لاقت حزمة القرارات الإصلاحية التي اتخذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للقضاء على الفساد المالي والإداري بالبلاد قبولا شعبيا، والتي جاءت إثر موجة تظاهرات اجتاحت مدن العراق، فيما لم يخف عراقيون مخاوفهم من أن تصبح تلك القرارات مجرد حبر على ورق.
وثيقة الإصلاح السياسي التي طرحها العبادي والتي تشمل إلغاء مناصب نواب رئيسي الجمهورية والوزراء، وتقليص أعداد الحمايات الخاصة لكل المسؤولين، وإيقاف الامتيازات الخاصة، إلى جانب بنود أخرى خرج مئات المواطنين في عدد من المحافظات تأييداً لها، مطالبين بإجراءات مكمّلة.
وعلى المستوى السياسي أبدت معظم الكتل السياسية تضامنها مع توجهات العبادي، إلا أن رئيس الجمهورية فؤاد معصوم ونائبه إياد علاوي طالبا رئيس الوزراء بالتزام الدستور خلال خطوات تصحيح مسار حكومته، وعدم تجاوز صلاحياته القانونية والتركيز على مكافحة بؤر الفساد.
فيما اعتبر محللون سياسيون إصلاحات العبادي خطوة ًذكية نقل من خلالها الكرة من ساحة (الحكومة) إلى ملعب الكتل السياسية في مجلس النواب، الذي التأم هو الآخر سريعا وأقر الوثيقة بالإجماع.
"عربي بوست" تحدثت إلى العراقيين عن قرارات العبادي وعن آمالهم وأحلامهم في عراق خال من الفساد الحكومي، وتحسين الخدمات المتردية، والنهوض بالاقتصاد العراقي الذي يعاني كساداً غير مسبوق.
إقالة الفاسدين وملاحقتهم
بشغفٍ كبير يَنتَظِرُ "علي العزام" الذي يعيش في بغداد رؤيةَ المسؤولين الفاسدين وكلَ من ساهم في سرقة أموال الشعب خلف قضبان العدالة، وهو لا يُنكرُ جرأة وشجاعة قرارات الإصلاح، ولكنَّ العبادي في نظره مطالبٌ بمزيدٍ من الاجراءات الصارمة لمحاسبة المقصرين وتقديمهم للقضاء والضرب بيد من حديد على مافيات الفساد.
ويطالب "العزام" بألا تبقى هذه القرارات مجرد حبر على ورق، مشيرا إلى أن العبادي يمتلك فرصة لم ينالها سلفه كونه يحظى بتفويض من الشعب والمرجعية الدينية معا.
"حسن البدير" حقوقي من مدينة النجف طالب أيضا رئيس الحكومة حيدر العبادي ومجلسَ النواب بفتح تحقيق ٍعاجل ٍوحقيقي ٍفي ملفاتِ فسادِ الحكومات التي تعاقبتْ منذ عام 2003 وحتى الآن.
ويدعو البدير بشكل خاص لفتح ملفات وزارة الكهرباء والوزارات والمؤسسات الخدمية المرتبطة بشكل مباشر بحياة المواطن، ومحاكمة المختلسين وكل من يثبت تورطه في التطاول على المال العام وعدم الاكتفاء بالإقالة التي ستكون بمثابة المكافأة بالنسبة إليهم.
توقعات بتمييع المطالب.. وتهديدات بالتظاهر
رغم مصادقة مجلس النواب العراقي على الحزمة الأولى من قرارات العبادي إلا أن الشكوك لا تزال تراود نسبة ليست بالقليلة من العراقيين، فيما يتعلّق بجدية الكتل السياسية في الامتثال لمطالب الشارع ومحاولاتها امتصاص غضب المتظاهرين، واستيعاب الصدمة والمراهنة على عنصر الوقت لتمييع الوعود وتبديدها.
"حسن شريف" من مدينة كربلاء لا يخفي تخوّفه من إمكانية تجاهل الكثير من بنود وثيقة الإصلاح لأنها في نظره غيرُ كافية لكبح جماح ذوي المصالح الحزبية.
ويؤكد شريف على ضرورة إصدار حزمة متكاملة من القرارات التي تحفظ حقوق الشعب من العابثين، لافتا إلى أن التظاهر هو خيار الجماهير في حال تغافلت الحكومة مطالب العراقيين.
عيوب في النظام السياسي
ويصف المحلل السياسي "فؤاد الفحام" من النجف النظام السياسي الحالي بـ"المعاق" معتبرا أنه "قُنبلةٌ موقوتة" أُريد لها أن تُدّمر العراق في أي لحظة لكونه "أي النظام السياسي" لمْ يَمنحْ رئيسَ الحكومة صلاحياتٍ كاملة وفق الدستور تسمح له اتخاذ تدابير مكافحة الفساد والقضاء عليه.
مشيرا إلى أن قلة صلاحيات رئيس الوزراء قد تُعطي إجابة للتساؤلات عن سبب تأخّر العبادي في حملته الإصلاحية.
ويستبعد "الفحام" بنبرة يغلُب عليها التشاؤم أن تُبصر قرارات العبادي النور لأنها ستصطدم بـ "حيتان السياسة"، والذين ستتعطل مصالحهم فيما لو طبق أي مشروع يكافح الفساد.
المحلل سياسي "محمد الخزعلي" يعتقد أن التدهور الكبير الذي وصلت إليه مجمل مؤسسات الدولة وانعدام الخدمات الأساسية وغياب الأمل بعراق معافى عوامل برمتها دفعت آلاف العراقيين للخروج بثورة شعبية ضد الفساد وشجّعتهم على تفويض العبادي "بدعم غير مسبوق من المرجعية الدينية" ومنحه رخصة ًفي إصدار حزمة قرارات يعتقد البعض أنها خارج صلاحياته الدستورية.
أمنيات تحققت
وكان من جملة ما دعا إليه العراقيون وبإلحاح إصدار قرار يمنع المسؤولين والوزراء وذوي الدرجات الوظيفية العليا من السفر خارج البلاد لحين انتهاء القضاء متمثلاً بالادعاء العام العراقي من التحقيق في ملفات الفساد، وهو مطلب سرعان ما استجابت إليه الحكومة، حيث أصدر مجلس الوزراء لائحة بأسماء المسؤولين المحظورين من السفر حتى إشعار آخر.