جاء عقد القمة بين الشيخ محمد بن زايد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبرغ في توقيت شديد الحساسية، ويثير تساؤلات، حول هل هدف زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا هو إطلاق وساطة إماراتية بين موسكو والغرب أم أنها تمثل امتداداً لجهود أبوظبي لتعزيز علاقتها مع وإشعار برفضها الاستجابة لعزل موسكو كما يريد الغرب.
وجاءت زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا بعد قرار أوبك + (التي تضم دول أوبك إضافة لروسيا) بخفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يومياً الذي أثار غضب الغرب، حيث اعتبره الكثيرون خطوة من شأنها أن تساعد بوتين في تمويل حرب روسيا في أوكرانيا. كما سيؤدي خفض الإنتاج إلى المخاطرة بتعرض الرئيس الأمريكي جو بايدن والديمقراطيين لغضب الناخبين من ارتفاع أسعار البنزين قبيل حلول انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي.
وأشاد الرئيس الروسي لدى استقباله الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في سانت بطرسبرغ، اليوم الثلاثاء، بالعلاقات بين البلدين باعتبارها مهمة للاستقرار الإقليمي والعالمي، كما أشاد بجهود الوساطة الإماراتية التي ساعدت في حل بعض القضايا الإنسانية الحساسة في أوكرانيا، حسب تعبيره.
وقال بوتين إنني أدرك رغبتك في المساهمة في تسوية جميع القضايا المتنازع عليها، بما في ذلك الأزمة الحالية في أوكرانيا.
وأشار بوتين إلى دعم آل نهيان لقرار مجموعة أوبك، قائلاً إن قراراتنا وإجراءاتنا ليست موجهة ضد أحد، بل تهدف لضمان الاستقرار في أسواق الطاقة العالمية لجعل مستهلكي موارد الطاقة وأولئك الذين يتعاملون مع الإنتاج والإمدادات يشعرون بالهدوء والاستقرار والثقة، وللمساعدة في تحقيق التوازن بين العرض والطلب.
تم تحديد موعد زيارة الإمارات مسبقاً، وفقاً للإعلام الإماراتي، وهذا يعني أن أبو ظبي يمكن أن تجادل بأن هذه مجرد زيارة عادية؛ لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها مرتبطة بقرار أوبك+ تقليل إنتاج النفط.
وتتمتع أغلب دول الخليج عادة بعلاقات إيجابية مع موسكو ومالت للابتعاد عن انتقاد الغزو الروسي لأوكرانيا، ودعت بدلاً من ذلك إلى حل دبلوماسي للصراع.
وفاجأت الإمارات العربية المتحدة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا حلفاءها الغربيين عندما امتنعت عن التصويت على مشروع قرار صاغته الولايات المتحدة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.
وحافظت الإمارات العربية المتحدة على علاقات تجارية وثيقة مع روسيا وامتنعت عن الانضمام إلى العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون على تحرك موسكو في أوكرانيا.
الإمارات وأمريكا وروسيا.. علاقة مركبة
والإمارات هي حليف وثيق للغرب في منطقة الخليج، ولكنها عززت السنوات الماضية علاقتها بالصين وروسيا؛ مما أثار بعض القلق في الدوائر الغربية.
واشترت الإمارات أسلحة من روسيا، وكانت تفكر في شراء طائرات سوخوي لفترة، ولكن يعتقد أنها عدلت رأيها جراء الضغوط الأمريكية وشرائها طائرات رافال الفرنسية، إضافة إلى تقدمها لشراء طائرات إف 35 الأمريكية الشبحية.
وتشابهت مواقف الإمارات وروسيا في كثير من قضايا منطقة الشرق الأوسط، خاصة العداء لتيارات الإسلام السياسي المعتدل، والديمقراطية والربيع العربي، كما أن الإمارات لديها علاقات مع نظام الأسد حليف روسيا هي الأوثق من بين كل دول الخليج.
