في إحدى المقابر الواقعة وسط مدينة غزة، وبين شواهد القبور تجد ألواحاً من الصفيح وبعض الخرق البالية هي بكل بساطة جدران بيت غزواي أجبرته ظروفه وفقره على جمع بقايا الأشياء هذه وتحويلها منزلاً.
الشاب خميس كحيل في الثلاثينات من عمره يعيش حالة فقر اشتدت وطأتها بعد أن أصيب خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة صيف 2014 بشظايا الصواريخ فتقطعت بعض أوتار يده اليسرى والتي حدّت دون خروجه لالتقاط رزقه من هنا وهناك لأنه لم يعد يقوى على الحمل والرفع والعمل.
إنّ الصور التي التقطناها أبلغ من وصف حالته الصعبة ملابس منشورة على القبور، وما يسمى مطبخ إحدى زواياه قبر وسقفه فرشة بالية، أوانيه قديمة ورثها خميس عن آبائه أما الحمام فكل زاوية في المقبرة حمام لهم.
شواهد القبور لعبة الأطفال المفضلة!
يقضي عمر ومحمد ولمى ويسرى ولميس وفاطمة أطفال خميس الستة ليلهم ونهارهم بين شواهد القبور حيث يلعب الأطفال لعبة الغميضة وهي أشهر اللعب عندهم، كما يقول أحد أطفاله لـ "عربي بوست" مشيراً إلى أنها من ألعابه المفضلة، حيث يختبئ الإخوة عن بعضهم خلف القبور، وإن جاعوا فالحاويات المجاورة للحائط الشرقي للمقبرة هي المقصد يقصدونها مهرولين يفتشون في الأكياس ويأخذون ما يجدون يأكلون ويعاودون اللعب والركض فوق القبور، وما أن تغيب شمس النهار حتى يجر كل واحد منهم فرشته التي نشرت فوق القبور ويضعها بين ألواح الصفيح وينام.
"كل من فوق التراب تراب، دع الخلق للخالق" كلمات بدأ بها الشاب الغزي خميس حديثه لـ "عربي بوست" مؤكداً أنّ "الفقر والمرض وغياب المسؤولين أجبره على العيش وأطفاله في المقبرة الممتلئة بالزواحف والعقارب" مضيفاً "حياتنا بالمقبرة ومماتنا رح يكون في المقبرة".
وتابع "طرقت باب عدد من الجمعيات الموجودة في غزة إلا أنهم طردوني وجمعيات أخرى لم تنظر في وضعي ولم أرجع لهم لأنني لا أسمح أن تهان كرامتي، أنا لست إسرائيلياً أنا فلسطيني قتلني الفقر ولست حزيناً على نفسي إنما حزين على أطفالي ومستقبلهم ".
80 دولار للفقراء الأوفر حظاً
تقطن عدد من العوائل الفلسطينية في عدد محدود من المقابر في قطاع غزة، منها مقبرة وسط المدينة وأخرى شمال قطاع غزة لجأت تلك العوائل للسكن في المقابر في ظل انعدم وجود سكن لها وعدم قدرتها على الإيجار.
تمكنت بعض تلك العوائل التي سحقها الفقر بعد جهد وعناء ومواظبة على دق باب مكاتب الشؤون الاجتماعية على الحصول على مساعدات بسيطة من وزارة الشؤون الاجتماعية لا تتجاوز 80 دولار في الشهر الواحد لعائلة مكونة من خمسة أفراد وفق برنامج وضعته الوزارة للأسر الأشد فقراً في القطاع المحاصر خاصة وأن هناك نسب عالية ومخيفة للفقر والبطالة تنتشر في القطاع.
ومن جهتها تقول وزارة الشؤون الاجتماعية أنّ نسبة من يستفيد من برامج المساعدات المقدّمة من جانبها في قطاع غزة في زيادة، وأنّ عدد المستفيدين من البرنامج 115900 أسرة، منهم 77000 أسرة في قطاع غزة بمعنى أنّ نسبة الاستفادة في غزة أعلى منها في الضفة الغربية.
ووفقاً لجهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني فإن نسبة الفقر والبطالة في قطاع غزة ارتفعت إلى 60% بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع صيف 2014 بسبب تدمير الاحتلال لعدد كبير من المنشآت الصناعية التي خلفت آلاف العاطلين عن العمل.