روسيا توجّه “صفعة” جديدة لفرنسا في إفريقيا.. قصة انقلاب بوركينافاسو وفتح الباب أمام فاغنر

عربي بوست
تم النشر: 2022/10/03 الساعة 14:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/10/03 الساعة 14:24 بتوقيت غرينتش
داميبا، قائد الانقلاب السابق في بوركينافاسو، قد استقالته، بعد الانقلاب الجديد/ رويترز

شهدت بوركينافاسو، إحدى مستعمرات فرنسا السابقة، انقلاباً أطاح برئيس المجلس العسكري الحاكم، ورحبت روسيا بما حدث، فما قصة "الانقلاب على الانقلاب" التي تعتبر تكراراً كربونياً لما حدث في مالي؟

كانت مجموعة من ضباط الجيش في الدولة الإفريقية، الواقعة في غرب القارة، قد أعلنت، الجمعة 30 سبتمبر/أيلول الماضي، عبر التلفزيون الرسمي، إقالة اللفتنانت كولونيل داميبا، رئيس المجلس العسكري الحاكم، وحل الحكومة والمجلس التشريعي ووقف العمل بالدستور، وحظر التجول وغلق الحدود.

وسبق ذلك إطلاق عيارات نارية في المنطقة التي تضم مقر الرئاسة في العاصمة واغادوغو، وتجدد إطلاق النار في اليوم التالي، ما خلق شعوراً بعدم اليقين، في ظل تردد الأنباء عن لجوء داميبا إلى القاعدة الفرنسية في العاصمة.

هل حسمت استقالة داميبا الأمر في بوركينافاسو؟

كان داميبا نفسه قد قام بانقلاب في يناير/كانون الثاني، أطاح خلاله بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري، الذي فشل في احتواء العنف الجهادي في البلاد، ليفقد الجيش البوركيني السيطرة على نحو 40% من أراضي الدولة.

وهو تقريباً نفس ما حدث في مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة أيضاً، أو ما يعرف بأنه "انقلاب على الانقلاب"، بحسب وصف الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه.

إذ كانت مالي قد شهدت انقلاباً في أغسطس/آب 2020، أطاح خلاله العسكريون بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، وتم تنصيب مجلس انتقالي يدير البلاد وصولاً إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية كانت مقررة في 2022، لكن في مايو/أيار 2021، قام الكولونيل آسيمي غويتا -كان يشغل منصب نائب الرئيس الانتقالي- باعتقال الرئيس باه نداو ورئيس الوزراء مختار وان، وتم احتجازهما في قاعدة عسكرية، ليمسك بمقاليد الأمور في البلاد.

وفي بوركينافاسو، استقال اللفتنانت كولونيل داميبا، الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، بعد يومين من التوتر تخلله خروج مظاهرات مناهضة لفرنسا، ليبدو أن الأمور في طريقها إلى الاستقرار لصالح قادة الانقلاب الجديد بزعامة الضابط الشاب تراوري.

لم يصدر أي بيان من قبل داميبا مباشرة، لكن زعماء دينيين ومجتمعيين قالوا إن داميبا نفسه قدم استقالته "من أجل تجنب المواجهات ذات العواقب البشرية والمادية الخطيرة"، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.

وقالوا إن داميبا وضع 7 شروط للتنحي، بما في ذلك ضمان أمنه، والاتفاق على مواصلة جهود المصالحة الوطنية والاحترام المستمر لضمان العودة إلى الحكم المدني في غضون عامين. والانقلاب الأخير هو التاسع الذي تشهده بوركينافاسو منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960.

الانقلاب العسكري في مالي/ تعبيرية، رويترز

وكان داميبا يرفض إقالته من قبل تراوري، بينما خرجت مظاهرات مؤيدة لقائد الانقلاب الجديد، البالغ من العمر 34 عاماً، لكن، على إثر وساطة بين المعسكرين تولاها مسؤولون دينيون ومحليون، "اقترح الرئيس بول هنري داميبا بنفسه أن يقدم استقالته لتجنب مواجهات ذات تداعيات إنسانية ومادية خطرة"، على ما ذكر بيان أصدره الوسطاء الذين يتمتعون بنفوذ واسع في بوركينا فاسو، بحسب موقع فرانس24.

وأورد بيان منفصل، الأحد، أصدره العسكريون الموالون لتراوري، أن الأخير "كُلف بتصريف الأعمال إلى أن يؤدي اليمين رئيس تختاره القوى الحية للأمة"، من دون تحديد أي موعد لذلك.

