في أواخر ستينيات القرن الماضي، أشرف مهندس إيطالي يُدعى "جورجيو روزا"، على بناء منصة خرسانية بمساحة 400 متر في المياه الدولية، بجوار سواحل ريميني في إيطاليا، تكوّنت هذه المنصة من مجموعة غرف للإقامة ومطعم وملهى ومكتب بريد، وما يشبه حلبة رقص ضخمة.
لكن الأغرب في ذلك هو أن جورجيو روزا أعلن تلك المنصة البحرية، دولة مستقلةً، وأخذ من اسمه روزا اسماً لدولته الجديدة التي سماها "جمهورية جزيرة روز" وقام بإصدار علمٍ لها ودستور، وعيّن حكومة تحكمها!
المهندس جورجيو روزا المتمرد الذي أراد صناعة دولة وحده
ولد "جورجيو روزا" في مايو/أيار 1925، في مدينة بولونيا الإيطالية، وحصل على شهادة الهندسة الميكانيكية عام 1950، وعمل أيضاً مستشاراً ومحاضراً في الهندسة الميكانيكية.
عاش جورجيو روزا حياة متمردة، إذ لم يكن معنياً بالقواعد والقوانين التي تسير بها إيطاليا، حاول والده كثيراً إدراجه في نظام القوانين والمجتمع، فزاد ذلك من تمرده، وكان يشعر دائماً أنه أسيء فهمه، بحسب tellerreport.
في عام 1958، جاءت إلى جورجيو روزا فكرة مجنونة، تتماشى مع أفكاره المتمردة، والراغبة في الحرية، تتمثل الفكرة في إنشاء روزا لدولته الخاصة.
بعد التحدث مع أستاذ القانون الدولي في جامعة بولونيا، أدرك جورجيو أنه يمكنه بسهولة تحقيق مشروعه، وذلك ببناء دولته في منطقة لا تخضع لقوانين أي دولة.
جاءت الفكرة لجورجيو أن يبني دولته الجديدة على البحر، وذلك على بُعد أميال قليلة خارج المياه الإقليمية الإيطالية.
بعد جمع البيانات وإجراء عمليات تفتيش لا حصر لها عن الموقع الذي يحمل أركان دولته، اختار جورجيو روزا أخيراً، نقطة تقع على بعد 11.612 كيلومتر قبالة ساحل ريميني الإيطالي كموقع لدولته، كانت في الواقع تلك النقطة بعيدة بنحو 500 متر فقط عن المياه الإقليمية الإيطالية.
إنشاء المهندس الإيطالي جورجيو روزا جزيرة روز
استخدم جورجيو روزا، تسعة أنابيب فولاذية ضخمة مجوفة من الداخل بطول 26 متراً لبناء جزيرته، مثّلت هذه الأنابيب الركائز المتينة التى ستحمل المنصة الخرسانية بمساحة 40 متراً.
قام جورجيو روزا بتفريغ الخرسانة المسلحة داخل الأنابيب الفولاذية، ممّا جعلها مستقرة وقوية جداً، ولها القدرة على حمل المنصة البحرية التي ستشكل الدولة الجديدة لروزا.
استغرق أمر تشييد الدولة الجديدة لجورجيو روزا، ما يقرب من 10 سنوات، كانت خطة بناء المنصة البحرية، الحاملة لدولة روزا بأكملها خاضعة لظروف الطقس والبحر، ناهيك عن المشاكل التي تسببها سلطات الموانئ الإيطالية.
في عام 1967، اكتمل المشروع أخيراً، وكانت النتيجة بناء منزل من الخرسانة المسلحة على مساحة 400 متر مربع فوق المياه الإقليمية الدولية المتخمة لإيطاليا.
قام المهندس الإيطالي جورجيو روزا بتسجيل إنشائه للمنصة البحرية التي تحمل دولته، وكانت بمثابة بمثابة براءة اختراع، لكونها سلطت الضوء على طريقة أرخص بكثير لبناء قاعدة في الماء مقارنةً بمنصات النفط، فقد استخدم روز الخرسانة والخشب والفولاذ لبناء منصة تطفو على المياه بمساحة 400 متر بحسب موقع engineering.
افتتحت الجزيرة الجديدة أمام الجمهور للمرة الأولى في 20 أغسطس/آب عام 1967، وذلك بعد 10 سنوات من العمل الشاق.
جمهورية جزيرة روز.. الدولة التي استمرت 55 يوماً!
في الأوّل مايو/أيار 1968، أعلن المهندس الإيطالي جزيرة روز جمهورية مستقلة منفصلة تماماً عن إيطاليا.
اختار جورجيو روزا الإسبرانتو كلغة رسمية، وقام مع أصدقائه أيضاً بكتابة دستور للدولة المبتكرة، وإنشاء هيكل حكومي كامل من أربع وزارات هي، وزارة المالية ووزارة الشؤون الداخلية، ووزارة التجارة، ووزارة العلاقات الخارجية، واختاروا قطعة من فيلم "The Flying Dutchman" لريتشارد واغنر كنشيد وطني لها.
شيئاً فشيئاً، قام المهندس جورجيو روزا بتجهيز دولته المجهرية بخدمات مختلفة، قام ببناء ملهى، ومتجر للهدايا التذكارية، ومكتب بريد يصدر طوابع خاصة بجمهورية جزيرة روز، وقام أيضاً بتحديد عملة وطنية خاصة بالجزيرة تسمى الطاحونة كما نصّب نفسه رئيساً لها.
وعلى الفور، أصبحت جمهورية جزيرة روز منطقة جذب سياحي لآلاف الأشخاص من حول العالم. سرعان ما لفتت هذه الشعبية المتزايدة لجزيرة روز انتباه الحكومة الإيطالية، التي طالبت على الفور بتفكيك المنصة.
كانت السلطات الإيطالية تخشى من حدوث أنشطة غير قانونية في الجزيرة، بما في ذلك تحولها لمحطة للغواصات الروسية التي تتجسس على البلاد من تحتها.
تزامن ظهور الدولة الجديدة سنة 1968م، مع الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت إيطاليا، الأمر الذي زاد من شعبية جمهورية جزيرة روز كثيراً.
بحسب موقع Weirditaly، استمرت هذه الدولة الجديدة 55 يوماً فقط، فقد أعلنت الحكومة الإيطالية في 25 يونيو/حزيران 1968، الحرب على جزيرة روز!، كانت تلك الحرب هي أوّل حرب تخوضها إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية. استغرق الأمر من إيطاليا محاولتين لتدمير المنصة بالمتفجرات، رغم ذلك لم تنجح في إنهائها كلياً، فقد سلّم أمر تدمير نهاية جزيرة روز إلى عاصفة بحرية غمرت جزيرة جورجيو روزا تحت الماء.
في غضون ذلك، أصبحت هذه القصة الإيطالية قضية دولية، فقد قررت الأمم المتحدة نقل حدود المياه الإقليمية من 6 إلى 11 ميلاً بحرياً بعيداً لمنع تكرار حوادث مشابهة! بحسب myitaliandiaries.
توفي جورجيو روزا عام 2017 عن عمر يناهز 92 عاماً، بينما جسدت قصة تأسيسه جمهورية جزيرة روز، في فيلم من إنتاج منصة "نتفليكس" سنة 2020 تحت عنوان "Rose Island".