في عام 2016، ومع تهيئة المواطنين لتحمّل الآثار السلبية المتوقعة للاتفاق مع صندوق النقد الدولى، وعد المسؤولون الجمهور بأنهم سوف يحصدون ثمار الإصلاح الاقتصادى، من خلال تحسن المستوى المعيشي، وزيادة الخدمات الحكومية، وزيادة فرص العمل وتقليل معدلات الفقر.
ومرت سنوات برنامج الصندوق الثلاثة دون أن تتحسن الأحوال، ليتم طلب مهلة وراء أخرى حتى عادت الأحوال الاقتصادية خلال العام الحالي مماثلة تماماً لما كانت عليه عام 2016 من مشاكل تتمثل في نقص بالعملات الأجنبية وشكوى من الشركات من صعوبة توفير المواد الخام ومستلزمات الصناعة، وعجز بالعملات الأجنبية بالبنك المركزي وباقي البنوك.
ونقص للسلع المستوردة بعد التضييق على الواردات، مما أدى لارتفاع أسعارها، وعودة للسوق السوداء للتعامل بالدولار والتي كانت قد تلاشت بالنصف الثاني من عام 2017، وخروج لاستثمارات الأجانب في أدوات الدين الحكومي، وتناقص احتياطيات النقد الأجنبي، وعزوف من جانب المستثمرين المحليين والأجانب، وارتباك للمشهد الاقتصادي بشكل عام.
مما دفع الحكومة لطلب قرض جديد من صندوق النقد الدولي، والذي سيكون مصحوباً باتفاق جديد معروف كثير من مكوناته، نظراً لتشابه مطالب الصندوق من الدول النامية التي يقوم بإقراضها، إلى جانب تصريح الصندوق بتلك المطالب خلال البيانات الصادرة عنه عقب زيارات خبرائه لمصر، ومنها مرونة سعر الصرف أي خفض قيمة الجنيه المصري أمام الدولار، وتقليل نفقات الدعم وخفض العمالة بالحكومة وزيادة الإيرادات الضريبية وتقليل الواردات.
خفض العمالة بالجهات الحكومية
مما يعني أعباءً جديدة سيتم تحميل المواطنين بها رغم المعاناة التي ألمّت بهم خلال سنوات الاتفاق السابق، حين أرادت الحكومة حينذاك تقديم برهان على التزامها بمطالب الصندوق، فقامت بزيادة أسعار المشتقات البترولية من بنزين وسولار وكيروسين ومازوت وغاز طبيعي إلى جانب الكهرباء ومياه الشرب، ورفعت أسعار المواصلات العامة من أتوبيسات عامة ومترو وقطارات، وزادت أسعار الخدمات الحكومية.
وقللت العمالة بالحكومة، ففى العام المالي السابق على الاتفاق مع الصندوق، كان عدد العاملين بالحكومة 5 ملايين و772 ألف موظف، لينخفض العدد بالعام المالي الأول للاتفاق بنحو 749 ألف موظف ليصل إلى 5 ملايين و23 ألف موظف، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم يعلن جهاز الإحصاء الرسمي عدد الموظفين بالحكومة، والذي يتوقع انخفاضه سنوياً بنحو 200 ألف شخص بسبب الخروج للمعاش، وعدم التعيين بالجهات الحكومية إلا فى أضيق الحدود.
وهاهو سعر لتر البنزين 80 أوكتين الذي كان 160 قرشاً قبل الاتفاق مع خبراء الصندوق عام 2016، ليتزايد سعره عدة مرات حتى بلغ 800 قرش حالياً، وكذلك بنزين 92 أوكتين الذي كان سعره 260 قرشاً للتر ليزيد عدة مرات ليصل حالياً إلى 925 قرشاً، ولتر السولار الذى كان سعره 235 قرشاً ليزيد عدة مرات حتى وصل حالياً 725 قرشاً، وأسطوانة الغاز الطبيعي المنزلية التي كان سعرها 8 جنيهات لتزيد أكثر من مرة حتى وصلت الآن إلى 75 جنيهاً.
وكان سعر الكهرباء للشريحة الثانية التي يصل متوسط استهلاكها الشهري ما بين 51 إلى 100 كيلو وات ساعة 21.5 قرش للكيلو وات ساعة منتصف عام 2016، ليزيد بشكل سنوي حتى بلغ 58 قرشاً فى منتصف العام الماضي، وحددت الحكومة موعد زيادته ببداية العام الجديد.
وكانت أجور العاملين بالحكومة تمثل نسبة 7.9% من الناتج المحلي الإجمالي بالعام المالي 2015/2016، وهو العام المالي السابق على بدء الاتفاق مع الصندوق لتنخفض النسبة بالعام المالي الأول للاتفاق إلى 6.5%، ثم إلى 5.4% بالعام المالي الثاني، ثم إلى 4.6% بالعام المالي الثالث، وأشارت بيانات موازنة العام المالي الحالي لانخفاضها إلى 4.4%.
