دخلت الحكومة الفرنسية الأربعاء 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022 في "تصادم" مع نقابة عمال النفط الذين صوّتوا لصالح مواصلة تحركهم الاحتجاجي في تحدٍ لحكومة باريس، وسط أزمة طاقة تعيشها فرنسا منذ أسابيع بسبب حرب روسيا على أوكرانيا.
فرنسا التي كانت تترقب الأزمة مع بدء حرب روسيا على أوكرانيا للخروج منها بأقل الأضرار، تواجه أزمة داخلية مع تمرد عمال النفط على حكومة ماكرون والدخول في احتجاجات مفتوحة بوقت حساس، حسب ما نشرته وكالة الأنباء الفرنسية.
طوابير بالساعات للحصول على الوقود
وتسبب التحرك النقابي المطالب بزيادة الأجور، في شل ست من سبع مصافٍ للوقود في فرنسا؛ ما أدى إلى نقص في البنزين والديزل فاقمه تهافت السائقين على شراء هذه المواد، وسط تواصل حالة من الشلل في كامل أنحاء البلاد. وجهت الحكومة الفرنسية أوامر لبعض عمال مصافي النفط بالعودة إلى مواقع عملهم للمرة الأولى في محاولة لكسر إضراب أدى إلى نقص في البنزين والديزل، لكن عمال مصافي النفط المضربين صوّتوا لصالح مواصلة تحركهم الاحتجاجي.
وأصبح الفرنسيون مضطرين إلى الاصطفاف في طوابير لساعات طويلة أمام محطات الوقود، مع استمرار إضرابات عمال مستودعات الوقود.
وزارة الانتقال في قطاع الطاقة قالت لوكالة الأنباء الفرنسية إن الأمر إلى العمال "الذين لا غنى عنهم لعمل" مستودع الوقود التابع "لإيسو-إكسون-موبيل" في مصفاة في غرافانشون-بور-جيروم شمال فرنسا "سيبدأ اليوم" وهناك أربع مصافٍ أخرى لمجموعة "توتال إنيرجيز".
يأتي ذلك فيما تشهد البلاد منذ أسابيع عدة إضرابات في مصافي التكرير ومستودعات الوقود بدعوة من النقابات العمالية التي تطالب بزيادة في الأجور.
فيما تواجه أكثر من 20% من محطات الوقود الفرنسية مشكلات في الإمدادات منذ مطلع الأسبوع الجاري، بعدما تسببت الإضرابات في تعطيل العمليات في أربع من مصافي التكرير الرئيسية في البلاد، وسيواجه العمال الذين يرفضون تلبية الاستدعاء، دفع غرامة أو حكماً بالسجن.
النقابات تتحدى الحكومة
في المقابل، صوّت عمال مصافي النفط الفرنسية المضربون الأربعاء لصالح مواصلة تحركهم الاحتجاجي، في تحدٍ للحكومة التي تسعى لاستئناف ضخ الإمدادات وشل التحرك النقابي المطالب بزيادة الأجور، لست من سبع مصافٍ للوقود في فرنسا؛ ما أدى إلى نقص في البنزين والديزل فاقمه تهافت السائقين على شراء هذه المواد.
كانت حكومة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي اليمينية قد فعّلت السلطات نفسها في 2010 سعياً لكسر إضراب في المصافي.
وكانت الكونفدرالية العامة للعمل (سي جي تي) اليسارية التي تقود الإضرابات، قد أعلنت في وقت سابق أن أي استدعاء سيكون "غير ضروري وغير قانوني"؛ ما أثار احتمالات تقديم طعون قانونية.
واعتبرت النقابة الاستدعاء "خياراً للعنف"، مضيفة أنه سيدفع بالنقابة إلى تعليق "مشاركتها في اجتماعات مع الحكومة وقادة قطاع الأعمال خلال هذه الفترة".
وامتنعت الحكومة لغاية الآن عن تأجيج النزاع، لكنها تدرك في نفس الوقت الاستياء المتزايد والضرر الاقتصادي الناجم عن انتظار السائقين لساعات لتعبئة سياراتهم بالوقود.
وقال سائق يُدعى سنتياغو لوكالة الأنباء الفرنسية في باريس إن "النفط مهم جداً بالنسبة لنا. الأسبوع الماضي كان كابوساً".
تأتي الأزمة في فرنسا على وقع ارتفاع حاد في أسعار الطاقة والتضخم، وفيما تسببت الأرباح الطائلة التي حققتها "توتال إنيرجيز" بتصاعد الغضب ودعوات لفرض ضريبة استثنائية على مجموعة الطاقة.
وتريد نقابة "سي جي تي" زيادة الأجور بنسبة 10% لموظفي "توتال إنيرجيز".
أزمة وسط أزمة
ويمكن لهذه الأزمة أن تضيف زخماً لمسيرة تعتزم أحزاب سياسية يسارية تنظيمها الأحد رفضاً لسياسات الرئيس إيمانويل ماكرون والارتفاع الكبير في كلفة المعيشة.
وقالت النائبة عن حزب الخضر ساندرين روسو لإذاعة فرانس إنفو الأربعاء: "آمل أن تكون هذه شرارة إضراب عام".
ويسعى ماكرون إلى المضي قدماً في إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل بنهاية الشتاء، على الرغم من تحذيرات بعض الحلفاء من مخاطر الإضرابات والمظاهرات.
وتوعدت النقابات العمالية والأحزاب السياسية اليسارية بالسعي لعرقلة الإصلاح الذي سيرفع سن التقاعد من 62 حالياً إلى 64 أو 65 للغالبية.
روسيا تضغط بورقة الطاقة
ويشار إلى أنه منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا لوّحت موسكو بورقة الغاز والنفط، وفي وقت سابق حذر نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندرنوفاك، من أن أسعار النفط قد تقفز فوق 300 دولار للبرميل، إذا حظرت الولايات المتحدة وأوروبا واردات الخام من روسيا، في وقت شهد فيه العالم ارتفاعاً بأسعار النفط هو الأعلى منذ 14 عاماً على وقع الحرب الأوكرانية.
نوفاك قال، في بيان نقلته وكالة "تاس" الروسية، إن رفض الغرب للنفط الروسي سيؤدي إلى عواقب كارثية للسوق العالمية، وأضاف المسؤول الروسي في بيانه: "القفزة في الأسعار سيكون من المتعذر التنبؤ بها، سيصل (السعر) إلى 300 دولار للبرميل إن لم يكن أكثر".
وفي 24 فبراير/شباط الماضي، أطلقت روسيا عملية عسكرية في أوكرانيا، تبعتها ردود فعل دولية غاضبة وفرض عقوبات اقتصادية ومالية "مشددة" على موسكو.
ويعد هذا الهجوم الروسي هو الأكبر على دولة أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية، وينذر بتغيير نظام ما بعد الحرب الباردة في أوروبا.