كشف تقرير حديث لمؤسسة فريدريش إيبرت أنه رغم أن الأردن قد طبّق برنامجاً مع صندوق النقد الدولي، وصل الوضع الاقتصادي إلى مستويات منخفضة، لدرجة أنه تسبب في ارتفاع الدين الوطني وعجز مستمر في الميزانية. حدث كل هذا في الوقت الذي انخفض فيه الإنفاق على الحماية الاجتماعية الممنوحة للمواطنين بشكل كبير.
أزمة اقتصادية في الأردن قد تؤدي إلى انفجار شعبي
التقرير الذي جاء بعنوان "غير مكشوف: دور صندوق النقد الدولي في تقليص الحماية الاجتماعية- دراسات حالة من تونس والأردن والمغرب"، يجادل بأن "تعزيز الإنفاق الاجتماعي في الأردن، يتطلب إصلاحاً مالياً قائماً على إعادة تنظيم طويلة الأجل من أجل خفض النفقات".
ينص التقرير أيضاً على أن المواطنين الأردنيين يحصلون على مكافآت اجتماعية (خدمات طبية مجانية، ومنح جامعية، وتوظيف في الخدمة العامة)، مقابل ولائهم للنظام الحاكم، لذلك ستغطي الدولة دائماً هذه الخدمات الاجتماعية لضمان استمرار الدعم السياسي من مواطنيها. ومع ذلك لم تُقدَّم هذه الخدمات الاجتماعية في نظام منظم ومحسوب على أساس الحماية الاجتماعية الشاملة.
لكن هذه الخدمات بحسب موقع Middle East Eye البريطاني لا تطفئ القنبلة الموقوتة لجيش من المواطنين الفقراء والعاطلين عن العمل، الذين يشكلون جوهر حركة اجتماعية تخشى الحكومة الأردنية أن تنفجر في شكل احتجاجات جديدة كما حصل إبان الربيع العربي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية الصادرة عن المجلس الأعلى للإسكان، يعيش أكثر من 15.7% من السكان في الأردن تحت خط الفقر.
قال ليث العجلوني، الباحث الاقتصادي الذي أسهم في تقرير فريدريش إيبرت، لموقع Middle East Eye البريطاني: "شهد الأردن خلال السنوات العشر الماضية تراجعاً واضحاً عن وضعه الاقتصادي. بلغت نسبة الفقراء 24%، في أغسطس/آب 2021، بحسب تقديرات وزارة التخطيط والتعاون الدولي".
وأضاف: "شهدت البطالة أيضاً زيادة ملحوظة، حيث وصلت إلى 22.8% في نهاية الربع الأول من عام 2022. ووصلت إلى 25% قبل عام في الربع الأول من عام 2021".
وهذا التراجع، كما يقول العجلوني، هو "مزيج من العوامل التاريخية والسياسية وعوامل أخرى مرتبطة جميعها بالإدارة المالية والسياسية الحكومية ومرتبطة بإصلاحات صندوق النقد الدولي".
الاستسلام الكامل لصندوق النقد الدولي؟
تعود علاقة الأردن مع صندوق النقد الدولي إلى عام 1989، عندما طلبت عمان مساعدة صندوق النقد الدولي بعد أزمة اقتصادية حادة ضربت البلاد في الجزء الأخير من ذلك العقد، وُقِّعَت الاتفاقية الأولى في ذلك العام بهدف تقليل عجز الحساب.
وأعقب هذه الاتفاقية ست اتفاقيات أخرى حتى "يخرج" الأردن من هذه البرامج لأول مرة في عام 2014. وتُقسَّم اتفاقيات الإصلاح هذه إلى ثلاث مراحل؛ إذ تألَّفت المرحلة الأولى لفترة وجيزة من تحرير القطاع المالي، وحساب رأس المال، ونظام سعر الصرف، والتي بلغت ذروتها في أزمة بنكية مزدوجة وأزمة عملة.
في يناير/كانون الثاني 2020، قبل شهرين فقط من انتشار جائحة كوفيد في الأردن، توصلت السلطات إلى اتفاقية تسهيل التمويل النهائي مع صندوق النقد الدولي. تهدف هذه الاتفاقية في المقام الأول إلى تحسين القدرة التنافسية لبيئة الأعمال وتعزيز النمو الشامل.
