يعيش في ألمانيا نحو 5.6 مليون مسلم، يمثلون نحو 6.6% من عدد السكان، والعدد الأكبر من الجالية الإسلامية ينحدر من أصل تركي، فكم مسجداً يخدمهم؟ وما أهمية يوم المسجد المفتوح لهم وللمجتمع الألماني؟
يوم المسجد المفتوح في ألمانيا، الذي يوافق 3 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، تَفتح خلاله المساجدُ في أنحاء الدولة الأوروبية أبوابها وتستقبل الزوار من المسلمين وغير المسلمين المهتمين بالتعرف على الدين الإسلامي، ومنذ عام 1997، يفتح حوالي 1000 مسجد في جميع أنحاء ألمانيا أبوابها أمام الجميع.
وخلال يوم المسجد المفتوح هذا العام (2022) رفعت المساجد المشاركة فيه شعار "ندرة الموارد – مسؤولية كبيرة"، في مساهمة فعلية في الظروف الصعبة التي تمر بها ألمانيا، وباقي أوروبا والعالم في حقيقة الأمر، بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا، حيث شملت فعاليات اليوم المفتوح في المساجد التوعية وكيفية التعامل مع تلك الظروف الصعبة.
كم عدد المساجد في ألمانيا؟
كان يوم المسجد المفتوح في ألمانيا قد ارتبط، في عام 2010، بمقولة هامة لا تزال تتردد حتى اليوم، جاءت على لسان الرئيس الأسبق كريستيان فولف، في خطابه بمناسبة الذكرى العشرين لإعادة توحيد ألمانيا؛ حيث قال: "الإسلام الآن ينتمي لألمانيا أيضاً".
وعلى الرغم من أن السنوات التي تلت تلك المقولة قد شهدت الكثير من الأحداث، السلبية والإيجابية، بشأن المسلمين في ألمانيا، فإن الأمر الوحيد الذي ظل ثابتاً هو أن أغلب مساجد البلاد تفتح أبوابها في يوم 3 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، للجميع من مسلمين وغير مسلمين.
أيمن مزيك، رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا (ZMD) قال لشبكة DW الألمانية، معلقاً حول هذا شعار المسجد المفتوح لعام 2022: "يمكن ملاحظة آثار أزمة المناخ في بلادنا وفي أجزاء كثيرة من العالم، كما حدث مؤخراً مع الفيضانات المدمرة في باكستان".
وعانت ألمانيا هذا الصيف من موجات جفاف غير مسبوقة بسبب التغير المناخي، ومصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسببة فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها، ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه.
وكانت الأمطار الغزيرة والفيضانات، التي استمرت منذ منتصف يونيو/حزيران الماضي وحتى أواخر أغسطس/آب، قد أغرقت ثلث مساحة باكستان وقتلت أكثر من 1100 شخص، من بينهم 380 طفلاً، فيما وصفته الأمم المتحدة "بالكارثة المناخية التي لم يسبق لها مثيل".
أما بالنسبة للمساجد، فإنها تنتشر في أنحاء ألمانيا، وإن كان عددها الدقيق لا يزال غير معروف تماماً وتتراوح التقديرات من 2350 إلى 2750 مسجداً. وتشير الأرقام إلى أنه في عام 2019، زار هذه المساجد 24 في المئة من زهاء 5.5 مليون مسلم يعيشون في ألمانيا مرة واحدة على الأقل في الأسبوع، وذلك وفقاً لدراسة أجراها مؤتمر الإسلام الألماني.
لكن هناك العديد من الحقائق التي ارتبطت بالمساجد الموجودة في ألمانيا، ولعل من أبرزها تاريخها المرتبط بتاريخ ألمانيا، وكيفية تواصل الجالية المسلمة بالألمان، ودورها في ربط هذه العلاقات في السلم والحرب.
ألمانيا القيصرية وأول مسجد في ألمانيا
تم بناء مسجد فونسدورف في براندنبورغ في عام 1915 بناء على طلب مفتي إسطنبول ويعتبر أقدم مبنى إسلامي في ألمانيا وكل أوروبا الوسطى. كان المسجد يقع في وسط معسكر لأسرى الحرب المسلمين، ما كان يسمى بـ"معسكر الهلال".
كان المسجد مكاناً للصلاة، لكن الإمبراطورية الألمانية استخدمته أيضاً لإثارة مشاعر السجناء المسلمين ضد القوتين الاستعماريتين (فرنسا وإنجلترا)، وأطلقت الإمبراطورية الألمانية على هذه الخطة وصف "الاستراتيجية الثورية"، حيث أدى الجهاديون الذين دربتهم ألمانيا القَسَم وأرسلوا إلى "الحرب المقدسة" (الجهاد).