مؤشرات رسمية مرتفعة للتضخم
كما انخفضت نسبة الدعم بالموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 8% بالعام الأول للاتفاق، إلى 7.4% بالعام الثاني ثم إلى 5% بالعام الثالث، وبلغت النسبة بالعام المالي الحالي 3.9%، والتحايل على خفض قيمة الدعم، فمع رغيف الخبز المدعم تم خفض الوزن للرغيف، وحالياً زيادة كمية النخالة فى إنتاج الخبز لتقليل التكلفة.
حتى بند شراء السلع والخدمات الذي يشير إلى توفير مستلزمات إدارة دولاب العمل بالمصالح الحكومية، وتدبير المستلزمات الطبية بالمستشفيات الحكومية والتغذية المدرسية، انخفض من نسبة 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي بالعام المالي السابق للاتفاق، إلى 1.2% بالعام الأول له، ثم إلى 1.1% بالعام الثالث للاتفاق.
مما يعني إسهام أقارب المرضى بالمستشفيات الحكومية في شراء الأدوية والمستلزمات الطبية على نفقتهم الخاصة، وكذلك الإسهام في نفقات إجراءات إستخراج الأوراق الحكومية بداية من شراء الورق اللازم لتصوير المستندات، أو التصوير على نفقتهم خارج المصالح الحكومية، ونحو ذلك مما يحدث ببعض المدارس من شراء مقاعد دراسية لجلوس الأبناء.
وتسبب ما يسمى بتحرير سعر الجنيه أمام الدولار في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 فى زيادة تكلفة السلع المستوردة، الأمر الذي انعكس على مؤشر التضخم الذي يعلنه جهاز الإحصاء الحكومي، ليرتفع من 14% بالشهر السابق على قرار التعويم إلى 34% بشهر يوليو/تموز 2017، مع تحفظ كثير من الخبراء على مؤشر التضخم الحكومي والذي يعتبرونه لا يعبر عن الواقع الحقيقي للتضخم.
وظل مؤشر التضخم الرسمي الحكومي مكون من رقمين طوال عامي 2017 و2018 وحتى منتصف عام 2019، ثم عاد إلى نفس الوضع المكون من رقمين منذ شهر فبراير/شباط من العام الحالي وحتى الآن، وهو الأمر المتوقع استمراره وارتفاع نسبته بعد قرار خفض قيمة الجنيه أمام الدولار المرتقب، وكذلك قرار رفع سعر الفائدة المتوقع، مما يزيد من التكلفة على الشركات الإنتاجية، والتي ستنقل ذلك العبء إلى المستهلك.
مؤشر غير دقيق لمعدل الفقر
ولم يقتصر ما دفعه المواطن كثمن لبرنامج الإصلاح الاقتصادي على رفع أسعار المحروقات والكهرباء والخدمات الحكومية، بل امتد إلى فرض ضريبة القيمة المضافة على السلع والخدمات بنسبة 14%، لتحل محل ضريبة المبيعات التي كانت نسبتها 10% فقط، كما تم تعديل أنواع الضرائب الأخرى مثل ضريبة الدمغة ورسم التنمية والضريبة العقارية بإدخال أنماط أخرى تخضع لها.
ويرى كثير من الخبراء حتى من بين أنصار النظام الحالي، أن إطلاق مسمى الإصلاح الاقتصادى على ما تم فى 2016 هو أمر غير دقيق، حيث اقتصر الأمر على عملية إصلاح مالي ونقدي، من خلال خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات وتحرير سعر الصرف وزيادة سعر الفائدة والمزيد من طبع النقود، إلا أن البرنامج لم يمتد إلى قطاعات الصناعة والزراعة والاستثمار، ولهذا لا يصح أن نسميه إصلاحاً اقتصادياً.
وفي ظل تلاشي أثر التحسن بالمؤشرات المالية النقدية التي حدثت بعد تنفيذ البرنامج، والعودة إلى نفس نقطة البداية لعام 2016، من مشاكل نقص العُملة وصعوبات الاستيراد وتعطل الإنتاج وضعف الاستثمار، يتضح أن المواطن البسيط دفع الثمن دون أن يجني أية ثمار.
حيث تشير البيانات الرسمية التى تزعم تراجع معدل الفقر من 32.5% إلى 29.7%، إلى أكثر من مغالطة أولها ما نُشر بإحدى الصحف الإقتصادية من أن نسبة الفقر تم طلب تعديلها مرتين من قبل إحدى الجهات السيادية، حتى تتواءم النسبة مع المشروعات القومية، والأمر الآخر أن هذا الحصر لمعدل الفقر يغطي فترة زمنية ما بين عامي 2019 وحتى مارس/آذار 2020.
أي بالفترة السابقة على ظهور تداعيات فيروس كورونا التي أثرت سلباً على حياة غالبية الأسر الفقيرة والمتوسطة، مما يجعلها غير مُعبرة عن الواقع فيما بعد كورونا، يُضاف لذلك الآثار السلبية لموجة الغلاء الممتدة منذ النصف الثاني من العام الماضي وحتى الآن، مما يعني أن نسبة الفقر تلك التي يتداولها المسؤولون لا علاقة لها بالواقع الحالي.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.