على عكس الاتفاقات السابقة، لم تركز هذه الاتفاقية على الإصلاحات المالية، باستثناء معالجة التهرب الضريبي وإصلاح الإدارة الضريبية بهدف تحسين التحصيل.
يجادل معارضو الحكومة الأردنية بأن ما فعلته هذه الحكومة منذ ثمانينيات القرن الماضي تحت عنوان "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، لا يقل عن الاستسلام الكامل لصندوق النقد الدولي والتطبيق المباشر للسياسات الاقتصادية، التي تسببت في فقدان الدولة لحقوقها في المؤسسات الحكومية، التي بيعَت للقطاع الخاص.
قال الخبير الاقتصادي فهمي الكتوت لموقع Middle East Eye: "عندما استجاب الأردن لضغوط صندوق النقد الدولي، طبق سلسلة من السياسات الاقتصادية والمالية النيوليبرالية التي تسببت في نتائج ركود اقتصادي أثرت على الفقراء وبعض قطاعات الطبقة الوسطى في المجتمع".
ركزت هذه القرارات على إلغاء الدعم وزيادة الضرائب المباشرة مع فتح التجارة الخارجية وإزالة القيود الجمركية وخفض الإنفاق الحكومي على الخدمات. وتضمنت الإجراءات إزالة أي حماية على المنتجات المحلية وترك القطاع الخاص يدير الاقتصاد. وأُلغِيَت القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي وتحرير الأسواق المالية، مع إزالة الدعم عن البنود الهامة وبيع الشركات المملوكة للحكومة.
الأردن لم يفعل شيئاً سوى زيادة اعتماده على القروض
يقول أحمد عوض، مدير المرصد العمالي (مرصد العمل الأردني)، إن "سياسات صندوق النقد الدولي زادت من اعتماد الاقتصاد على القروض والمنح الخارجية، بينما فشلت في ضمان استقلال الاقتصاد الأردني، وأضعفت قدرة الإنتاج المحلي لمختلف القطاعات".
يقول عوض إنه في عامي 2007 و2008، أنتج الاقتصاد الأردني 70 ألف وظيفة جديدة، بينما انخفض في عام 2015 إلى 48 ألف وظيفة، وفي عام 2019 فقط 35 ألف وظيفة جديدة. وهذا من شأنه أن يفسر استمرار الزيادة في البطالة، والتي وصلت إلى 24.1% في عام 2021. وبلغت النسبة بين الشباب الذكور 48.5%.
يعتقد وزير المالية السابق محمد أبو حمور أن العديد من العوامل غير سياسات صندوق النقد الدولي كان لها دور في تراجع الاقتصاد.
قال لموقع Middle East Eye: "البيئة والدول المحيطة بالأردن، والربيع العربي، والجائحة، والحرب الروسية الأوكرانية، ووقف المنح الخليجية، كلها عوامل تضر بالاقتصاد الأردني".
وأضاف: "كانت المساعدات الخليجية تساعد في التنمية، حيث كنا قادرين على إنفاق المزيد والحفاظ على العجز عند معدل مقبول مع صندوق النقد الدولي. وأدت السياسات الضريبية للحكومة إلى تقليص الأموال الموجودة في جيوب الناس".
وتابع قائلاً: "إحدى المشكلات التي نواجهها هي أننا لا نشجع الاستثمار ونقوم باستمرار بتعديل قانون الاستثمار. أتت الحكومة بإصلاحات اقتصادية، لكن هذه الخطط غالباً ما تنتهي عند استبدال الحكومة. مشكلتنا هي عدم استمرارية خططنا الاقتصادية".
يتحدث تقرير فريدريش إيبرت عن فشل الحكومة في معالجة المشكلة الضخمة المتمثلة في التهرب الضريبي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم. ويشير التقرير إلى تقديرات رسمية بأن الأردن يخسر 1.128 مليار دولار سنوياً، بسبب التهرب الضريبي، وهو ما يمثل 17% من عائدات الضرائب السنوية.