لكنَّ السجناء المسلمين هناك تعرضوا أيضاً لسوء المعاملة، حيث تم إجراء مسوحات أنثروبولوجية (عرقية) معهم لأغراض بحثية، وتم إخضاعهم لتسجيلات صوتية، وهو ما قاد في وقت لاحق إلى ما يسمى بـ"البحوث العرقية" للنازيين. ومع بناء مسجد في حي "فيلمرسدورف" البرليني عام 1928، فقد مسجد فونسدورف أهميته وتم هدمه في عام 1930 بعد أقل من 15 عاماً من افتتاحه.
ويُعد المسجد في برلين-فيلمرسدورف أقدم مسجد لا يزال موجوداً في ألمانيا ويذكرنا بقوة بنصب تذكاري مشهور عالمياً من الهند هو تاج محل؛ إذ له مئذنتان يزيد ارتفاعهما عن 30 متراً.
تم تصميم المسجد من قِبَل المهندس المعماري الألماني كارل أوغست هيرمان ليخدم الجالية الإسلامية، وخاصة الطائفة الأحمدية التي جاء أعضاؤها إلى ألمانيا في عام 1920، وأسسوا الجمعية الألمانية الإسلامية بالتعاون مع المسلمين الألمان. وأصبح مسجد برلين فيلمرسدورف مركز الحياة الإسلامية.
في عام 2017، تم افتتاح نوع خاص جداً من دور العبادة الإسلامية في العاصمة الألمانية هو مسجد ابن رشد غوته، وهناك، يصلي الرجال والنساء معاً، ويُسمح للنساء بالوعظ، ولا يُستبعد الأشخاص المثليون، بحسب تقرير DW.
وجاء في موقع المسجد على الإنترنت: "يمثل مسجد ابن رشد إسلاماً تقدمياً معاصراً يتوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان. نحن نعيش إسلاماً يتساوى فيه الرجال والنساء". كما تقول إن جميع طوائف الإسلام مرحب بها: "معنا، نرحب بجميع طوائف الإسلام، يشعر السنة والشيعة والصوفية والعلويون بإحساس بالانتماء إلى مجتمعنا".
سيران أتيش، محامية ومؤلفة وناشطة في مجال حقوق المرأة شاركت في تأسيس مسجد ابن رشد غوته ودفعت ثمناً باهظاً لموقفها المنفتح فهي تتلقى تهديدات بالقتل وتخضع لحماية الشرطة على مدار الساعة.
مساجد الفناء الخلفي
في حين أن المباني الدينية المسيحية في ألمانيا مرئية وظاهرة للعيان وهي تميز مشهد المدينة لكون الغالبية العظمى من القرى بنيت حول كنيسة، إلا أن المساجد هي بالكاد ملحوظة.
إذ إن معظم المساجد لا يمكن التعرف عليها بسهولة من الخارج، وفي كثير من الأحوال تشير علامة فقط إلى وجود مسجد خلف مدخل منزل غير واضح في منطقة سكنية أو خارج مراكز المدينة في منطقة صناعية.
والمصطلح الذي تمت صياغته باللغة الألمانية لمثل هذه المساجد المخفية هو "Hinterhofmoschee" أو "مسجد الفناء الخلفي". في حين أنه مناسب وصفياً، إلا أنه يمكن أن يكون له دلالة تشويه للسمعة.
ويستثنى من ذلك مسجد ديتيب المركزي في حي إيرنفيلد بكولونيا، الذي صممه المهندس المعماري الألماني الشهير "باول بوم" وافتتح في صيف عام 2017، ويتسم هذا المسجد بالحداثة والمهابة والفخامة، وهو مصنوع بشكل رئيسي من الزجاج والخرسانة المكشوفة، وله مئذنتان ترتفعان وسط المنازل المحيطة ويبلغ ارتفاع كل واحدة منهما 55 متراً.
وفي الأصل، كان من المفترض أن يكون هذا الجامع أكبر مسجد في ألمانيا، ولكن بعد انتقادات لخطط البناء، تم تغيير التصميم. واليوم يوفر المسجد مساحة لعدد 1200 مصلٍّ تماماً مثل مسجد ديتيب في حي ماركسلوه في مدينة دويسبورغ.
في البلدان الإسلامية، قبل انتشار مكبرات الصوت، كان عادة ما يصعد المؤذن إلى أعلى المئذنة ويرفع الأذان لدعوة الناس إلى الصلاة، وهو ما يحدث خمس مرات في اليوم، بيد أنه في ألمانيا نادراً ما يسمع فيها صوت المؤذن.
إلا أنه في ألمانيا، معظم المساجد لا تحتوي على مئذنة، وبالإضافة إلى ذلك، هذه الممارسة غير مقبولة على نطاق واسع في المجتمع الألماني؛ إذ إن معارضي رفع الأذان عبر المئذنة يعتبرون ذلك مصدر إزعاج وينتقدون المذهب الديني الذي يعبر عنه؛ لذلك حالياً يتم سماع دعوة المؤذن بانتظام (يوم الجمعة) عبر حوالي مئذنة 30 مسجداً فقط في ألمانيا.