وفي خطاب ألقاه أمام الأمناء العامين في حوالي 30 وزارة، اعتذر تراوري عن العسكر الذين "أثاروا اضطراباً في واغادوغو" في الساعات الأخيرة. وقال: "لقد حدث ذلك لأن بعض الأمور لا تسير على نحو جيد"، و"يتعين التحرك بسرعة" لتغيير ذلك؛ لأن "البلد بأكمله في حالة طوارئ".

"صفعة" جديدة لفرنسا

تجمع متظاهرون مؤيدون للانقلاب الجديد، الأحد 2 أكتوبر/تشرين الأول، أمام السفارة الفرنسية في واغادوغو، حيث أضرموا النار في حواجز حماية، وألقوا حجارة على داخل المبنى الذي كان جنود فرنسيون يتمركزون على سطحه.

كما أن القائد العسكري الجديد يعتبر فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، حليفاً للرجل الذي أطاح به، وتحدث تراوري علناً عن استعداده للعمل مع شركاء جدد لمحاربة "الإرهابيين"، وهو ما يفسره محللون بأنه تمهيد لتوظيف مرتزقة فاغنر الروس، على غرار ما حدث في مالي.

كل هذه مؤشرات على أن السيناريو المالي يتكرر في بوركينا فاسو، من انقلاب على الانقلاب، إلى ملامح تحول من الحضن الفرنسي إلى "الحليف" الروسي، بعد تصاعد الهجمات الإرهابية، التي فقدَ خلالها الجيش البوركيني السيطرة على 40% من مساحة البلاد، بحسب تحليل لوكالة الأناضول.

ويهدد الوضع الحالي بتخلي الانقلابيين الجدد عن تسليم السلطة للمدنيين في مهلة أقصاها 1 يوليو/تموز 2024، كما التزم بذلك زعيم الانقلاب الأول المخلوع داميبا، أمام الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا (إيكواس).

إذ من المرجح أن يشكل الانقلابيون الجدد في بوركينا فاسو مع نظرائهم في غينيا ومالي، ما يشبه التحالف لمواجهة عقوبات متوقعة من "إيكواس" ضدهم، إذا لم يلتزموا بتسليم السلطة في الآجال المتفق عليها في العهد السابق.

فرئيس الحكومة المالية الانتقالية العقيد عبد الله مايغا، زار العاصمة الغينية كوناكري، في 30 سبتمبر/أيلول المنصرم، نيابة عن العقيد عاصيمي غويتا، رئيس المجلس العسكري، بعد 10 أيام من زيارة رئيس المجلس العسكري في غينيا العقيد مامادي دومبويا، العاصمة المالية باماكو.

ورغم أن الزيارتين كانتا للمشاركة في احتفال البلدين بالذكرى الـ64 لاستقلالهما عن فرنسا، إلا أنه ليس من المستبعد أن يتم بحث الضغوطات التي تمارسها "إيكواس" ضدهما لتسليم السلطة في آجال لا تتجاوز العامين، بينما يرغب دومبيا وغويتا، في إطالة فترة حكمهما أطول من ذلك.

عندما أطاح داميبا بالرئيس روش مارك كريستيان كابوري، في يناير/كانون الثاني الماضي، برر انقلابه بعدم تمكن الأخير من مواجهة الجماعات الإرهابية طيلة 7 سنوات من حكمه.

مالي فرنسا روسيا
قوات فرنسية في إفريقيا/ رويتزر

لكن وبعد نحو 9 أشهر من حكم داميبا، تدهور الوضع الأمني في بوركينا فاسو أكثر من أي وقت مضى من عهد كابوري، بعد تمدد الجماعات الإرهابية في نحو 40% من مساحة البلاد. إذ تعرضت وحدات الجيش خلال الأشهر الأخيرة لعدة هجمات خلفت خسائر فادحة في الأرواح، أحبطت معنويات جنوده والضباط الميدانيين من صغار الرتب، وشحنت السخط ضد قيادة المجلس العسكري.

فبعدما كانت مالي مركز ثقل الجماعات الإرهابية في الساحل، أصبحت بوركينا فاسو، تسجل أكبر عدد من القتلى الذين سقطوا على يد الجماعات المسلحة في المنطقة خلال 2021.

وهذه السنة الثانية التي تحتل فيها بوركينا فاسو المرتبة الأولى من حيث عدد القتلى في الساحل، خلال السنوات الثلاثة الأخيرة (2019-2021)، بحسب موقع "موند أفريك" الفرنسي. ففي شهر أبريل/نيسان الماضي وحده، قتل ما لا يقل عن 240 شخصاً، بينهم 108 ضد مدنيين.

وأعنف هذه العمليات الإرهابية، التي عجلت بوقوع الانقلاب على يد ضابط مغمور يدعى إبراهيم تراوري، مقتل 11 عنصراً من الدرك، في هجوم لمسلحين على بلدة سَيتنغا (شرق)، في يونيو/حزيران الماضي.

