فرص حدوث ركود اقتصادي عالمي تصل إلى 98% في الوقت الراهن، حسبما أفات شركة Ned Davis الأمريكية للأبحاث.
توصف شركة Ned Davis بأنها رائدة في مجال التحليلات الاقتصادية، إذ لم تسجل الشركة احتمالية ركود مرتفعة بهذه الدرجة سوى في مناسبتين فقط من قبل: عام 2008 وعام 2020.
وتضفي توقعاتها مزيداً من التشاؤم حول الاقتصاد العالمي.
أسباب فرص حدوث ركود اقتصادي عالمي
وخلال الأسبوع الماضي، دقت شخصيات بارزة، من رئيس منظمة التجارة العالمية (WTO) إلى الاقتصادي الأمريكي الحائز على جائزة نوبل بول كروغمان، ناقوس الخطر بشأن احتمال حدوث انكماش عالمي.
في استطلاع نشره المنتدى الاقتصادي العالمي ومقره سويسرا، يوم الأربعاء الماضي، قال 7 من كل 10 مشاركين في عينة من 22 اقتصادياً بارزاً في القطاعين الخاص والعام إنهم يعتقدون أن الركود العالمي كان محتملاً إلى حد ما، على الأقل في عام 2023.
ويبني الاقتصاديون تقييماتهم على مجموعةٍ متنوعة من المؤشرات عندما يخرجون للتحذير من الانكماش الاقتصادي، تقرير لشبكة CNN الأمريكية، عرض خمس مؤشرات رئيسية تظهر أننا نتجه إلى حدوث ركود عالمي، وأسباب هذا الركود وتداعياته.
إصرار واشنطن على تقوية الدولار يعني أن الأمريكيين سيصبحون أغنياء والآخرين فقراء
يلعب الدولار الأمريكي دوراً متضخماً في الاقتصاد العالمي والتمويل الدولي. وأصبح الدولار الآن أقوى من أي وقت مضى في العقدين الأخيرين.
ويرجع السبب ببساطة إلى الاحتياطي الفيدرالي، حسب تقرير شبكة CNN الأمريكية.
إذ تزداد جاذبية الدولار للمستثمرين حول العالم حين يرفع البنك المركزي الأمريكي أسعار الفائدة، كما بدأ يفعل منذ مارس/آذار.
ويُعتبر الدولار الأمريكي بمثابة ملاذ آمن لحفظ أموالك وسط أي مناخ اقتصادي عادي. بينما يصبح لدى المستثمرين دافع أكبر لشراء الدولار، وخاصةً في صورة سندات الحكومة الأمريكية، عندما يضطرب المناخ الاقتصادي بسبب جائحة عالمية أو حرب في شرق أوروبا مثلاً.
وربما يمثل الدولار القوي ميزةً رائعة للأمريكيين المسافرين خارج البلاد، لكنه يمثل صداعاً في رأس جميع الشعوب الأخرى تقريباً.
حيث تراجعت قيمة الجنيه الإسترليني، واليورو، واليوان الصيني، والين الياباني، والعديد من العملات الأخرى. مما يزيد تكلفة استيراد السلع الأساسية مثل الغذاء والوقود داخل تلك الدول.
ولهذا تضطر البنوك المركزية في تلك الدول لرفع أسعار الفائدة أكثر وبسرعة، من أجل الحفاظ على قيمة عملاتها في ظل مواجهتها للتضخم الناتج عن الجائحة أيضاً.
تراجع الاستهلاك في السوق الأمريكية بسبب التضخم وسياسات الاحتياط الفيدرالي
يعتبر التسوق بمثابة المحرك الأول للاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم. لكن المتسوقين الأمريكيين أصابهم التعب.
إذ بدأ نشاط المستهلكين في التراجع بعد مضي أكثر من عامٍ على ارتفاع أسعار كافة السلع تقريباً، بينما لا تواكب الأجور هذا الارتفاع.
وقال غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في EY Parthenon، خلال مذكرةٍ يوم الجمعة 30 سبتمبر/أيلول: "تؤدي الصعوبات الناجمة عن التضخم إلى إنفاق المستهلكين من مدخراتهم". وأوضح داكو أن معدل الادخار الشخصي لم يتغير، في أغسطس/آب، وظل قريباً من أدنى مستوياته المسجلة منذ عام 2008 باستقراره عند 3.5% فقط، وهو رقم أقل بكثير من معدلات ما قبل كوفيد المسجلة عند نحو 9%.
ويرجع السبب بنسبةٍ كبيرة إلى الاحتياطي الفيدرالي أيضاً.
