السؤال الإيراني

لست ممن يعتقدون بقوة إيران، لا أظنها حتى الآن قوية بما فيه الكفاية، ورغم حضورها الكبير في المشهدين الإقليمي والدولي، إلا أن حجم التناقضات في بنية الدولة وتركيبتها وهويتها كبيرة ومعقدة للغاية، كيف يمكن لأمة أن تنهض بشكل حقيقي وهي تحت رحمة المرشد الإله، الشخص (والمؤسسات) الذين يتربعون على هرم السلطة دون مبرر بشري ومنطقي.

عربي بوست
تم النشر: 2015/07/26 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/07/26 الساعة 09:55 بتوقيت غرينتش

لست ممن يعتقدون بقوة إيران، لا أظنها حتى الآن قوية بما فيه الكفاية، ورغم حضورها الكبير في المشهدين الإقليمي والدولي، إلا أن حجم التناقضات في بنية الدولة وتركيبتها وهويتها كبيرة ومعقدة للغاية، كيف يمكن لأمة أن تنهض بشكل حقيقي وهي تحت رحمة المرشد الإله، الشخص (والمؤسسات) الذين يتربعون على هرم السلطة دون مبرر بشري ومنطقي، وكل ما يملكون من شرعية تتلخص في تمثيل القوة الإلهية على الأرض والتعبير عنها، والنيابة عن غائب لا يعرفه أحد في الدنيا، بمن فيهم الذين ينوبون عنه، حقيقته وتاريخ ظهوره وصدق الروايات التي تتحدث عنه، مع كامل احترامي وتقديري للمعتقدات ومن يؤمن بها، وكل ما يقوم به هؤلاء الذين يحكمون البلاد استغلال الدين بأبشع طريقة في الحياة الدنيوية، وهذا لن يستمر، كل عقل في هذا الكون يكتسب موقفاً رافضاً يوماً بعد لهذه الفكرة، لا أحد (سوى القليل) في إيران وخارجها يتكيف مع هذا الوضع، والوقت كفيل بنقض هذا الواقع.

لكل دولة دين، وهو حاضر في الخلفية لدى شعوب الأرض وأنظمتها قاطبة، لكن ما يجري في إيران هو إقحام الدين، بل تصور خاص من الدين، بشكل فج في الحياة اليومية والسياسة الداخلية والخارجية، في دولة متعددة القوميات والمذاهب، ومهما كانت الغلبة لطيف واحد في البلاد، فإن أبناء هذا الطيف ينفرون من هذا الجبر والتشكيل على هوى المتنفذين، وهو ما شهدناه في الثورة الشعبية الخضراء، التي وإن لم يكتب لها النجاح في ذلك الوقت، فإن لها موعداً بعد النتائج الكارثية لحكم المحافظين، والنتائج الجيدة التي يحققها الإصلاحيون في كل مرة يتولون فيها دفة القيادة، ولو جزئياً، وما الاتفاق النووي الأخير، وما سيتبعه من نتائج متوقعة، إلا رافعة منتظرة لهذا التيار الإصلاحي الأقرب للتوجهات الليبرالية، والبعيد عن فكرة الدولة الدينية المذهبية وشعاراتها وخطابها وسياساتها.

ومع ذلك كله، فإن أحدا لا ينكر تمظهرات القوة الإيرانية اليوم، ونفوذها الكبير في بلادنا العربية، من العراق إلى سوريا، الدولتين الأهم في المشرق العربي، ولبنان واليمن، وهذا ما يزعجنا نحن العرب بشكل عام، ونحن في الخليج على وجه الخصوص، وهذا النفوذ ليس مناقضاً للفكرة التي لا ترى إيران بما فيه الكفاية، فهو نفوذ في الفراغ العربي الكبير الذي سببه العرب بأنفسهم، وعبر مشاريعهم الاستبدادية الساقطة والتي على وشك السقوط، ومن هذا المنطلق، ما يعنينا على وجه التحديد هو مواجهة إيران، هذا هو الموضوع الأكثر إلحاحا في المنطقة اليوم، كيف نهزم إيران؟

