية، وأضاف "نحن مع المحاسبة لكن قانون المصالحة يجب أن يأخذ طريقه بالتوازي مع العدالة الانتقالية".
بلحاج حميدة: "من غير المعقول أن يتحمل رجالات بن علي وزر منظومة كاملة من الفساد"
ترى النائبة في مجلس الشعب عن حزب "نداء تونس" بشرى بلحاج حميدة أنه من غير الممكن ولا المعقول الاستمرار في المحاسبة والمسائلة مع وجود أشخاص من نظام بن علي لا يزالوا موقوفين في السجن دون توجيه أي تهم لهم، وآخرون ممنوعون من السفر في ظل حاجة الدولة لهم على المستوى الاقتصادي.
وتضيف "من غير المعقول أن يتحمّل بعض رجال الأعمال ووزراء سابقين في عهد بن علي وزر منظومة كاملة من الفساد كانت قائمة".
وشددت على أن قانون المصالحة يسعى إلى الضغط على هؤلاء لإعادة الأموال الموجودة بذمتهم و"هذا في حد ذاته يعد عقوبة لهم" على حد تعبيرها.
واعتبرت بلحاج حميدة أن رجال الأعمال الذين ستشملهم المصالحة تعرضوا طوال الأربع سنوات الماضية إلى عمليات ابتزاز متكررة مما يجعل المضي في المصالحة هو الحل الأمثل للجميع.
وحول قرار المعارضة النزول للشارع اعتبر النائبة عن نداء تونس أن هناك قانون في البلاد ينظم التظاهر واستطردت "نحن مع ذلك نوجه دعوة لهم للجلوس على طاولة الحوار حتى تكون مصالحة شاملة تشمل كل أطياف الوطن.
يذكر أن الباجي قائد السبسي رئيس الجمهورية التونسية عرض مشروع قانون المصالحة الوطنية في المجال الاقتصادي والمالي لدى إشرافه على اجتماع مجلس الوزراء يوم 14 يوليو المنصرم ويضم هذا المشروع 12 فصلاً ويقترح إحداث لجنة صلح تتعهد بالنظر في المطالب التي يتقدم بها المعنيون بمسألة المصالحة ومن المنتظر أن ينظر مجلس نواب الشعب في مشروع هذا القرار مع بداية شهر سبتمبر.
شاهد رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي يعرض مشروع قانون المصالحة الوطنية المثير للجدل على مجلس للوزراء.
رئيس الجمهورية يعرض مشروع قانون المصالحة الوطنية لدى إشرافه على مجلس الوزراء
Posted by الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية التونسية on Tuesday, July 14, 2015