حيث ارتفعت أسعار الفائدة بوتيرةٍ تاريخية لترفع معها معدلات فائدة الرهن العقاري لأعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد، وتزيد صعوبة نمو الشركات. ومن المفترض أن تؤدي سياسة الاحتياطي الفيدرالي لخفض التكاليف على نطاق واسع في النهاية. لكن المستهلكين يستقبلون اللكمة تلو الأخرى في الوقت الحالي، بسبب ارتفاع فوائد الإقراض والأسعار، خاصةً بالنسبة للخدمات الأساسية مثل الغذاء والإسكان.
تراجع أرباح الشركات الكبرى، ها هي أبل تخفض إنتاج آي فون 14
ازدهرت الأعمال في مختلف الصناعات طوال حقبة الجائحة تقريباً، رغم أن التضخم التاريخي استنزف جزءاً من الأرباح. ويرجع الفضل هنا إلى إصرار المتسوقين الأمريكيين الذين مكّنوا الشركات من تمرير جزء كبير من ارتفاع التكاليف إلى المستهلكين، لترفع الشركات هوامش أرباحها.
لكن طفرة الأرباح قد لا تدوم.
إذ خرجت علينا، في منتصف سبتمبر/أيلول، شركة ضخمة تعتبر ثرواتها بمثابة مؤشر اقتصادي، ووجهت تحذيراً صادماً للمستثمرين.
حيث أعلنت شركة FedEx الأمريكية المتخصصة في خدمات النقل، والتي تعمل في أكثر من 200 دولة، عن مراجعة صادمة لتوقعاتها. وحذرت من تراجع الطلب واحتمالية انخفاض الأرباح بأكثر من 40%.
وليست شركة FedEx بمفردها هنا؛ إذ انخفضت أسهم عملاق التكنولوجيا Apple يوم الثلاثاء، 27 سبتمبر/أيلول، بعد تقريرٍ لوكالة Bloomberg الأمريكية حول إلغاء الشركة لخطط زيادة إنتاج أجهزة آيفون 14؛ لأن الطلب جاء أقل من المتوقع.
بينما اعتاد أصحاب الشركات زيادة توظيف العمالة الموسمية مع اقتراب موسم الأعياد، لكن يبدو أنهم يتجهون لتوخي الحذر أكثر في الوقت الراهن.
والأسهم تتراجع
تتعرض وول ستريت للضرب بالسياط، بينما تتجه الأسهم حالياً لتسجيل عامها الأسوأ منذ 2008.
لكن الوضع كان مختلفاً للغاية في العام الماضي. حيث ازدهرت أسواق الأسهم عام 2021، وشهد مؤشر إس وبي 500 مثلاً صعوداً بنسبة 27% بفضل السيولة النقدية التي ضخها الاحتياطي الفيدرالي.
واستمرت البهجة حتى مطلع عام 2022، لكن تأثير التضخم بدأ يظهر، فاضطر الاحتياطي الفيدرالي لرفع معدلات الفائدة وتفكيك آلية شراء السندات التي كانت تدعم السوق.
وكان تأثير هذه الخطوات قاسياً؛ إذ هبط مؤشر إس وبي 500 بنحو 24% خلال العام الجاري. وينطبق الأمر ذاته على المؤشرات الأمريكية الثلاثة الكبرى، التي هبطت بـ20% على الأقل خلال السوق الهبوطية الحالية.
كما أدى التضخم، والرفع الحاد لأسعار الفائدة، إلى خفض أسعار السندات؛ ما تسبب في ارتفاع عائدات السندات بالتبعية.
وارتفعت عائدات السندات الأوروبية أيضاً لأن بنوك أوروبا المركزية تحذو حذو الاحتياطي الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، وذلك بهدف دعم عملاتها الخاصة.
ويمكن القول إنه لا وجود للكثير من الملاذات الآمنة التي يمكن للمستثمرين حفظ أموالهم فيها خلال الوقت الحالي. ومن المستبعد أن يتغير الوضع الراهن حتى نسيطر على التضخم العالمي وحتى تخفف البنوك المركزية قبضتها.
شح الطاقة بسبب حرب أوكرانيا مع أزمة الجنيه الإسترليني
يتجلى تصادم الكوارث الاقتصادية مع نظيرتها المالية والسياسية بصورةٍ مؤلمة داخل المملكة المتحدة أكثر من غيرها.
إذ عانت المملكة المتحدة من ارتفاع الأسعار الناجم بصورةٍ كبيرة عن صدمة كوفيد-19، على غرار بقية دول العالم، متبوعاً بتعطيل التجارة نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا. ثم ارتفعت أسعار الطاقة وانكمشت الإمدادات مع توقف الغرب عن استيراد الغاز الطبيعي الروسي.