هل تتدخل فاغنر كما حدث في مالي؟

لم يقتصر الأمر على هذه الخسائر في صفوف الدرك، إذ إن المسلحين عاودوا الهجوم على البلدة بعد يومين من الهجوم الأول عقب انسحاب الجنود، ووقعت مجزرة راح ضحيتها 79 مدنياً، بحسب جهات رسمية، و116 شخصاً بينهم أطفال ونساء، بحسب ناشطين إعلاميين، ونزح من البلدة أكثر من 30 ألف شخص.

كانت أكبر مجزرة تسجل في عهد داميبا، الذي أعلن الحداد الوطني لثلاثة أيام، وتزايد الغضب بين فئات من الجيش، وحتى الشعب، لعدم وفائه بتعهداته في مواجهة الإرهابيين.

تزايد السخط في صفوف الجيش، خاصة من هم في الخطوط الأمامية، من الإخفاقات المتواصلة في مواجهة الجماعات المسلحة بسبب قلة الدعم، وكان داميبا يدرك أن هذا الغضب من الممكن أن يتحول إلى انقلاب، لذلك أقال وزير دفاعه في 13 سبتمبر/أيلول، قبل أسبوعين من الانقلاب، واختار تولي مهامه بنفسه.

لكن الانقلاب لم يأتِ من كبار الضباط، بل من ضابط شاب برتبة نقيب هو تراوري، التحق بالجيش لأول مرة في 2010، وشارك في الانقلاب الذي أطاح بكابوري، وعينه داميبا قائد فيلق فوج مدفعية كايا (شمال)، الذي عانى من هجمات الإرهابيين.

إذ إن رفاق داميبا، الذين ساعدوه في الإطاحة بنظام كابوري، لاتهامه بعدم حشد القوات والإمكانيات الكافية لمواجهة الجماعات المسلحة، هم أنفسهم من تخلوا عنه، بل وانقلبوا عليه للأسباب نفسها بعد أن شعروا بالخيانة. 

لم يتضح بعد أي دور لروسيا في دعم الانقلاب الجديد، لكن الانقلابيين الجدد اتهموا العقيد داميبا، بعد يوم من الانقلاب، بـ"اللجوء إلى قاعدة فرنسية في كامبواسين، للتخطيط لهجوم مضاد"، وهو ما نفته الخارجية الفرنسية. وتقع قاعدة كامبواسين، على بعد 30 كلم شمال غرب واغادوغو، وتضم قوات سابر الفرنسية الخاصة.

مرتزقة فاغنر
مرتزقة فاغنر الروس – مواقع التواصل

واعتبر الانقلابيون الجدد، أن هذه الخطوة جاءت على خلفية "رغبتنا القوية في التوجه نحو شركاء آخرين، مستعدين لمساعدتنا في مكافحة الإرهاب". و"الشركاء الآخرون" لا يمكن أن يكونوا سوى الروس، وذراعهم الأمنية شركة فاغنر، المستعدين لتزويد جيوش الساحل الإفريقي بالأسلحة لمواجهة الجماعات المسلحة، مقابل تقويض النفوذ الفرنسي بالمنطقة.

فالصراع الروسي الفرنسي بمنطقة الساحل مستعر، ومالي تمثل إحدى أبرز تجلياته. ومع فشل عملية برخان العسكرية، التي أطلقتها باريس في 2014، وانسحابها من مالي، منتصف أغسطس/آب الماضي، بدأ يتراجع النفوذ الفرنسي في المنطقة.

وداميبا، كان يعرف على أنه أحد رجال فرنسا في المنطقة، وعلى عكس الانقلابيين في مالي وغينيا، لم تفرض "إيكواس" أية عقوبات على المجلس العسكري في بوركينا فاسو، ما يعكس كرماً غريباً من لدن منظمة إقليمية تملك باريس نفوذاً قوياً في العديد من أعضائها.

بالمقابل، لا تحظى باريس بقبول من البوركينابيين الذين تظاهر المئات منهم قبل ساعات من الانقلاب للمطالبة برحيل القوات الفرنسية من بلادهم، وإقامة تعاون عسكري مع روسيا، بحسب إعلام فرنسي.

وبعد الإطاحة بداميبا، سيتيح ذلك لروسيا التوغل أكثر في بوركينا فاسو، على غرار ما فعلت في مالي، من خلال إرسال مدربين وعناصر من فاغنر إليها، وتزويدها بأسلحة خفيفة وثقيلة، بما فيها الطيران الحربي (المستعمل)، مقابل الاستفادة من حقوق استغلال مناجمها المعدنية، خاصة أنها خامس أكبر منتج للذهب في إفريقيا، ناهيك عن الفوسفات والمنغنيز والزنك.

تحميل المزيد