لم تتوقف الانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين من عشرات السنوات، وتنوعت ما بين القتل والتهجير والاستيلاء على المقدسات الدينية، وليس آخرها الاستيلاء على المنازل الفلسطينية في مدينة القدس، وهو ما يحاول الفلسطينيون جاهدين مقاومته، مهما كانت الضغوط، وبشتى الطرق الممكنة.
أسرتان فلسطينيتان، أقدمتا اليوم الخميس 19 يوليو/تموز، على هدم منزلين عاشتا فيهما منذ نحو 20 عاماً، وقالتا إن هدمهما أفضل من انتقال مستوطنين إسرائيليين للعيش فيهما.
وخلال ساعتين، هدمت حفارتان ميكانيكيتان الأسطح والجدران والأرضيات، للمبنيين الواقعين في بيت حنين، وهي قرية على مشارف القدس الشرقية، على أراضٍ احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967، ثم ضمّتها في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي.
وقال جهاد شوامرة (50 عاماً)، وهو سائق سيارة أجرة، إنه بنى منزله الذي يضم ست حجرات عام 2000، وإن زوجته السابقة فوزية وأطفالهما الستة، وأقاربهم، كانوا يقيمون فيه حتى اليوم الخميس.
وأضاف: "بنعيش فيه تقريبا 17 نفر من العيلة موجودين جواته… بنيت كل شيء في جواته، وعملت كل شيء حواليه".
ويأتي الهدم بعد معركة قانونية طويلة. وقضت المحكمة العليا الإسرائيلية، في يناير/كانون الثاني، بأن الأرض التي أقيم عليها المنزلان مملوكة ليهود منذ عام 1974، وأن الوثائق التي قدمتها الأسرتان الفلسطينيتان مزورة.
ودفعت الأسرتان بأنهما اشترتَا الأرض بنية خالصة، ويعتقد أفراد الأسرتين أنهم الملاك الحقيقيون لها.
وقال شوامرة، في حين تعمل الحفارة على الهدم "طبعاً مش سهل، طبعاً مش سهل، يعني شيء صعب جداً جداً جداً إنك أنت تهد بيتك بإيدك. بس الأهون عليّ إن أنا أهدّه أنظف من أني أشوف واحد زي هدا عراب الاستيطان ييجي يفوت جوا البيت ويقعد في جواته وأظلني أشوف، أتعذب طول عمري وأشوف بني آدم قاعد في جواته زي هدا".
ونشر صندوق أرض إسرائيل، وهو منظمة غير ربحية هدفها المعلن هو "تمليك كل أراضي إسرائيل للشعب اليهودي" إعلاناً على موقعه الإلكتروني، بعد قرار المحكمة الصادر منذ ستة أشهر "لأربع أسر مثالية"، مستعدة للانتقال للمنزلين.
وقال أريه كينج، مدير المنظمة لرويترز، إنه ليست هناك خطط فورية لبناء جديد. وقال إن الأرض باعها ملاكها الإسرائيليون الأصليون لمشترين إسرائيليين لم يحددهم.
وتعتبر أغلب الدول النشاط الاستيطاني على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 غير قانوني، وترفض إسرائيل ذلك.
والاستيطان في القدس مسألة أكثر حساسية، إذ يريد الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لدولتهم المستقبلية، في حين تعتبر إسرائيل القدس بشقيها عاصمة لها، وهو زعم لم يحظ بدعم دولي.
وقال شوامرة إن الهدم تكلف 30 ألف شيكل (8200 دولار)، وإنه رفض عروضاً مالية من مستوطنين ليترك المبنى قائماً.
ووقف أصدقاء وجيران وأفراد الأسرتين يراقبون بأسى الغبار المتصاعد في الهواء على تلة في بيت حنين.
وبكت زينات أبو الرميلة (62 عاماً)، جارة شوامرة، وهي جالسة بجوار المنزل الآخر الذي يجري هدمه في خيمة قالت إن السلطة الفلسطينية، التي تمارس حكماً ذاتياً محدوداً في الضفة الغربية، قدمتها لهم.
وقالت إنها لم تستطع مشاهدة الهدم، وأضافت باكية "كنت خائفة بالطبع، لكننا لم نكن نتصور أن يحدث ذلك".
ولا تتوقف إسرائيل عن هدم منازل الفلسطينيين
وفي مارس/آذار 2018، ذكر تقرير نشره "مركز أبحاث الأراضي" بالقدس، أن الاحتلال الإسرائيلي هدم 5 آلاف منزل فلسطيني بذريعة عدم الترخيص منذ عام 1967، وهجّر الآلاف من سكان مدينة القدس.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل هدمت أكثر من 1700 منزل في المدينة المقدسة بين عامي 2000 و2017؛ ما أدى إلى تهجير نحو 10 آلاف فلسطيني.
وقبل حرب 1948، تسبب الاحتلال الإسرائيلي في تهجير أكثر من 67 ألف مقدسي، ونحو 30 ألفاً بعدها، في حين هَجَرَ المدينةَ نحو 70 ألف فلسطيني في عام 1967.
وكشف التقرير أن الاحتلال الإسرائيلي هدم 39 قرية تابعة للقدس، وهجَّر نحو 198 ألفاً من سكانها عام 1948؛ إذ لم تتوقف سياسة الهدم والمنع من البناء إلى يومنا هذا.
وعلى مدار سنوات الاحتلال، انحسرت الأراضي المتاحة للفلسطينيين في القدس من أجل البناء، وارتفعت تكاليف الترخيص لتصل إلى نحو 30 ألف دولار للمسكن الواحد.
وأكد المركز في تقريره، أن السكان الفلسطينيين في القدس بحاجة إلى 2000 وحدة سكنية سنوياً، مشيراً إلى أن نحو نصف المقدسيين، البالغ عددهم نحو 380 ألف نسمة، يعيشون في مساكن غير مرخصة.