أزعم أني أملك وصفة ناجعة لهزيمة إيران بشكل سريع، لكن قبل ذلك، وكما تحدثت كمتابع ومراقب عن وهم القوة الإيرانية، وعن اعتقادي الكبير بمخاطر وتحولات كبيرة ستشهدها إيران، إن أرادت بجدية التحول لدولة حديثة وقوية بالشكل الصحيح، وهذا ما أظن معظم الإيرانيين يتوقون له، قبل ذلك أتساءل: هل علينا التفكير والانشغال والرغبة بهزيمة إيران؟ في تقديري أن الإجابة لا، لو كانت الأمور على نحو طبيعي، لكنها ليست كذلك، إيران الحالية دولة شيعية تلعب دورا ًكبيراً في عالمنا العربي، وهو سني في الغالب، والحالة السنية ليست طائفية في الأحوال الاعتيادية، لم يكن غالب الناس لديه مشكلة حقيقية مع حكم عائلة الأسد العلوية، ولا مع القيادات التاريخية الشيعية في العراق، ولا مع حضور المسيحين البارز في بلاد الشام، المشكلة حين يتعرض غالبية الناس للاضطهاد في هذه البلدان، ويشعرون، أو يُصوَّر لهم، أن حالة أقلوية متماسكة تتآمر عليهم، وتأتي دولة إقليمية جارة مثل إيران لتقوم بدور الرعاية والدعم، وينطلق مسلسل القتل والاضطهاد والتهجير ومحاولات تغيير التركيبة الطبيعية في هذه البلاد، ويستيقظون على حزب لله شيعياً، وعلى حكومة عراقية شيعية ملحقة بإيران، وعلى نشاط متمرد في اليمن يحظى بالرعاية والدعم من الجمهورية الشيعية الجارة لهم، هنا على وجه التحديد، ينظر غالبية الناس لإيران على أنها عدو، ويفكرون بجدية في الرغبة بكسرها وهزيمتها.

هذا هو حال إيران السيء اليوم، أما مواجهتها وهزيمتها في بلادنا فطريقهما يسير للغاية، كل ما علينا فعله مخالفة السلوك الإيراني، فقط لا غير، لا نحتاج لعبقرية في هذا الخصوص، كانت إيران الشاه مستبدة تقبع تحت قبضة الشاه، وشرطياً مخلصاً لأمريكا، هل يذكركم هذا بشيء! نعم، علينا ألا نكون على هذا النحو، الاستبداد والتبعية المطلقة للغرب وصفة للانهيار والسقوط، هذا ما حدث مع إيران الشاه في عام 1979، لم يُسقط الخميني والثورة الشعبية نظام الشاه، أسقطَ هو نفسه بخياراته الداخلية والخارجية، هل نحتاج خوض هذه التجربة أم الاعتبار منها، طريق الاستبداد والتفرد بالحكم والتبعية المطلقة للغرب ومخالفة الرأي العام المحلي، والتخلي عن هموم الناس وقضاياهم وميولهم وانتماءاتهم تفضي لنفس الطريق، وعلينا ألّا نسير فيه إطلاقا، يجب أن نتوقف، ماذا أيضا في الوصفة السحرية لهزيمة إيران، الطائفية، هذه الكلمة المفتاحية في اختلال التكوين الإيراني، وهو ما يجب أن نتلافاه في حالتنا العربية، وفي المشرق العربي على وجه الخصوص، لدينا تعددية واضحة، أديان ومذاهب وأعراق، ولا يمكن الحديث بلغة النقاء والغالبية الفئوية، لغة المواطنة والمساواة هي القفل الوحيد للباب الذي تدخل منه إيران وغيرها إلى بلادنا، هل هذا مستحيل؟

تفوق الإيرانيون باعتزازهم بقوميتهم، واعتمادهم على أنفسهم في لحظات الحصار الصعبة، ليس كل ما في إيران سيء، هذا أمر يجب أن نقتدي به، المشوار الذي قطعته بلاد فارس في تقوية نفسها وإدراك نقاط قوتها واعتمادها الخيار الشعبي أمر لافت، والوصفة السحرية لهزيمتها تستوجب اتباع طريقها في هذا المسار، إنها خطوة ملحة في مواجهة إيران وغيرها، ولا يمكن التغافل عنها، لم يعد لدينا طاقة على التفاهات وتحويل المجتمعات إلى حقل لتجارب المستبدين الصغار منهم والكبار، المنطقة تشهد تحولاً كبيراً، وأخطاراً كثيرة، وهذه أمة حية تحتاج إلى رؤية ومشروع وعمل حقيقي، لكن من يستمع!.

تحميل المزيد