ولا شك أن هذه الأحداث كانت سيئة بما يكفي في حد ذاتها.
لكن رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة ليز تراس خرجت الأسبوع الماضي لتعلن عن خطة شاملة لخفض الضرائب من أجل تشجيع الإنفاق والاستثمار. وتكمن المشكلة في أن خفض الضرائب يتطلب من الحكومة الاستدانة من أجل تمويل هذه التخفيضات.
وأثار الخبر حالةً من الذعر في أسواق المال، ووضع رئيسة الوزراء في مواجهةٍ مع بنكها المركزي المستقل، بنك إنجلترا. وباع المستثمرون حول العالم سندات المملكة المتحدة بشكلٍ جماعي. فانخفض سعر الجنيه الإسترليني أمام الدولار إلى أدنى مستوياته منذ 230 عاماً، أي منذ عام 1792 عندما أعلن الكونغرس الأمريكي عن تحويل الدولار إلى عملةٍ رسمية.
وجهز بنك إنجلترا خطة تدخل طارئة لشراء سندات المملكة المتحدة يوم الأربعاء، 28 سبتمبر/أيلول، وإعادة النظام للأسواق المالية. وربما خففت هذه الخطوة من النزيف الحالي، لكن تداعيات الاضطراب الاقتصادي الذي أحدثته سياسة ليز الاقتصادية ستمتد إلى خارج حدود مكاتب متداولي السندات.
أوروبا من سيئ لأسوأ
خارج الولايات المتحدة لا تقدم الرياح الاقتصادية المعاكسة سبباً كبيراً للتفاؤل.
قالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) مؤخراً إنه من المتوقع أن تشهد ألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، وهي 3 من أكبر اقتصادات أوروبا، ركوداً طويلاً العام المقبل، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى مشكلات إمدادات الطاقة الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تنمو منطقة اليورو بنسبة 0.3% فقط في عام 2023، ما يشير إلى أن العديد من اقتصادات الكتلة ستكون في حالة ركود طوال فترات العام.
هل تكون أسوأ من أزمة عام 2008 المالية؟
ولكي نعلم إلى أي مدى يخيف سيناريو تكرار الأزمة المالية العالمية الاقتصاديين في العالم، فيجب الإشارة إلى أنه في الولايات المتحدة فقط أدت الأزمة المالية العالمية عام 2008 إلى فقدان 8.8 مليون وظيفة، وارتفعت نسبة البطالة إلى 10% بحلول نهاية 2009، وتبخرت 19.2 تريليون دولار من ثروات الأسر، وانخفضت أسعار المساكن بنسبة 40% في المتوسط، بل زادت عن ذلك في بعض المدن الأمريكية، وانخفض مؤشر ستاندرد أند بورز S&P 500 بنسبة 38.5% عام 2008، واختفت 7.4 تريليون دولار من قيمة الأسهم بين عامي 2008-2009، أو 66200 دولار لكل أسرة أمريكية في المتوسط.
يسود الإجماع حول احتمالية حدوث الركود العالمي خلال عام 2023، لكن من المستحيل التنبؤ بمدى حدته أو بفترة استمراره، حسب الشبكة الأمريكية.
ولن تكون كل حالات الركود مؤلمة بقدر الركود الكبير الذي شهدناه بين عامي 2007 و2009. لكن المؤكد هو أن كل حالات الركود مؤلمة بالطبع.
وستنجح بعض الاقتصادات في تحمل الضربة أفضل من غيرها، مثل الولايات المتحدة بسوق عملها القوي ومستهلكيها المرنين.
إذ قال خبراء الاقتصاد في المنتدى الاقتصادي العالمي خلال تقريرهم، الأسبوع الجاري: "سنبحر في المجهول خلال الأشهر المقبلة. وتبدو التوقعات الفورية للاقتصاد العالمي والكثير من شعوب العالم سوداوية. وستختبر هذه التحديات مرونة الاقتصادات والمجتمعات، فضلاً عن خسائرها البشرية المؤلمة".
لكن الخبراء أشاروا لوجود بعض الجوانب المشرقة، حيث تجبرنا الأزمات على إحداث تحولات يمكنها تحسين مستويات المعيشة، وجعل الاقتصادات أقوى بنهاية المطاف.
وأوضحت ريما باتيا، المستشارة الاقتصادية في بنك الخليج الدولي: "يجب أن تتغير الشركات. وهذا هو بيت القصيد منذ بدأت الجائحة. لم يعد في مقدور الشركات أن تواصل على نفس النهج الذي كانت تسلكه. وهنا تكمن الفرصة، وهنا يكمن النصف الممتلئ من الكوب".