يخطئ البعض حين يتصور أن العلاقة بين الدين والحياة هي علاقة تضاد، بمعنى أن الدين لا يضع ضمن أولويات الإنسان الاهتمام بالدنيا ولا بعمران الأرض أو التمتع بطيب العيش، لأن الله الواحد الأحد القائل في كتابه الكريم" :وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، هو الذي حث على عمارة الكون أيضًا، عندما استخلف آدم في الأرض: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة"، "ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" ، "قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق"، "فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور"، وغيرها من آيات تلزم الإنسان بضرورة أن يكون فاعلاً وليس خاملاً، متوكّلاً وليس متواكلاُ، وفي الحديث النبوي "إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها".
لكن لا يمكننا إنكار وجود بعض الإشكاليات الناجمة عن الفهم الخاطئ للدين في الأساس، ولا أبالغ حين أقول إن هناك زلزالاً حدث في نظرة الناس للدين وما يتضمنه من مفاهيم، تسبب في هزة عنيفة للبعض، فصار هناك من يشكك في أمور كثيرة تتعلق بالدين، وانتشر الإلحاد كنتيجة فقدان البعض إيمانه بالكلية، في المقابل تفشت موجة العنف بين طوائف تدعي انتماءها للدين، وهي أبعد ما تكون عنه مثل "داعش"، وأراقت الكثير من الدماء باسم الإسلام، ما كان سببًا في تشويه صورته على غير الحقيقة.
بينما نراقب محاولات واضحة لنسف تراث المسلمين وهدم الدين، تحت غطاء تجديد الخطاب الديني، على الرغم من أنها أبعد ما تكون عن هذا الهدف الذي لا يختلف عليه اثنان، بينما يقف الكثير من الناس "المذبذبين" في مناطق الحيرة والتشكك، لا يدرون لهم وجهة ولا يعرفون لهم سبيلاً.
وهو ما يفرض سؤالاً جوهريًا: ما دور الدين في حياتنا؟، إذ المفروض أن دور الدين في الحياة يجيب عن أسئلة العصر ويلبي احتياجات المجتمع
فلابد أن نعترف بشجاعة أن هناك خللاً، لأن الصورة الحالية المقدمة للتدين لا تلبي احتياجات المجتمع ولا تجيب عن أسئلة العصر، ولأن هناك فجوة بين فهم الدين وبين العصر الحالي، ظهرت نتيجة انعدام تفاعل الدين مع الحياة المعاصرة، فأصبح مثل الدواء الذي نزعنا منه المادة الفعالة، ثم نقول: إن الدواء لا يؤثر.
فقد أخذت الحياة تتطور بسرعة مذهلة، دون أن تواكبها محاولات للتجديد في الدين، فأدى ذلك إلى حدوث فجوة كبيرة تقدر بـ 70عاماً على الأقل، لأن الدين لا يجيب على أسئلة العصر الآن، فلو ذهبت إلى أي مكتبة إسلامية وسألت: ما آخر كتاب يباع بكثرة في فروع الفقه والتفسير والحديث؟ ستجد كتاب "فقه السنة"، تفسير "في ظلال القرآن"، رغم وجود إشكاليات فيه، بالإضافة إلى كتاب "رياض الصالحين"، وهي كلها كتب ألفت من 70 عامًا أو أكثر.
في حين أنك لو سألت: ما آخر تطبيق للكمبيوتر أو المحمول؟ فسيكون الرد: 2015
ما الحل إذن؟
الحل في التجديد، الذي يجعل الدين يساير الحياة ويواكب العصر خطوة بخطوة، من دون أن ينسف الثوابت لدى المسلمين، فلا يجوز بأي حال المساس بالأمور قطعية الثوابت في القرآن، بينما توجد هناك مساحات واسعة جداً للاجتهاد والتطوير، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "يبعث الله على رأس كل مائة عام من يجدد لها أمر دينها".
من أين نبدأ؟
البداية تكون من الحياة وليس الدين، من خلال التعرف على مشكلات العصر الحالي، على أن نعرض رؤية الدين تجاهها، لنتوصل إلى إجابات حولها، وهو ما فعلناه في مشروع " الإيمان والعصر"، لمعرفة أهم الأسئلة التي تشغل الشباب في العالم العربي، عن طريق اختيار عينة تمثل 450شابًا في 4دول هي: مصر ـ السعودية ـ المغرب الأردن) من شباب وفتيات في سن المراهقة وفي العشرينات، يمثلون اتجاهات فكرية مختلفة وميولاً وطبائع مختلفة، منهم المتدينون والملحدون، بينهم شباب طموح وآخر يعاني من البطالة.
وطلبنا من هؤلاء طرح الأسئلة التي تشغل اهتماماتهم في مجالات الحياة المختلفة ذات العلاقة بالدين، وتم حصر الأسئلة في 100سؤال، تمحورت جميعها في قضايا كبرى، مثل الأخلاق، القرآن، الحديث، المفاهيم السلبية في الحياة.
وكان أهم تلك الأسئلة:
• لماذا خط التدين في العشرين سنة الأخيرة كان في ارتفاع بينما خط الأخلاق كان في هبوط؟ أليس من المفروض أن يسمو التدين بالأخلاق، فلماذا يتدين الناس ولا تتحسن أخلاقهم؟
• وإذا كان القرآن يقول "ولقد يسرنا القرآن للذكر"، فأين التيسير والشباب لا يفهمه أصلاً، وهل القرآن كتاب للحياة أم للموت يقرأ على الأموات فقط؟
• كيف يدعو الدين للإسلام بينما يمارس القتل باسمه، كما تفعل "داعش" من خلال الاستدلال بآيات الجهاد في القرآن؟
• لماذا زاد الإلحاد حتى وصل إلى بيوت المتدينين أنفسهم؟
• لماذا لم يحارب القرآن الفقر الذي هو سبب أساسي لانهيار الأمم كما حارب المعاصي والذنوب، ما أوجد عقلية كسولة ترضى بالبطالة، وترضى بالفقر باسم الدين؟
• لماذا توجد بعض المفاهيم الإسلامية التي صارت تخدر الناس بعد أن نزعت منها المادة الفعالة؟
كل هذه الأسئلة تدل على الفجوة بين الدين والحياة، وقد حاولنا الإجابة عليها من خلال مشروع "الإيمان والعصر"، وسيكون لنا وقفات معها في مقالات لاحقة بإذن الله.