وكان يعتقد أن الإمارات التي تتمتع بعلاقة وثيقة مع الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق دونالد ترامب لها دور في الوساطة في العلاقة بينه وبين بوتين، في ظل ما يمكن وصفه بتحالف إماراتي وسعودي وثيق مع الجمهوريين، مقارنة بتعقد علاقتهم مع الديمقراطيين، وهو توتر لا يمكن استبعاد أنه له علاقة بقرار أوبك خفض الإنتاج الذي أثار انتقادات حادة من الرئيس الأمريكي جو بايدن، خاصة أنه جاء قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.
وكان جزء من قدرة الإمارات على إقامة علاقة وثيقة مع روسيا بأريحية ودون قلق من الانتقادات الغربية، هو أنها جاءت في سياق العلاقات المثيرة للجدل بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي وصلت لكيل ترامب المديح مراراً لبوتين؛ الأمر الذي قوبل بانتقادات أمريكية داخلية كثيرة.
ولكن الغرب لم يعد يقبل وجود شريك له
غير أنه لأسباب عديدة، أصبحت الولايات المتحدة والغرب أكثر انتقاداً للبلدان التي يبدو أنها ما زالت تحافظ على علاقة وثيقة مع روسيا، ومن المتوقع أن يزداد الأمر تعقيداً بعد ردود الفعل الغربية على الهجمات الروسية الأخيرة على كييف، إضافة إلى التهديدات النووية التي أطلقتها موسكو مؤخراً.
كما ينظر الغرب بغضب لقرار أوبك خفض الإنتاج، ويلقي بجزء كبير من اللوم في القرار، حسب وجهة نظره، على عاتق دول الخليج لأنها مفترض أنها شركاء موثوقون للولايات المتحدة، في حين أن أعضاء أوبك الآخرين ليسوا جميعاً أصدقاء لواشنطن.
وستتعرض الدول التي تجد نفسها صديقة للغرب وكذلك مع روسيا والصين لضغوط لاختيار جانب في الاستقطاب العالمي المتصاعد.
ويأتي هذا بعد عقود من السياسات الليبرالية الجديدة للعولمة، حيث شجع الغرب المزيد من التجارة مع الصين عندما كان الخبراء الغر بيون يعتقدون أن التجارة ستؤدي إلى تحرير الجوانب الاجتماعية والسياسية. ومع ذلك، لم يحدث هذا، والآن فإن العقود التي قام فيها الغرب بضخ الاستثمارات للصين واستيراد منتجاتها الرخيصة والاعتماد على الطاقة لروسيا آخذة في التحول الآن.
قد يُطلب من دول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى أن تختار جانباً مما سينتج عنه خيارات سياسية حاسمة في الخليج، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
دول الخليج تحاول الحفاظ على صلاتها مع روسيا حتى اللحظة الأخيرة
تظل مصالح دول الخليج بما فيها الإمارات مع الصين أكبر بكثير من روسيا، حيث تمثل بكين المستورد الرئيسي للنفط الخليجي، بينما روسيا منتج منافس، ولكن أثبت التنسيق في مجال النفط بين دول الخليج وروسيا أنه أفضل بكثير من المنافسة.
كما كادت روسيا أن تصبح مصدراً محتملاً لدول الخليج للأسلحة، ولكن هذه النافذة بدأت تغلق حتى قبل حرب أوكرانيا بسنوات، جراء العقوبات الأمريكية على شراء الأسلحة من روسيا.
يجعل هذا التعاون مع روسيا خياراً أقل جاذبية، بالنسبة للدول الخليج باستثناء ملف التنسيق النفطي، ولكن الإمارات تحديداً لديها علاقات وثيقة مع روسيا أكثر من أي دولة خليجية، حيث تعتبر ساحة مفضلة للسياحة الروسية وأصبحت ملاذاً للرأسمالية الروسية الهاربة من العقوبات الغربية.
ويبدو أن دول الخليج ما زالت تقاوم للحظات الأخيرة ضغوط الغرب للابتعاد عن روسيا، وأنها حريصة على إبداء الحياد، وتقديم ذلك عبر بوابة إمكانية قيامها بدور وساطة بين الغرب وموسكو.
فلقد ساعدت المملكة العربية السعودية- إلى جانب تركيا- في التوسط في صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا في أواخر سبتمبر/أيلول، مما زاد من احتمال أن تحاول الرياض القيام بدور وساطة بين الغرب وروسيا. كما استضافت تركيا المحادثات الوحيدة بين روسيا وأوكرانيا، إضافة لتوسطها في إبرام صفقة تصدير الحبوب الأوكرانية، وما زالت تعرض الوساطة بين الغرب وموسكو.
ورفضت الإمارات والسعودية وتركيا تطبيق العقوبات الغربية على روسيا وحافظت على علاقات مع طرفي الحرب.
زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا، هل تمهد لوساطة إماراتية؟
وقالت إلينا سوبونينا، الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط ومقرها موسكو: "لقد أرسل الإماراتيون بدورهم إشارات بأنهم مستعدون للوساطة". إنهم على استعداد لتنسيق هذه الجهود مع السعودية وتركيا، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وقال ناصر الشيخ، المدير المالي السابق لدبي، على تويتر إن حاكم الإمارات سيحاول "نزع فتيل حرب أوروبية" لم يتوقع أحد أن تصل إلى هذا المستوى من التصعيد.
وقالت وزارة الخارجية الإماراتية، في بيان صدر عشية الزيارة، إن "دولة الإمارات على استعداد تام لدعم الجهود الهادفة إلى إيجاد حل سلمي للأزمة في أوكرانيا، مجددة موقفها المتمثل في الدعوة إلى الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي".
وقال الكاتب والأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، إن "رئيس الإمارات هو الزعيم العالمي الوحيد الذي يستطيع توظيف علاقاته العميقة مع الرئيس بوتين لوقف الانزلاق نحو مواجهة نووية مروعة"، مضيفاً أن زيارته إلى موسكو "هي مهمة سلام من أجل أوروبا والعالم ومتسقة مع سعي الإمارات لتحقيق السلام إقليمياً وعالمياً"، حسب تعبيره.
ولكن ليس هناك إشارة إلى مبادرة محددة تحملها زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى الإمارات أو أنه يحمل عرضاً من الغرب لبوتين، فيما أصبحت احتمالات الحرب النووية أكثر من أي وقت مضى منذ أزمة الصواريخ الكوبية في ستينيات القرن العشرين.
وقال آصف شجاع، باحث أول في معهد الشرق الأوسط لشبكة CNBC الأمريكية، إن الرحلة يمكن أن تنزع فتيل التوترات بين روسيا والغرب التي أشعلتها حرب أوكرانيا.
وأضاف: "الإمارات في وضع جيد لمساعدة بوتين على انتزاع الجسر الذهبي للخروج من الحرب، وهو الجسر الذي كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون على استعداد لتمديده لفترة طويلة".
ومع ذلك، كان آخرون متشككين، حيث قالت إيمان ناصري، العضو المنتدب لشركة فاكت غلوبال إنيرجي لاستشارات الطاقة: "يبدو أن الرحلة تحركها دوافع سياسية لأبوظبي بينما يتم الإعلان عنها على أنها جهود الإمارات لإعادة السلام إلى المنطقة".
وأضافت أن الإمارات والسعودية "اللاعبين الرئيسيين في أوبك"، أظهرتا دعمهما لروسيا خلال الأشهر السبعة الماضية بعدة طرق: الالتزام باتفاق أوبك + السابق؛ الاستجابة بطريقة "صغيرة جداً لطلب الولايات المتحدة وأوروبا زيادة الإنتاج في أغسطس/آب؛ كما أن الإمارات تساهم في تخفيف تأثير العقوبات الغربية على روسيا؛ من خلال إعادة تصدير المنتجات البترولية الروسية عبر مدينة الفجيرة الإماراتية، حسب قولها.
في كل الأحوال فإن زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا حتى لو كانت تمثل جهداً للوساطة الإماراتية بين الغرب وروسيا، فسيظل من الواضح أن العالم مقبل على مزيد من الاستقطاب وأن دول الخليج مثلها مثل العديد من دول العالم، سوف تتعرض لمزيد من الضغوط الغربية للابتعاد عن روسيا.
وحتى لو تم الإعلان عن وقف إطلاق النار في أوكرانيا، فإن جهود الغرب لعزل روسيا عن بقية العالم لن تتوقف، وسوف تكون دول الخليج ساحة رئيسية لهذه الجهود.